قدم الدكتور محمد البرادعي برنامجا متكاملا للرئيس المؤقت، عدلي منصور، للخروج من الأزمة التي تمر بها البلاد.
وتضمن البرنامج، الذي قالت «الشرق الأوسط» إنها حصلت على نسخة منه، «إعطاء البرلمان المقبل صلاحية استجواب رئيس الجمهورية والاشتراك مع القضاء في تعيين النائب العام ونوابه، وكذلك النص على انتخاب المحافظين للتخلص من المركزية الإدارية، ونقل صلاحيات وزارة العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء، وإعادة تأهيل جهاز الأمن بما في ذلك الأمن الوطني والأمن المركزي وزيادة أجور رجال الشرطة».
ويتأسس المشروع على مخاطبة جميع القوى المصرية دون تفرقة والعمل على المشتركات التي تتوافق حولها كل الأطياف والفرقاء، ودون إقصاء لأحد بما يعجِّل بتجاوز الظروف الراهنة والانتقال بالدولة المصرية إلى مرحلة عصرية جديدة.
ويشدد البرنامج على «تأصيل الحقوق والحريات الأساسية لجميع المصريين ليس فقط في الدستور والقانون؛ بل أيضا في البناء الثقافي المصري»، بما يمنع «أي مظاهر للتمييز الطائفي أو الديني أو العرقي».
وقال البرادعي في برنامجه الذي أعده بمساعدة خبراء في مجالات الاقتصاد والأمن والسياسة والإدارة، إنه يضع تعريفا شاملا للدولة المصرية ويتجنب «المختلف عليه» لإنهاء حالة الاستقطاب الجارية في البلاد.
وأوضح أن مشروعه يهدف إلى خروج مصر من الأزمة الراهنة، مضيفا أنه «مر أكثر من عامين على ثورة 25 يناير 2011، وما زلنا بعيدين كل البعد عن تحقيق أهدافنا من العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، بل على النقيض يمر الوطن بأوضاع أكثر سوءا.. وقبل 30 يونيو 2013 كانت مصر على حافة الهاوية».
وأضاف البرادعي في افتتاحية برنامجه قائلا: «هذا المشروع يحمل رؤية شاملة لمستقبل مصر للخروج بها من أزمتها الراهنة. ومن ثم فهو برنامج مطروح للمناقشة أمام الجميع بغض النظر عن توجهاتنا السياسية، فهناك المشترك الأهم فيما بيننا الذي نحرص على بنائه»، مشيرا إلى أن البرنامج هدفه الأساسي النهضة، ولذلك لا يتعرض للقضايا السياسية، وتلك التي تعد محل خلاف في هذا البرنامج طالما أنها لن تقدم بل على العكس هي السبب في انقسام المجتمع. ويطرح البرنامج المشكلات التي يتفق الجميع على أنها ملحة وموجودة وتتفاقم يوما بعد يوم، وفي حاجة لمن يتصدى لها، ولم تعد المسكنات علاجا. ولم تعد تنفع بأي حال من الأحوال، على حد قوله.
وتحت بند يحمل عنوان «إصلاح مؤسسات الحكومة»، قال البرنامج إن «الإصلاح المؤسسي للحكومة المصرية بداية من المحليات وحتى رئاسة الجمهورية ضرورة سياسية ملحة ومطلب شعبي أساسي وأحد أهم مقومات النجاح لتحقيق الازدهار الاقتصادي، ويهدف المشروع إلى بناء مؤسسات مصرية تشريعية وتنفيذية وقضائية قادرة على أداء دورها في خدمة الصالح العام بمهنية وكفاءة ونزاهة».
وأضاف البرنامج أنه يتعين لإصلاح المؤسسات التشريعية أن «يكون البرلمان المصري القادم قادرا على القيام بدوره التشريعي والرقابي على أكمل وجه، بحيث يحق له مراجعة موازنة الدولة كاملة، واستجواب أعضاء الحكومة ورئيس الجمهورية، وتأكيد تعيين الوزراء والنائب العام ورؤساء الهيئات العامة التابعة لمجلس الوزراء، على ألا تخصص مقاعد على أساس ديني أو فئوي، ويصبح البرلمان الجديد منوطا بإجراء تقييم شامل لقوانين الدولة؛ لإزالة تشوهات المرحلة السابقة».
وفي هذا الإطار قال البرنامج إنه «لابد من مراجعة دور مجلس الشورى (المجلس الثاني في البرلمان)؛ فإما أن يكون منوطا بإجراء التعديلات الدستورية أو المؤسسية والمراجعة القانونية لتشريعات البرلمان أو أن يلغى تماما.
