x

فاتن حمامة: انقسمنا.. ومصر أصبحت «بركان مش عارفة حيهمد إمتى» (حوار)

الأحد 28-10-2012 17:55 | كتب: مفيد فوزي |
تصوير : اخبار

أشتاق لزمن الروقان

أنا من جيل «كروان حيران» و«الليل لما خلى» لعبد الوهاب و«جددت حبك ليه» و«الأطلال» بسنبطة أم كلثوم، جيل الفرافير ليوسف إدريس، والثلاثية لنجيب محفوظ، وعبقرية مصر لجمال حمدان، وأغانى عبدالحليم الوطنية، واجهة نظام عبدالناصر، و«إسرائيليات» لأحمد بهاء الدين، ولا تطفئ الشمس لإحسان عبدالقدوس، وشطحات المخرج حسين كمال، وتفسيرات الشيخ الشعراوى، وتغريد فيروز، وإبداع وتجليات «العميدة» فاتن حمامة.

فاتن، التى سكنت قلوب المصريين. شريكة كل قصة حب عاشها إنسان وكل ألم شعرت به امرأة مقهورة: فاتن.. التى جسدت مشوار المرأة المصرية من «أنا بنت مين» إلى فيلمها «أريد حلاً».

كلانا- بالمناسبة- فاتن حمامة، وأنا، جوزائى البرج، وربما كان المزاج العام متقارباً رغم الفارق بين سطوع قمرها.. وتواضع نجمى!

لعلها عادة عمرها سنين، أتبادل مع «العميدة» حوارات مطولة ليست للنشر، وذلك عبر التليفون الأرضى. دائماً عندها وجهة نظر تقولها فى فيلم أو حتى فى حديث مرسل، لكن «تونة» وهذا هو اسمها الذى يناديها به المقربون لها فقط- يفرض عليك احترام رأيها دون إرهاب. ذلك الصباح، طلبت منها أن نلتقى، فلم تتردد.

أفلامها: قضايا

1- «أريد حلاً» حق المرأة أن تقول لا.

2- «لا عزاء للسيدات» خطورة وتأثير كلام الناس حين يصبح شظايا متناثرة.

3- «يوم حلو ويوم مر»، واقع حياة المجتمعات العشوائية.

4- «الحرام» صورة من حياة عمال التراحيل فى الريف المصرى.

5- «دعاء الكروان»، يقول إن الحب أقوى من الانتقام.

قالت بنت المنصورة

جلست فاتن حمامة على كرسى عال فهى لا تحب أن تغطس فى فوتيل.. اللون الأبيض، لونها المفضل والخضرة عشقها واللوحات الفنية لمشاهير الفنانين «جيرانها» الدائمون.

طلبت لنفسها فنجان شاى «أبو فتلة» وحين هممت أن أضع السكر، نبهتنى «معلقة إلا ربع». أغلقت الموبايل وقللت من تكييف الغرفة التى تضمنا. قالت بنت المنصورة وهى تأخذ رشفه من الشاى: «زهقانة».

شعرت أن فاتن حمامة ليست زهقانة فقط إلى حد السأم ولكنها غاضبة. ذلك الغضب الذى يسكن القلب والعقل. غضب بطعم الوجع.

قالت والمسجل يلتهم كلماتها «تصور مش عايزة أقول ولا أخرج ولا أتكلم: عندى حالة. عايزة أقوم وقت ما أقوم. آخذ فنجان قهوتى على مهل. أتفرج على حاجة ولو ملياش نفس أستنى شوية ولو عندى ميعاد عاوزة اللى يقومنى. ده سن العواجيز بأه

شعرت أنى أثقب عزلة فاتن حمامة الاختيارية. قلت لها: هل تقرأين صحف الصباح؟ قالت: مواظبة، أبدأ بالعناونين ولو فيه مقال لفت نظرى، أقرأه. قلت. صفحات الفن؟ قاطعتنى بحسم مش دلوقتى. بعد الأحداث الجو ملبد زى ما بيقولوا والأخبار تاخدك من أى متعة!

قلت لفاتن حمامة: فيم يتشابه الفنان والسياسى؟ قالت: كلاهما مهموم بوطنه. قلت: وأظن الاهتمام بالحياة الشخصية. قالت: الحياة الشخصية ملك الفنان أو السياسى وأنا ضد النبش والنخربة والتلفيق.

