عندما خطا في خُيلاء إلى بهو مجلس الشعب الذي اعتصم فيه يومًا ضد قانون الطوارئ، تبعه عمال يحملون صورة زيتية ضخمة تحمل وجهه الممتلئ ذا الابتسامة الضيقة، الثقة التي جلس بها وسط القاعة متعمدًا تجاهل الكاميرا كلما وجهت بؤرتها إلى وجهه، كانت تقول لمن يجرؤ على المنافسة: «أنا سيد هذا المكان».
لم يدخر الدكتور محمد سعد الكتاتني، رئيس مجلس الشعب المنحل، رئيس حزب الحرية والعدالة «خلفًا لرئيس الجمهورية المعزول محمد مرسي» وسعًا في السيطرة على منصة طالما جلس عليها فتحي سرور، وأحد من أهم الداعمين القانونيين للرئيس المخلوع حسني مبارك، وكما اصطحب الكتاتني صورته الزيتية الضخمة قبل إجراء الانتخابات الداخلية التي انتهت باختياره رئيسًا للمجلس بدعم من نواب أحزاب «الحرية والعدالة، والنور، والأصالة، والحضارة، والبناء والتنمية» وأحزاب إسلامية أخرى، اصطحب القيادي الإخواني القادم من شمال الصعيد معه كرسيًا فخمًا جديدًا ليجلس عليه فوق المنصة، بعد استبعاد الكرسي الذي طالما جلس عليه رؤساء المجلس السابقون.
في مسيرة قامت بها القوى الثورية في الحادي والثلاثين من يناير 2012، بعد أسبوع واحد من بدء انعقاد مجلس الشعب، كان آلاف من شباب جماعة الإخوان المسلمين في انتظار المسيرات التي وصلت من التحرير ومناطق أخرى لمجلس الشعب للمطالبة بإنهاء حكم المجلس العسكري وتسليم السلطة للبرلمان المنتخب شعبيًا، وبينما كانت ناشطات يتلقين الركلات في أجسادهن من شباب الإخوان عند محاولة اختراق سياج الأجساد المقام لحماية المجلس، كان الدكتور محمد سعد الكتاتني، رئيس المجلس، على منصته يدير الجلسة المسائية دون الالتفات إلى الاشتباكات المبكرة التي اندلعت بين أبناء جماعته المحشودين من محافظات عدة وبين شباب القوى الثورية المطالب بتسليم السلطة للمجلس.
لم تمر أيام على تلك الواقعة إلا وكان شباب القوى الثورية أنفسهم يهتفون «يلّا يا مصري قوم ثور.. الكتاتني شاهد زور» وذلك بعد تمرير البرلمان تقريرًا للجنة شكلها «الكتاتني» لتقصي الحقائق حول مجزرة بورسعيد، يبرئ الجهات الشرطية والمجلس العسكري الحاكم وقتها من المسؤولية عن دماء شهداء استاد بورسعيد، بعد أيام قليلة من جلسة صدق فيها «الكتاتني» بضحكات وابتسامات هادئة على تصريحات وزير الداخلية منصور العيسوي حول استشهاد وإصابة المتظاهرين في شارعي منصور ومحمد محمود، أكد فيها أن «الداخلية معندهاش خرطوش»، وسرعان ما تحول البرلمان خلال أسابيع معدودة من أمل للتخلص من الحكم العسكري إلى جهة غير قادرة على تلبية المطالب الشعبية، وكان قرار حله لاحقًا بحكم من الدستورية العليا إيذانا بفصل جديد من الأزمات تعلقت في معظمها بشخص أستاذ الميكروبيولوجي الذي صار قياديًا بجماعة الإخوان المسلمين.
فعقب حل البرلمان بقي «الكتاتني» ضيفًا مثيرًا للجدل على صفحات الأخبار، بعد تأكد استمراره في الاعتماد على سامي مهران، الأمين العام المستقيل لمجلس الشعب، ورجل فتحي سرور المقرب المتهم في العديد من قضايا الفساد والتربح، وبعد تسريب وثائق تفيد بقيام الدكتور سعد الكتاتني باصطحاب مهران معه خارج البلاد مرارًا رغم قرار منع الأخير من السفر لدواعي التحقيق في قضايا الفساد المتهم فيها.
يذكر أن الدكتور «الكتاتني» لايزال يخضع للتحقيقات بتهمة إهدار المال العام أمام جهاز الكسب غير المشروع بعد إصراره على استخدام الامتيازات التي أتيحت له بحكم منصبه في مجلس الشعب حتى بعد حل المجلس، قبل أن يتم التحفظ عليه من قبل الشرطة على خلفية إسقاط حكم الرئيس المعزول محمد مرسي بموجة كبيرة من الموجات الثورية.