x

مشاهد «العيد»: «كتيبة جزارين» تواجه الأضاحى بـ«الكاندى».. وكف رقيقة بلون الدم

الثلاثاء 30-10-2012 16:14 | كتب: هيثم محجوب |
تصوير : محمد هشام

عيد الرجالة، أو عيد الأضحى، فى تلك الأرض التى تحترف الفرحة، وتعشق الابتسامة، تهوى اللمة والسمر والضحك والرقص والحكايات بتكتيك خاص ومذاق مميز وأسلوب فريد، وكان من الطبيعى أن ننتظر منها عيداً آخر بشكل وطعم وصوت مختلف، وكعادتها النوبة .. لا ترد سؤالاً لسائل، ولا تمنع عابراً من ضيافتها البشوشة، ففتحت لنا تراتيل العيد، ورسمت صفحاتنا وكادرنا بألوان جديدة للعيد.

المشهد الأول «التكبيرات السبع»:

صوت التكبير والتهليل يوقظك من نوم هنىء بهذا المنزل المكيف طبيعياً، لتدخل الشمس من جميع حجراته، جلباب أبيض وجرجار أسود ووجوه تصافح السلام والهدوء وتحتضن الفرحة، «الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد»، هكذا تخرج القرية على بكرة أبيها إلى المسجد الوحيد الموجود بالقرية، الذى يجمع العائلات الثلاث التى ينتسب إليها كل الموجودين ليلبوا التكبيرات السبع لصلاة العيد، الأطفال يخرجون عن المألوف فيرتدون التيشرت والجينز، فى عرض خاص باليوم الأول من العيد الأضحى، أما الشباب العائدون من دول الخليج والغردقة وشرم الشيخ، بعد عام من الغياب، فيخلعون الجينز والتيشرتات ليعودوا مرة أخرى إلى أحضان الجلباب والعراجى فى صورة اشتاقوا إليها طوال العام.

المشهد الثانى «فريق الذبح»:

حين تنتهى الصلاة يبدأ العيد النوبى فى الظهور على وجه الصباح، يعود الجميع فى مظاهرة عودة وحنين، وكأنهم يصالحون تفاصيل القرية، الجميع يدخل منزله، لتتصاعد بعدها أصوات الخراف، ثم يحل محلها صمت، تقطعه صرخات الخراف فى البيوت والزرائب.

تغلق الأبواب فيتسلل إلينا إحساس الإحباط بأن العيد انتهى، ولكن ما إن تمر لحظات قليلة حتى خرج شباب القرية بالجلابيب البيضاء الجديدة، لدهنها بدماء الأضحية، يمرون على البيوت، لينحروا الأضاحى للسيدات والمسنين، دون أى أجر، ولأخذ ثواب الذبح ومساعدة كبار القرية، فى مجاملة نوبية لطيفة يقوم بها الشباب سنوياً.

المشهد الثالث الكاندى:

الخالة ساكنة هو المنزل الأول فى القرية، كانت قافلة الجزارين الشباب تقوم بأول زيارة لها، ثم المنزل الذى يليها، الخراف توضع صفا واحدا على جانب الطريق، ويقسم الشباب أنفسهم إلى مجموعات، البعض يذبح، والآخرون يسلخون، وعدد منهم يقوم بالتقطيع بـ«الكاندى»، أى السكاكين الصغيرة... حجر من الأحجار التى تبنى بها بيوت النوبة نضعه تحت رأس الذبيحة ليسيل عليه «الديس» - الدم - ولا يسقط على الأرض مباشرة، هكذا أجابنا «عم إمام» الذى يقوم بمهمة الذبح وفسرها لنا بعد ترجمة النوبية «نحن نفعل ذلك كى يبارك دم الأضحية».

وتأتى ساعة الحسم، نهاية المطاف، وشربة الماء الأخيرة، وتنثر قبلها السيدات حبات الملح على الذبيحة كى تباركها وترتل بعض العدودات النوبية القديمة.

المشهد الرابع «علقة موت»:

يقف أطفال القرية مشدوهين بحركات الخراف، التى لم يحن موعد ذبحها بعد، لقطة عجيبة ومثيرة ومليئة بالأحاسيس والمشاعر المختلفة والمتناقضة والغريبة، الكائن الصغير الذى يعافر ويحاول الهرب من «العرقبة»، وهو يشاهد من كانت معه قبل قليل معلقة على السلالم الخشبية المتكئة على حوائط البيوت، وأحدها تُضرب أضلاعه بالساطور فيقسمه لنصفين، وآخر فتحت عضلة قدمه من موضع الحوافر بالسكين ووضعت إحدى عصى جريد النخل داخلها، وأخذ أحد الشباب ينفخ فيه ثم أعطاه «علقة موت» بنفس العصا ليسهل مهمة من يسلخ الفراء، ويستمر الخروف المربوط فى متابعة المشهد ويسيل لعابه ويرتفع صوته ورائحة دمائهم تثير خوفه وتطبع فراءه بالأحمر بسبب محاولاته المستميتة وقفزاته على التراب الملوث بدماء المذبوحة، نظرات الأطفال تُرى هى خوف أم عطف أم عجب؟!

المشهد الأخير «جورندى»:

بعد لحظات يجيب «الكاندى» عن هذه الأسئلة بعد أن يسيل دم الذبحة على الحجر الأبيض، يضع الصغار أيديهم فى الدماء، ويطبعون على ألوان الجدران الفاقعة كفوفهم الصغيرة باللون الأحمر الدموى الفاقع، معلناً استسلامه لفرحة العيد، ليؤكد أنه العيد مهما اختلف شكله وطقوسه، ومهما طالت حكاياتنا معه يظل بالنوبية «جورندى» أو كما يقولها أبناء القاهرة «فرحة».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية