x

الجيوش العربية.. من الدفاع عن الدولة إلى لعبة السياسة

الجمعة 12-07-2013 19:57 | كتب: غادة حمدي |
تصوير : أ.ف.ب

كشفت الأعوام الماضية عن الدور المحورى، الذى يلعبه الجيش فى مختلف بلدان المنطقة العربية، خاصةً في دول ما يسمى «الربيع العربى»، إذ لم يقتصر دور المؤسسة العسكرية على الدفاع عن سلامة البلاد ووحدة أراضيها، بل امتد ليدخل في لعبة السياسة، ويعمل على تغيير مجريات الأحداث الداخلية، عبر الانخراط فى المواجهات المسلحة، وقيادة حكم البلاد، والانقلابات العسكرية وغيرها من أشكال التدخل العسكرى. وذلك فى الوقت الذى بقى فيه الجيش «نقطة ضعف» فى بنيان عدد من الدول العربية، مما أسفر عن انهيار مقومات الدولة، وانتشار الفوضى والحروب الأهلية.

وفى مصر، لعب الجيش دوراً محورياً، سواء أثناء ثورة 25 يناير2011 أو خلال الإطاحة بحكم الرئيس المعزول محمد مرسى بعد احتجاجات 30 يونيو الماضى الضخمة، حيث شكل الجيش فى كلتا الحالتين «العامل الضامن» للانتقال السلمى للسلطة، فيما أكد رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى فى بيان سابق أن «القوات المسلحة لن تكون طرفاً فى دائرة السياسة والحكم».

كان الجيش المصرى قد رفض إطلاق النار على المتظاهرين السلميين، خلال ثورة يناير، ونزلت قوات منه إلى الشوارع، للتصدى لأعمال العنف.

ولاحقاً، تسلم رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة السابق، المشير حسين طنطاوى، قيادة مصر، بعد تنحى الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وحتى قيام مرسى بأداء اليمين، وتسلم منصبه، فى يونيو 2012.

وفى تونس، لا يختلف المشهد كثيراً عن مصر، إذ رفض الجيش إطلاق النار على المحتجين، خلال «ثورة الياسمين» التى انطلقت، فى ديسمبر2010، وشكل مهداً لـ«الربيع العربى»، وهو ما أسهم فى الإسراع بسقوط الرئيس المخلوع زين العابدين بن على. وكان قائد أركان الجيش التونسى، المستقيل، الجنرال رشيد عمار، قد أعلن، خلال الثورة، أن الجيش لن يقف أمام المتظاهرين، لافتاً إلى عدم رغبته فى المشاركة فى الحياة السياسية، وإلى التزام الجيش بالدستور، لذا بقيت المؤسسة العسكرية فى تونس «محايدة»، بعد الثورة، ونأت بنفسها عن التجاذبات السياسية، واقتصر دورها على حماية المؤسسات الحكومية والحدود.

لكن الاستقالة المفاجئة التى تقدم بها «عمّار»، فى يونيو الماضى، أثارت القلق حول مستقبل تونس، فرغم أنه برر قراره بتجاوزه سن التقاعد، فقد ثارت مخاوف من «تسييس» الجيش، خاصة أن قرار «عمار» جاء وسط احتدام التوتر السياسى فى البلاد بين المعارضة والائتلاف الحاكم الذى يهيمن عليه إسلاميو حركة «النهضة»، وفى وقت لم يصادَق فيه نهائياً على النسخة الأخيرة من الدستور الجديد.

وتقول قناة «فرانس 24»، التليفزيونية الفرنسية، إن الضبابية تطغى على الموقف التونسى، لأن «عمار» كان يطرح نفسه على أنه الشخص الضامن لتحقيق أهداف الثورة والحامى لها، وبخروجه، يترك المجال أمام من يريد الالتفاف عليها. وبعدما شكّل العراق، ومن قبله الصومال، أول النماذج للأثر التدميرى لتفكك الجيش، جاءت ليبيا، لتقدم مثالاً آخر على الفوضى الشاملة، المترتبة على غياب دور الجيش، فالساحة الأمنية هناك تعانى فراغاً كبيراً، منذ سقوط الزعيم الراحل معمر القذافى، فى أكتوبر2011، إذ تنتشر الميليشيات المسلحة بشكل كبير فى البلاد، التى لا تملك جيشاً متكاملاً ينضوى تحت جهة محددة مثل وزارة الدفاع، فيما تنفذ تلك الميليشيات أعمال عنف واسعة.

ومازال تدخل الكتائب المسلحة فى جسم الجيش الليبى يشكل أكبر أزمة تواجه تشكيل جيش متماسك، فعناصر الكتائب تنصاع فقط لأوامر الكتيبة وليس لقياديى الجيش، فى حين استقال عدد من قيادات الجيش الليبى، بسبب الفوضى التى تعم البلاد.

ومن ليبيا إلى سوريا، حيث يشكل الجيش نقطة قوة فى نظام الرئيس السورى بشار الأسد، بل إنه يمكن القول إن المؤسسة العسكرية هى «طوق النجاة الأخير» بالنسبة للنظام. ورغم حالات الانشقاق التى تقدر بالآلاف، يبقى جيش الأسد متماسكاً إلى حد كبير، ويمتلك أرصدة تدعم قدرته على البقاء، خاصة مع تلقيه الدعم العسكرى من حلفائه، إيران وروسيا و«حزب الله»، اللبنانى، الأمر الذى مكّنه من تحقيق تقدم على الأرض، خلال الفترة الماضية، وانتزاع عدد من المناطق الحيوية من أيدى مقاتلى المعارضة، مما قد ينذر بإطالة أمد الصراع الذى أودى بحياة نحو 100 ألف سورى حتى الآن.

