«أستطيع أن أجعل من أطفال الشوارع في مصر راقصي باليه عالميين».. هكذا بدأ الفنان أحمد الجوهري، مصمم الباليه العالمي، حديثه مع «المصري اليوم» في العاصمة النمساوية فيينا.
كأي مصري تأثر بثورة 25 يناير، انعكس ذلك في أعماله الحديثة التي قام بتصميمها ضمن روائعه التي يتميز بالمزج بين الثقافين المصرية الشرقية - بحكم نشأته وذاكرته - والقوالب المعروفة في هذا الفن الغربي – بحكم دراسته. هكذا نجح الجوهري في مزج فن الباليه الحديث، المعروف برشاقة حركاته مع الباليه الكلاسيكي والمودرن والفلكلور، وهو السبب الحقيقي وراء شهرته.
ورغم شهرته في الخارج، يقول راقص الباليه العالمي بأسى لـ«المصري اليوم»: «لم تلق الفكرة صدى لدى المسؤولين عن الأوبرا في مصر. أفكاري وتصميماتي مازالت حبيسة الأدراج ولم تخرج للنور بعد». ويضيف «الباليه مثل أي قطاع آخر، يحتاج بدوره إلى ثورة، حتى يلحق هذا النوع من الفن بمثيله في دول العالم».
لذلك عبر الجوهري عن هذه الأفكار برقصة وصفها بـ«الثورية» تعكس الواقع المصري بعد اندلاع الثورة، لكنه عبر عن حزنه أن هذه الرقصة لا يمكن تنفيذها إلا في مصر على يد فنانين مصريين، وليس أجانب، يشعرون بالتطورات السياسية المتلاحقة على مدار العامين الماضيين.
ولد الجوهري، الذي تطلق عليه الأوساط الفنية والإعلامية في أوروبا «القط الأحمر»، لخفة أدائه، في منطقة «الحامول» بكفر الشيخ، وانتقل إلى المحلة الكبرى حيث محل عمل والده. ويقول: «لم أكن أحلم بكل هذه الشهرة أو حتى الدخول في مجال الفن, بل اقتصرت أحلامي وطموحاتي على مزرعة صغيرة في البرارى أعيش فيها بين أحضان الريف المصري الطيب». لكن, والكلام له, استكمل دراسته، بناء على طلب والده، ثم اتجه لدراسة فن الباليه.
وبدأ بدراسة الباليه في أكاديمية القاهرة ثم هاجر لفرنسا لاستكمال دراسته، وتعلم هناك الباليه الكلاسيكي، ثم باليه الجاز، قبل أن يتحمس لمواصلة تعلم الرقص الحديث «نيو باليه». بعد ذلك، سافر الجوهري إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث طور مهاراته في أكاديمية الرقص في نيويورك، ثم توجه إلى بريطانيا فى طريق عودته إلى أوروبا.
أما النمسا، فقد وصل إليها الجوهرى عام 1979، وعمل أستاذا للرقص وقام بتصميم العديد من الرقصات فى دول أوروبية مختلفة مثل ألمانيا وإيطاليا واليونان. وفي فيينا، أسس فرقة باليه «أبو الهول» كما أسس مركز رقص لتعليم الشباب الرقص الحديث، إلى جانب عمله كأستاذ في معهد «كونسرفيتوار فيينا للباليه».
ومن المحطات التى يعتبرها مهمة في حياته كانت عام 1997 عندما بدأ في تصميم رقصات منفردة في باليه «كيروف» الروسي الشهير، فضلا عن رقصات «لانستازيا فولتشكوفا»، لفرقة «بولشوي» موسكو، كما صمم رقصات لراقصين منفردين بباليه أوبرا القاهرة.
ويحكي الجوهري عن التصميمات التي نفذها، وعن رقصات باليه ذات النكهة الشرقية التي حققت نجاحا كبيرا في أوروبا والعالم، ولم يسمع عنها أحد في مصر. من هذه التصميمات رقصة «الحضرة» المستمدة من موسيقى الزار الشعبية المعروفة، وموسيقى الجاز ذات الجذور الإفريقية, أما الثانية فكانت «حسن ونعيمة». كما نجح في المزج بين مقطوعات موسيقية عالمية شهيرة، كروائع تشايكوفيسكي وموتسارت وكورساكوف، والموسيقى الشعبية، خاصة الموال المصري.
وأحدثت رقصته «نزهة على النيل»، أداء فريق باليه القاهرة، في المهرجان العالمي للباليه الكلاسيكي، عام 2001 في النمسا، دويا كبيرا وحازت على إعجاب النقاد والفنانين، لما عكسته من أهمية تاريخية لنهر النيل في رسم للشخصية المصرية وتحديد ملامحها الحضارية.
ويقول الجوهري في حديثه «الآن بعد أكثر من 45 عاما قضيتها خارج مصر، وحققت فيها كل هذه الإنجازات، يأخذني الحنين والشوق لمصر. أتمنى العودة إلى هناك لأكمل فيها حياتي أنا وأولادي، ولأعطي بلدي كل الخبرات الفنية التي اكتسبتها في الخارج. إنها ثروة فنية لا أريد أن أموت في بلد آخر غير مصر وأتركها للغريب».