وتضمن البرنامج خططا لإصلاح الجهاز التنفيذي بحيث يتحول تدريجيا من المركزية المطلقة في رسم السياسات واتخاذ القرارات والتصرف في الميزانيات إلى نظام أكثر فاعلية في تلبية احتياجات كل محافظة؛ من خلال انتخاب المحافظين وحصر دور الوزارات في التخطيط الاستراتيجي، وتحديد معايير الأداء والرقابة عليها، مع تفويض المحافظات للتنفيذ والإدارة في ضوء المتطلبات والأولويات المحلية». وأفرد البرنامج مساحة كبيرة لـ«إصلاح القطاع الأمني»، ممثلا في وزارة الداخلية قائلا إنه «لا يمكن أن يتم بمعزل عن برنامج إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي شامل يرتكز على التعليم وخلق ثقافة أمنية واجتماعية جديدة وروابط احتياج صحية بين المواطن وضابط الشرطة بحيث تعد الشرطة المصرية إحدى أهم ركائز المجتمع المدني المتحضر منوطا بها حفظ الأمن العام والحفاظ على الأرواح والممتلكات وتنفيذ القانون، مع إعلاء مبادئ الكرامة الإنسانية لكل مصري، فلا يجوز بأي حال تعذيب أي شخص أو اعتقاله أو معاملته بطريقه غير لائقة».
وأشار إلى أن «إصلاح القطاع الأمني» يستلزم تفعيل مجموعة من الخطوات التدريجية والمحسوبة، بما في ذلك تطوير المنظومة القانونية التي تحكم التفاعل بين المؤسسات الأمنية والسلطة المدنية، واستكمال إعادة هيكلة جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقا)، وفصل «الأمن المركزي» عن التجنيد العسكري وتحويله تدريجيا لقوة درك عالية الكفاءة ذات مهام محددة كمكافحة الإرهاب والشغب والجريمة المنظمة وتأمين المنشآت الحيوية وحماية التظاهرات السلمية والمسيرات.
ومما جاء في البرنامج حول هذه النقطة أيضا «العمل على إنشاء إدارة مستقلة مدنية لتلقي شكاوى المواطنين مع ضمان السرية والخصوصية»، إضافة إلى «تمكين النيابة العامة أو الإدارية من التحقيق في البلاغات الموجهة ضد الشرطة»، بالإضافة إلى «التركيز على تطوير قدرات الشرطة البشرية والمادية وتوجيهها إلى حماية وخدمة المجتمع»، و«مراجعة المناهج التدريبية لأفراد الشرطة وتطعيمها بالمواد اللازمة لخلق ثقافة مؤسسية، وتوفير أجور مجزية لأفراد الشرطة تتناسب مع أهمية دورهم في المجتمع المصري الجديد».
وأشار البرنامج إلى خطة إصلاح المؤسسات القضائية بقوله إنه لابد من تحقيق استقلال القضاء التام عن السلطة التنفيذية «ونقل صلاحيات وزارة العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء مما يعني الحاجة لوجود وزارة حكومية للعدل والالتزام التام بالإشراف القضائي الكامل على الانتخابات واشتراك القضاء مع البرلمان في اختيار النائب العام ونوابه».
وجاء في البند الخاص بـ«إصلاح منظومة الإعلام» التأكيد على ضرورة «فصل الملكية عن الإدارة، والإفصاح عن مصادر التمويل، والحد من حصة الملكية للشخص الواحد (الطبيعي والاعتباري) في أي مؤسسة إعلامية». أما في ما يتعلق بالصحف والقنوات الحكومية، فقال البرنامج إنه «من الضروري إعادة هيكلتها تحت إشراف مجلس أمناء يختاره البرلمان، مع التأكيد على دورها الأساسي في تقديم الخدمة العامة التي تكمن في تنوير وتثقيف المجتمع وليس الترفيه عنه كما هو الحال الآن، أو المنافسة غير المبررة مع الإعلام الخاص».
وتحت عنوان «سيادة القانون وحماية الحريات والحقوق الأساسية للمواطن» قال برنامج «البرادعي» المقدم للرئاسة المصرية، إن الدستور المقبل للدولة المصرية الجديدة يقتضي بالضرورة أن يكون «محل توافق بين جميع المصريين باعتباره الإطار الحاكم لنظام الحكم والتشريعات المنظمة للحياة والحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية لجميع المصريين، دون تمييز بين أقلية وأغلبية»، ولذلك «يجب أن يؤكد النظام الدستوري والتشريعي في الدولة المصرية الجديدة مبادئ المواطنة والتعددية وسيادة القانون واستقلال القضاء وأن يضمن الحقوق والحريات الأساسية لجميع المصريين، على أساس عدم التمييز والعدالة وتكافؤ الفرص دون تمييز بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو الثروة أو الوضع الاجتماعي أو الآراء السياسية أو الإعاقة».