وإلى جانب الجيش، الذى ينتمى عدد كبير منه للطائفة العلوية التى ينتمى إليها «الأسد»، يستعين الرئيس السورى بالأجهزة الأمنية وبفرق «الشبيحة» التى تورطت فى ارتكاب عدد من المجازر، وكلها أمور تجعل معادلة الصراع فى الداخل لاتزال فى صالح النظام.

ورغم تعدد الطوائف، وكثرة الانقسامات السياسية فى لبنان، فإن تدخل الجيش فى الشؤون الداخلية بقى فى إطار محدود، خاصةً بعد الانقسامات التى شهدها طيلة فترة الحرب الأهلية الممتدة من 1975 حتى 1990. مع العلم بأن 3 من قادة الجيش وصلوا إلى كرسى الرئاسة، وهم فؤاد شهاب وإميل لحود والرئيس الحالى ميشال سليمان.

ومن أبرز المعارك الداخلية التى قادها الجيش اللبنانى حملاته الأمنية على مسلحى تنظيم «فتح الإسلام»، فى مخيم «نهر البارد» للاجئين الفلسطينيين. كما عاد الجيش للتدخل فى مجريات الأحداث السياسية، خلال الفترة الماضية، وكان آخرها الاشتباكات التى وقعت فى مدينة صيدا، جنوبى لبنان، بين أنصار الشيخ السلفى أحمد الأسير وأعضاء من «حزب الله» الشيعى.

ويبدو أن قرارات تعيين قيادات المناطق العسكرية التى أصدرها الرئيس اليمنى عبدربه منصور هادى، فى إبريل الماضى، أنهت إلى حد كبير انقسام الجيش اليمنى الذى تصاعد، على خلفية الاحتجاجات الشعبية فى البلاد، عام2011، وذلك بإلغائه الحرس الجمهورى، الذى يقوده أحمد على، نجل الرئيس السابق على عبدالله صالح، والفرقة الأولى «مدرع»، التى يقودها اللواء المنشق على محسن الأحمر، لكن تلك القرارات لا تعنى فى المقابل الانتقال إلى مرحلة الجيش الوطنى المحايد، على غرار الحالتين المصرية والتونسية، نتيجة للترابط التاريخى بين الانتماء الاجتماعى والعمل السياسى وبين المؤسسة العسكرية فى اليمن، ونتيجة أيضاً لما يحققه الانخراط فى المؤسسة العسكرية من موارد اقتصادية ومالية ورمزية تعزز نفوذ العشيرة وسطوتها.

أما فى الجزائر، فلطالما كانت للجيش أهمية كبيرة فى المجال السياسى، ففى 1991، كان الصراع بين الحزب الحاكم و«الجبهة الإسلامية للإنقاذ» فى أوجه، خاصة بعد فوز «الجبهة»، فى الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، بأغلبية ساحقة. ومع زيادة المخاوف من هيمنة الإسلاميين، ألغى الجيش الجولة الثانية من الانتخابات، عام 1992، وهو ما رفضه الرئيس الشاذلى بن جديد، الذى أُرغِم على الاستقالة. وتم تأسيس المجلس الأعلى للدولة، الذى يعد مجلساً رئاسياً لحكم الجزائر، بقيادة محمد بوضياف، إلى أن اغتيل، فى يونيو 1992.

ومع تزايد مطالبات المعارضة الجزائرية، فى الفترة الأخيرة، للجيش بعزل الرئيس الجزائرى، عبدالعزيز بوتفليقة، الذى يتلقى العلاج، فى باريس، من جلطة دماغية، منذ شهور، والذى تنتهى ولايته، العام المقبل، أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية ولاءها لرئيس البلاد، والتزامها بالدستور، مستبعدة بذلك الانخراط فى لعبة السياسة الداخلية، لكن محللين مازالوا يطرحون سيناريو وقوع انقلاب عسكرى بـ«غطاء دستورى»، فى الجزائر، استناداً إلى المادة 88 من الدستور التى تتحدث عن التدابير التى يتم اتخاذها، فى حالة عجز الرئيس عن أداء مهامه.

وفى السودان، تكثر الانقلابات العسكرية التى أوصلت قادة الجيش إلى سدة الحكم فى البلاد، وكان أولها الانقلاب الذى قاده الفريق إبراهيم عبود، عام 1958، ليحكم بعدها البلاد حتى أطاحت به ثورة شعبية عام 1964، حسبما ذكرته قناة «سكاى نيوز»، العربية.

وفى عام 1969، قاد جعفر نميرى انقلاباً عسكرياً على حكومة إسماعيل الأزهرى، إلى أن أطاحت بالأول انتفاضة شعبية عام 1985، ليقود وزير دفاعه عبدالرحمن سوار الذهب المرحلة الانتقالية، لنحو عام، حتى أجريت انتخابات، وسلمت السلطة للصادق المهدى. وفى 30 يونيو 1989، أطاح الرئيس الحالى عمر البشير بحكم «المهدى» فى انقلاب عسكرى، إلا أن «المهدى» عاد مؤخراً ليقود حملة ضد «البشير» تدعو إلى إسقاطه عبر الحوار والاحتجاجات أو ما يسمى «القوة الناعمة».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية