عيد الرجال، هكذا يطلق النوبيون على عيد الأضحى، وللمسمى تاريخ عندهم، يبدأ مع الستينيات عندما أعلن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، بناء السد العالى، وتم تهجير أبناء القرى فى هذه الأرض، واضطر الشباب للسفر إلى العاصمة والخليج للعمل، ويأتون فى كل عيد أضحى، ليس لقضائه وسط الأهل، ولكن لإقامة عرس الشباب والفتيات، ومن هنا سمى «عيد الرجال». «المصرى اليوم» رصدت فى رحلتها إلى أرض النوبة، التى بدأت بقطار «مخصوص النوبة»، الذى ينطلق من القاهرة والإسكندرية 3 مرات سنوياً، طقوس العيد هناك بدءاً من تكبيرات الصلاة حتى نحر الأضحية.
أبناء 44 قرية نوبية فى قطار العودة السنوية إلى أرض الذهب
كيف نبدأ رحلتنا؟ وأين ومتى نجد ردودا لكل هذه الأسئلة التى ترهفنا باللهفة، وتزيد من إصرار القلم والكاميرا، على استخراج كنوز النوبة من جوف مناجم الجنوب؟ هل ستفتح لنا النوبة أبوابها، وهل سيفتح النوبيون قلوبهم لنا، ويفصحون عن حكايات وعادات هذه الوجوه وتلك الأرض، هل سنتذوق طعماً جديداً لأيام العيد، ونحصد تفاصيل الحياة فى أطول مشوار من مشاوير أرض مصر؟ الأسئلة عديدة، كانت تدور فى رؤوسنا، ونحن نمر بين أمواج النوبيين أصحاب البشرة السمراء، الذين بدوا رغم أصولهم التى تتبع 44 قرية، وكأنهم أبناء قرية واحدة أو شارع واحد أو حتى منزل واحد، الجميع يتخذ نفس الوضعية، فيما كانت حقائبهم وكراتين خاصة بهم ملقاة على رصيف رقم 9 فى محطة مصر. كل قرية خصص لها عربة محددة، أفراد تابعون لكل منها يرشدون أبناء قريتهم عن مكان تجمعهم على الرصيف، الأمور تسير فى سريالية فريدة، المشهد لخلية منظمة جداً، يبدأ دائماً فى الجمعيات النوبية فى القاهرة، التى تنسق مع هيئة السكك الحديدية، على تنظيم رحلات يخصص لكل منها قطار بأكمله، وتقسم التذاكر على جميع الجمعيات بالتساوى، بقيمة مخفضة جداً..المزيد...
مشاهد «العيد»: «كتيبة جزارين» تواجه الأضاحى بـ«الكاندى».. وكف رقيقة بلون الدم
عيد الرجالة، أو عيد الأضحى، فى تلك الأرض التى تحترف الفرحة، وتعشق الابتسامة، تهوى اللمة والسمر والضحك والرقص والحكايات بتكتيك خاص ومذاق مميز وأسلوب فريد، وكان من الطبيعى أن ننتظر منها عيداً آخر بشكل وطعم وصوت مختلف، وكعادتها النوبة .. لا ترد سؤالاً لسائل، ولا تمنع عابراً من ضيافتها البشوشة، ففتحت لنا تراتيل العيد، ورسمت صفحاتنا وكادرنا بألوان جديدة للعيد. المشهد الأول «التكبيرات السبع»: صوت التكبير والتهليل يوقظك من نوم هنىء بهذا المنزل المكيف طبيعياً، لتدخل الشمس من جميع حجراته، جلباب أبيض وجرجار أسود ووجوه تصافح السلام والهدوء وتحتضن الفرحة، «الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد»، هكذا تخرج القرية على بكرة أبيها إلى المسجد الوحيد الموجود بالقرية، الذى يجمع العائلات الثلاث التى ينتسب إليها كل الموجودين ليلبوا التكبيرات السبع لصلاة العيد، الأطفال يخرجون عن المألوف فيرتدون التيشرت والجينز، فى عرض خاص باليوم الأول من العيد الأضحى، أما الشباب العائدون من دول الخليج والغردقة وشرم الشيخ، بعد عام من الغياب، فيخلعون الجينز والتيشرتات ليعودوا مرة أخرى إلى أحضان الجلباب والعراجى فى صورة اشتاقوا إليها طوال العام..المزيد...
«الخال صالح»: 500 عريس وعروس يعودون من العاصمة لإقامة الزفاف النوبى
فى جلسة على «العنجريب»، أو السرير النوبى القديم المصنوع من جذوع الشجر، فتح لنا الرجل كنوز الجنوب، لنستعرض قصة «مخصوص النوبة»، بدايتها وهدفها وتاريخها، الخال صالح محمد صالح، كما قدمه لنا الشباب كان بمثابة مفتاحنا السحرى لحل لغز الرحلة النوبية السنوية، بعد أن سارع إلينا ليفض جعبة ذكرياته وحكاياته عن تاريخ النوبة. بدأ «الخال صالح»حديثه قائلاً: «إحنا ما نقدر نبعد عن مصر وضلها، لكن لازم تعرفوا تاريخ النوبة وتقدروا أهلها، إحنا تاريخنا بيتحرف ولا نستطيع أن نجزم من وراء هذا التحريف، فعلى سبيل المثال توت عنخ آمون الملك الفرعونى، كان اسمه نوبياً، وهو (تود أنجا آمن)، أى (الولد ابن النيل)، وهكذا تم تحريفه، وأيضاً (نفرتارى) الجميلة، كان اسمها نوبياً وهو (نفرتى جا آرى)، وتعنى (أخذة الروح..المزيد..)».