قلت لها: هل سمعت عن مصطلح «الفلول»؟ قالت: تعبير بيقسمنا أنا عمرى ما تخيلت أننا كمصريين نتقسم بالشكل ده وعاوزين نوقع ده، ونخسف بده ونسخف كلام ده. المفروض التفكير بعقل نحاكم اللى لازم يتحاكم مش اللى الناس تشاور عليه، فيه قانون. قلت لها: هناك قائمة سوداء للفنانين اللى مانزلوش ميدان التحرير. قالت: أى حركة سياسية فى الشارع تحتاج إلى تقييم أولاً مش عميانى.

قلت: هل أنت خائفة على المجتمع من «الأخونة»؟ قالت: للا أخاف كلنا مسلمون وطول العمر عايشين مفيش تفرقة ومسلمون وإخوان مسلمين. الكل بيقول بسم الله الرحمن الرحيم.. ولنا رب واحد. قلت لها: إضرابات الأطباء، هل أزعجتك؟ قالت بحدة: طفح بهم الكيل، فهل معقول مرتب دكتور شاب أقل من مرتب شغالة وبعدين مستوى المعيشة صار ناراً ليس فى مصر بل فى العالم. قلت لها: سألتك مرة هل تخرجين فى مظاهرة، وقلت أنا أتظاهر بفنى.. قالت فاتن حمامة «أقول رأيى فى شغلى.. قلت: هل تغيرت مصر بعد ثورة يناير؟ قالت: مصر، أصبحت «بركان» مش عارفة حيهمد إمتى. قلت: مسيرة المرأة المصرية.. فقاطعتنى: إحنا بنرجع لورا! ثم سألتنى: معقول البنت تتجوز فى السن المبكر جداً؟ وقالت فاتن: ده جهل ولهذا السبب يجب أن يحتل التعليم المرتبة الأولى من الاهتمام.

من حوارات أفلامها

1- من أفواه وأرانب

«افهموا بأه.. صحيح كل بنى آدم له رزقه! لكن مانبقاش بنخلف عمال على بطال ونقول العيال عزوة، تكون النتيجة إيه. فقر ومرض والعيال تموت من الجوع.. إعقلها وتوكل..»

2- من فيلم لا وقت للحب

«أنت دايماً فى قلبى، لكن قلبى كمان مخطوف على البلد»

3- من مسلسل وجه القمر

«الزعاق والصراخ مش وسيلة تفاهم بين اثنين. إزاى تكون معد لبرنامج يحل مشاكل الناس ومش عارف يحل مشكلته مع مراته»

4- من «ضمير أبله حكمت»

«أهم حاجة فى المدرسة هو المدرس نفسه اللى بيربى، أهم من البنا ومن الملاعب ومن الفصول»

تجربتها مع الآى باد

قالت فاتن حمامة قبل أن أطرح سؤالاً.. «لازم نلحق العالم، لازم نلحق التطور وإلا حنفضل جهلة: فيه تكنولوجيا نستفيد بها فى الطب والصناعة، مش كفاية نعرف نستخدم الموبايل. أنا مثلا حديثة عهد بالآى باد وجبت معلم كمبيوتر ويفهمنى إزاى أشوف الأخبار والجرائد. بحاول أفهم. وأصبح الآى باد مهماً وأنا خارج مصر وأرى محطات أثناء البث على الهواء وسعيدة به لأنه ينقلنى للعالم بمجرد ضغطة!

ظلت فاتن حمامة تتكلم عن هذا الاختراع الذى دخل حياتها- مثلى- مؤخراً «أصبحت- وأنا بره مصر- أقرأ الصحف الصادرة كل يوم وممكن أشوف أحداث حصلت. لازم أكون على علم بأخبار البلد وأرى كل الآراء لأن العالم ارتبط ببعضه، والآى باد منحنى سهولة فى التعامل، علشان كده بقول لكل فنان صاعد أو فنانة ناشئة لازم يبقى عندك حد أدنى من المعلومات والحصول عليها متاح جداً.

لم أقاطع العميدة ولكن سألتها: أى تعليم فى مصر تريدين؟ قالت: التعليم اللى يخلى الطفل يفكر، وتلميذ الابتدائى يبحث عن المعلومة، وتلميذ ثانوى يكتشف ميوله. ومهم جداً جداً جداً تعليم لغة أجنبية لاتساع الأفق.

«شوف قلت لك كام مرة كلمة مهم اللغة». سألتها: أين مقتل بلد؟ قالت بعد تفكير: إفلاس خزينتها. والفتنة الطائفية والسلاح فى الشارع فى إيد كل من هب ودب. ده شىء غير معقول. قلت كيف نرتقى فى التحاور؟ قالت: أنت لمست نقطة مهمة. دلوقتى أنا باسمعك بجاوب عليك. تحس إنى خلصت الإجابة تسأل من جديد وشايفاك بتسمعنى مش مشغول بورق أو أى حاجة وبتدينى فرصة اتكلم. وتقاطعى للاستفسار. لكن أنا بشوف حوارات فى التليفزيون الكل بيتكلموا فى وقت واحد: محدش بسيب التانى يتكلم. وأنا قاعدة أتفرج ألاقى نفسى باكلم الشاشة وأقول: سيبه يكمل رأيه..! على فكرة فى إنجلترا يدرس الأولاد أسلوب الديالوج ويعلمك آداب المناقشة امتى تتكلم. وامتى تسكت. ده علم. هنا كله بيقاطع كله. وتتوه الفكرة.

العالم من حولها

1- تقول فاتن حمامة: فى ماليزيا عقوبة لمن يلقى ورقة أو بقايا أكل فى الشارع. البلد زى الفل.

2- فى إنجلترا، قانون لاحترام الخصوصية وعقاب تشويه الشخصيات العامة أو الأفراد العاديين على شاشات النت.

3- فى ألمانيا، تعطيل سيارة الحريق عن مسارها جريمة. كذلك وقوف سيارتك الذى يخفى مصادر الميه وتركب فيها الخراطيم للإطفاء.

4- فى دبى، كسر الإشارة عدة مرات والسرعة داخل المدينة يعرضك لسحب الرخصة.

5- هايد بارك فى لندن لكل المظاهرات والاحتجاجات بشكل متحضر. طبعا ده سلوك شعب.

شىء من الفن

سألت فاتن حماة: ما أخطر ما فى الفنان؟ قالت بسرعة إحساسه يا مفيد. ممكن ممثلة تقول نفس الكلام اللى تقوله ممثلة أخرى. اللى عندها «إحساس» حتصدقها. علشان كده الناس كانت بتصدق عبدالحليم وهوه بيغنى. قلت لها: أتذكر كامل الشناوى كان يقول لنا «لا تصدقوا عبدالحليم إلا عندما يغنى» عدت أسألها: فى يوم ما اخترت فى مسلسل «وجه القمر» شابتين هما غادة عادل ونيللى كريم، وهما زهرتان موهوبتان. هل راهنت عليهما؟ قالت: الاتنين ماشاء الله، غادة عادل نضجت بتمثل بإحساس، ونيللى كريم واخدة جايزة.

قلت لها: اشتقنا لفيلم مع عادل إمام وبطولتك. قالت: يكفى إن عادل إمام أعطانا بأفلامه سعادة وأعطانا ابتسامة وفناً وفهماً. قلت: أحمد رمزى؟ قالت: صديق بمعنى الكلمة فقدناه، ثم قالت: خد بالك إن صداقات الإنسان القديمة هى صداقاته الحقيقية، أما الصداقات الطارئة فهى معارف لا أكثر. قلت: هل سرق التليفزيون الناس من السينما؟ قالت: فى هذا الزمن حصل. قلت: لماذا اعتزازك الشديد بالمخرج بركات؟ قالت: عنده إحساس وكنا متفاهمين. قلت: وحسين كمال؟ قالت: فنان وبركات حاجة وحسين كمال حاجة تانية، وعمل أفلام حلوة. قلت: وصلاح أبوسيف؟ قالت: له خصوصيته. قلت: وخيرى بشارة؟ قالت: أن بحب شغله أوى. قلت: ويوسف شاهين؟ قالت: اشتغلت معاه وأنا صغيرة، له طريقته، وأنا لىّ طريقتى، إحنا لا نختلف فى الرأى، لكن فى الرؤية، أنا شايفة الشخصية كده ومعتزة بدورى، وهو شايف الشخصية كده وعنده اعتزاز بشغله. قلت: هل رأيت الشاشة ثلاثية الأبعاد بالنظارة الخاصة؟ قالت: فيلماً واحداً لكننى كرهته، أنا لا أحب ما يحزننى كفانا حزناً. قلت: هل تابعت أفلام ما بعد الثورة؟ قالت: الأغانى المبتكرة اللى بتطلع فى التليفزيون بعد الثورة من أجمل ما يمكن لحنا وكلاماً وصدق الشباب اللى بيغنوا وأصل إحساسهم، ومعظم هذه الأعمال مجاميع، ودى ثورة فى الأغنية.

أوراق من أجندتها

1- زكى طليمات أنطقنى حرف الراء.

2- أخاف من حفلات العرض الأولى.. أخاف الزحمة.

3- نانسى عجرم لطيفة وعرفتها فى حفل بالهرم.

4- فى فيلم الحرام كان لى صديقة من الفلاحات عمال التراحيل، وكانوا مصدقين إنى واحدة منهم. عرفت اللهجة صح..

5- أى فيلم دراما، تلاحقنى أحداثه بعد الفيلم وممكن أكتئب.

6- أصعب أيام أى فيلم أول يومين لغاية ما أمسك الشخصية.

7- نادية، ابنتى، السينما مش فى ذهنها خالص.

8- الإنسان المصرى أصبح مرهقاً من تلاحق الأحداث.

9- وأنا عندى 14 سنة وكنت بامثل أمام محمود المليجى.. فاكره إن الكلام اللى مفروض أقوله ضاع من دماغى على أثر نظراته بعينيه الواسعة. كان معروفاً بقوة فى عنيه.

10- مش فاهمة ليه ما اشتغلناش سوا أنا وأحمد زكى.

11- محمود مرسى ممثل قوى جداً.

12- الهجوم على نجيب محفوظ اللى رفع رأس مصر فى العالم.. ضيق أفق.

13- عمر المصرى ما كان قاسياً على جاره أبداً، لكن وصلنا للحال ده.

زمن الروقان

عدت لقارب الحوار أسألها: هل أرهقتك وأغضبتك الأحداث التى تمر بالبلد؟ قالت: أرهقتنى الصراعات. قلت: لماذا لا تشاركين بالرأى فى قضايا تمس الجماهير وتريد الناس أن تعرف رأيك؟ قالت بلا تردد: أقول رأيى فى إيه؟ قلت: استأذن فى سؤال: هل اعتزلت السينما؟.. واسمحى أن أعدل صياغته.. هل توقفت لالتقاط الأنفاس؟ قالت: لو جاءتنى حاجة تستاهل لن أتردد لكن محصلش، وبعدين لسه حانزل تانى واشتغل تانى، بأقول لك عاوزة أريح.. أقوم وقت ما أقوم وأقعد وقت مانا عايزة. سألتها: ما شهادتك على الملك فاروق؟ قالت: كرهناه من غير ما نعرف إحنا كارهينه ليه! قلت: وجمال عبدالناصر؟ قالت: عشنا فترته بحلوها ومرها. قلت: وأيام السادات؟ قالت: شمينا نفسنا. قلت: وزمن مبارك؟ قالت: زى ما أنت عارف وصلنا لإيه.

وسادت لحظة صمت، وكنت حريصاً أن أنقل حديث فاتن حمامة كما هو بنص كلماتها فقد كنت أود أن يسمع القارئ صوتها من بين السطور ويستشف زهقها وغضبها المكتوم، ولهذا قلت لها: هل تفتقدين زمن الروقان؟ قالت فاتن حمامة بسرعة: آه.. أيوه مفتقدة الروقان.

أصغيت لها أكثر، فاستطردت: أحب أشوف أفلام الريحانى أو أى فيلم من الأفلام القديمة الأبيض وأسود.. عايزة أحس إن أنا فى زمانى!

وسكت المسجل عن الدوران، وتبادلنا كأصدقاء بينهم «عشرة عمر» أحاديث متفرقة طلبت ألا أنشرها «مش ناقصة خوتة دماغ»، وكنت أميناً معها، فأنا أكره الفرقعة على حساب مصدرى، ومن هو هذا المصدر؟ إنها فاتن حمامة التى قالت لى: «أنا لما حد من جرنان تانى كلمنى علشان حديث قلت لازم أكلم مفيد الأول».

كانت العميدة على موعد مع زوجها الأستاذ الدكتور محمد عبدالوهاب، فقلت لها «حان وقت الرحيل» وردت بذكاء السنين: وحان وقت العائلة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية