x

فى البدء كانت «الكنيسة المرقسية»

الجمعة 02-11-2012 18:53 | كتب: اخبار |
تصوير : اخبار

خشوع وروحانية تشعر بهما بمجرد دخولك كنيسة مرقس الرسول بالإسكندرية، ربما تتشابه فى هذا مع جميع دور العبادة، لكنها تختلف فى قيمتها الأثرية الكبيرة، حيث تعتبر أقدم الكنائس فى أفريقيا، والمؤرخ والباحث الإنجليزى بتلر رجح أنها أول كنيسة بنيت فى العالم.

يقول الأنباء مكاريوس، كاهن الكنيسة: «المرجح أن مكان الكنيسة هو نفسه بيت إنيانوس أول من اعتنق المسيحية فى مصر، وبعد أن تعمد هو وأهله تحول هذا البيت إلى كنيسة، واستخدمت للصلاة لأول مرة حوالى عام 62 ميلادية مع دخول المسيحية مصر عن طريق مارمرقس، الرسول الذى جاء من شمال أفريقيا، وكان من تلامذة السيد المسيح، حيث عاش معه وكان ضمن السبعين رسولا الذين أرسلهم المسيح لنشر ديانته فى أرجاء الأرض.

ويواصل مكاريوس: «جاء مرقس الرسول إلى مدينة الإسكندرية على الأرجح سنة 58 ميلادية، واضطر بعد ذلك أن يتركها، بسبب محاربة أهلها له، فذهب إلى برقة بليبيا ومنها إلى روما، حيث كانت له جهود كبيرة فى أعمال الكرازة، وعاون بها الرسول بولس، وما لبث أن عاد إلى الإسكندرية عام 65 ميلادية ليجد أن الإيمان بالمسيحية قد ازدهر فقرر أن يزور ليبيا، وعاد ثانية إلى الإسكندرية ليستشهد هناك فى منطقة بوكاليا».

وعن قصة وفاة مرقس الرسول الذى يعتبر أول بابا للأقباط يذكر البابا شنودة الثالث فى كتابه «مرقس الرسول القديس والشهيد»: بينما كان الرسول يحتفل برفع القرابين المقدسة يوم عيد الفصح- واتفق ذلك اليوم مع عيد الإله الوثنى سيرابيس- هجم الوثنيون على الكنيسة التى كان المؤمنون قد أنشأوها عند البحر، فألقوا القبض على مار مرقس وبدأوا يسحلونه فى طرقات المدينة، وظلوا على هذا النحو حتى تناثر لحمه، وزالت دماؤه، وفى المساء وضعوه فى سجن مظلم، وفى اليوم التالى أعاد الوثنيون الكرة حتى فاضت روحه، فى آخر شهر يونيو سنة 68 ميلادية»، وإمعاناً فى التنكيل بجسد القديس أضرم الوثنيون النار، ووضعوه عليها بقصد حرقه، لكن أمطارا غزيرة هطلت فأطفأته ثم أخذ المؤمنون الجسد وكفنوه ودفنوه فى كنيسة بوكاليا، وبعد ذلك سرق بحار إيطالى الجسد عام 827 ميلادية، وبنى عليه كنيسة فى مدينته البندقية، وظل الرأس بالإسكندرية، فيما ظل الجسد فى روما، حتى طالب البابا كيرلس السادس بضرورة عودة رفات مرقس الرسول إلى الإسكندرية، وهو ما حدث بالفعل فى 1968، حيث انتدب البابا وفدا رسميا للسفر إلى روما لتسلم رفات القديس مرقس من البابا بولس السادس، وتألف الوفد من عشرة من المطارنة والأساقفة، بينهم ثلاثة من المطارنة الإثيوبيين وثلاثة من كبار أراخنة القبط.

أما الكنيسة المرقسية فبنيت على الطراز الرومانى، الذى كان سائدا فى ذلك الوقت، وبها أثر مهم جداً عبارة عن لوحة من الرخام كتبت عليها أسماء 55 بابا للأقباط بثلاث لغات هى اللاتينية والقبطية والعربية منذ عام 68 إلى 880 ميلادية، كما تضم عدة صور لمرقس الرسول يرجح أن إحداها تم رسمها أثناء كتابته الإنجيل، وهو أقدم إنجيل مكتوب، أما على «خورس الشمامسة» وهو الجزء الشبيه بخشبة المسرح فى الكنيسة فقد وضع الكرسى الخاص بالبطريرك الذى يجلس عليه البابا عند حضوره الكنيسة، على حد قول «مكاريوس».

وتذكر المصادر التاريخية أن الكنيسة تعرضت للتخريب وإعادة البناء عدة مرات الأولى فى عام 68 ميلادية، وفى 321 ميلادية تمت توسعتها فى عهد البابا أرشيلاوس الـ18، وفى 680 ميلادية قام البابا يوحنا السمنودى البطريرك الأربعين بإعادة بناء الكنيسة، ثم هدمت مرة أخرى أثناء الحروب الصليبية فى 1219 ميلادية، وتمت إعادة البناء مرة أخرى فى يوليو 1798 كما هدمت أثناء دخول الحملة الفرنسية الإسكندرية، وتم إعادة بنائها وتدشينها بيد البابا بطرس الجاولى عام 1819 فى عهد محمد على باشا، وعام 1870 تم تجديدها فى عهد البابا ديمتريوس الثانى، بإشراف نيافة الأنباء مرقس، مطران البحيرة، وكانت على طراز القباب المحمولة على ستة أعمدة رخامية مع حامل أيقونات رخامى على الطراز البيزنطى، مزود بما يزيد على ثلاثين أيقونة، وهذا الحامل مع أيقوناته لا يزال قائماً حتى اليوم.

بين عامى 1950 و1952 فى عهد البابا يوساب الثانى تم هدم مبنى الكنيسة بعد أن صار آيلا للسقوط، وبنى آخر أوسع وأفخم بالخرسانة المسلحة، ونقلت الأعمدة الرخامية الستة إلى مدخل الكنيسة الخارجى، أما حامل الأيقونات فقد تم تقطيعه بدقة، وترقيمه ثم تركيبه بحرص مرة أخرى فى مكانه، ولم تهدم المنارتان بل تمت تقويتهما بواسطة قمصان خرسانية، وتعليتهما مع تزيينهما بنقوش قبطية جميلة، وتم تركيب جرسين جديدين أحضرا خصيصا من إيطاليا لكل منارة، وبين 1985 و1990 تم توسيع الكنيسة من الجهة الغربية على نفس الطراز السابق بكل دقة، مع الاحتفاظ بالمنارتين فى مكانيهما، فتضاعفت المساحة الكلية للكنيسة، وتم نقل الأعمدة الرخامية الستة إلى المدخل الغربى الجديد للكنيسة، وبناء ست أيقونات قبطية بالفسيفساء، 4 منها فى المدخل «السيدة العذراء- رئيس الملائكة ميخائيل- مامرقس- مارجرجس» واثنتان فى صحن الكنيسة «مارمينا- الأنباء أنطونيوس».

يذكر أن قداسة البابا شنودة الثالث قد صلى عيد الغطاس عام 1990 فى افتتاح الكنيسة بعد توسعتها، ويقول الأنباء مكاريوس إن البابا شنودة كان أكثر البابوات حرصاً على إلقاء العظة فى الكنيسة المرقسية، حيث كان يلقيها مرتين شهرياً، وظلت الكنيسة مقراً للبطريرك، وهذا سبب تسمية بابا الأقباط باسم بابا الإسكندرية، ثم انتقل المقر عدة مرات إلى أن أصبح الآن فى كاتدرائية العباسية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية