x

فى مولد «أبوالحسن الشاذلى».. «محمل أخضر» وسباق على صعود قمة «حميثرة»

الخميس 25-10-2012 21:54 | كتب: فتحية الدخاخني |
تصوير : حسام فضل

فوق «جبل حميثرة» فى أعماق الصحراء الشرقية جلس المئات يكومون الأحجار فوق بعضها البعض، أمس، وهم يدعون الله أن يستجيب لآمالهم وأحلامهم وطلباتهم، ويرددون «شاذلى يا أبوالحسن».. و«مدد يا أبوالحسن»، احتفالا بمولد الولى المتصوف أبوالحسن الشاذلى، الذى يقع ضريحه فى وادى حميثرة، على بعد 150 كيلومترا فى عمق الصحراء من مدينة مرسى علم.

مع بداية شهر ذى الحجة يتوجه الكثيرون من أتباع الطرق الصوفية فى مختلف المحافظات، لزيارة مقام الشاذلى، بالتزامن مع بدء مناسك الحج فى الأراضى المقدسة، اعتقادا منهم أن زيارة المنطقة 4 أو 5 مرات تعادل حجة لبيت الله الحرام.

طريق ممتد وسط الجبال يقطعه زوار المقام وصولا لوادى حميثرة، حيث ينقطعون عن الاتصال بالعالم الخارجى، فلا توجد أى شبكات اتصال أو هواتف محمولة فى المنطقة المحاطة بالجبال من جميع الجهات، ويتوسط المقام الوادى، وبجواره بدأت الطريقة الحامدية الشاذلية أعمال توسيع وتطوير المقام التى لم تنته بعد، فيما أنشأت الطرق الصوفية خيامها المعتادة، احتفالا بالمولد حول المقام، وافترش الباعة الجائلون الطريق الترابى بطول الوادى، يبيعون كل شىء من السبح إلى البطاطين إلى الحلوى والحمص ولعب الأطفال، وصور الشاذلى ومشايخ «الصوفية»، لتتحول المنطقة إلى سوق كبيرة.

طوال النهار يتجول الزوار فى أرجاء السوق، وعندما يحل الليل تبدأ التواشيح والابتهالات والاحتفالات الدينية، وفور انتهائها يفترش زوار المقام الأرض، ليناموا فى انتظار اليوم التالى. وصلنا إلى الوادى مع حلول فجر يوم عرفة، كان المكان مازال هادئا فزوار المقام إما ينامون على الطرقات أو داخل المقام أو فى سياراتهم، ومع الساعات الأولى من الصباح بدأ عدد من زوار الوادى الصعود فوق قمة جبل حميثرة، ورغم وعورة الجبل الملىء بالصخور فإن كثرة زواره حفرت طرقا ملتوية وممرات يمكن من خلالها الوصول إلى أعلى الجبل.

جلس مصطفى أبوفضل حسن، موظف بتفتيش مكافحة مرض البلهارسيا، فوق قمة الجبل يضع بعض الطوب فوق بعضه أكواماً، وعندما سألناه عما يفعل قال: «أبنى بيوتا للجنة وبيوتاً للبنات علشان تتجوز»، مشيرا إلى أنه أتى من منطقة «الضبعية» فى الأقصر، لزيارة آل بيت الرسول عليه السلام، لأن «أبوالحسن الشاذلى من نسل النبى»، على حد قوله.

ويعتقد «أبوفضل» أن زيارته للشاذلى 4 أو 5 مرات تعادل حجة، وهو حريص على الصعود إلى قمة جبل حميثرة ، لأنه «مكان مقدس وزيارته واجبة»، على حد تعبيره.

بجانبه جلست «مشيرة» وهى فتاة صغيرة جاءت من إدفو، لـ«ترى الدنيا من فوق»، وتزور مقام الشاذلى وتشترى من بضائع المولد، أما «أميمة» فحضرت من أسيوط وقطعت أكثر من 16 ساعة سفراً لتزور المقام، وتقول: «زرت الشاذلى للمرة الأولى السنة الماضية، وكنت أبكى يوم تركى المكان، لأننى أحببته كثيرا، لدرجة أنى نسيت ابنى مع والده طوال الزيارة».

وأضافت، موجهة حديثها إلينا: «ستأتون لزيارة الشاذلى والأولياء هنا السنة الجاية، لأن من يزور الشاذلى مرة لا يستطيع تركه»، وجلست «أميمة» مع أطفالها تحثهم على وضع الطوب فوق بعضه البعض، وقالت: «نحن نكوم الطوب، حتى نعود العام المقبل»، مشيرة إلى أن الوادى به أضرحة لأولياء آخرين من بينهم «الحاجة زكية» التى وصفتها بأنها «عروسة».

وفوق الجبل دعا نصر عبدالراضى، من قنا، صديقه إلى وضع 7 من الحجارة فوق بعضها البعض، وقال: «زى يوم عرفة هناك يرجمون سبع جمرات، ونحن نكوم 7 طوبات فوق بعضهم»، مشيرا إلى أن زيارة الشاذلى مستحبة وهى لا تعتبر حجة كما يعتقد البعض، لكنها زيارة تريح الإنسان نفسيا، لأنه يزور أحباب الله وأولياءه الصالحين، و«الشاذلى» رجل محب يعزم أحبابه.

وحول الجبل كان هناك موكب يقوده جمل عليه «محمل أخضر»، وغطى رأسه بغطاء أخضر يطوف وحوله بعض الزوار يرددون: «شاذلى يا أبوالحسن» بينما علت أصوات النساء بالزغاريد، ويوضح عطية الضو، من القاهرة، أن هذا الموكب هو «زفة للمقام، احتفالا بمولد الشاذلى».

وعلى باب المقام امتلأت الطرقات بصور الشاذلى ومن بينها صورة كتب عليها «وفى حميثرة سوف ترى.. مقام سيدى أبوالحسن الشاذلى»، ويروى عطية الضو، الذى جاء من القاهرة لزيارة المقام، قصة هذه الصورة، ويقول إن «الشاذلى» جاء من الحجاز وذهب إلى المغرب وتتلمذ على يده المرسى أبوالعباس، وفى أحد الأيام قال لـ«أبوالعباس»: «إلى حميثرة، وفى حميثرة سوف ترى»، وأوصاه بأنه إذا توفى هناك سيأتى رجل ملثم، ليشارك فى غسله، وقال له: «لا تكشف وجهه»، لكن «أبوالعباس» كشف وجه الرجل ليكتشف أنه «أبوالحسن» نفسه، ولذلك كان الاحتفال فى أيام الحج، لأنها توافق ذكرى وفاته، مشيراً إلى أن «الشاذلى» توفى وهو فى طريقه للحج.

ويضيف «الضو» إن هذه إحدى كرامات الشاذلى التى سمعنا عنها، مشيرا إلى أن الناس تأتى لزيارة الشاذلى حبا لآل البيت، وزيارة آل البيت ومحبتهم من الأمور التى أمر بها الله سبحانه وتعالى، مؤكدا: «نحن لا نعبد إلا الله.. وهؤلاء أحباب الله، فالحب لآل البيت والعبادة لله»، منتقدا اتهام الناس لهم بالتخلف وعدم معرفة الدين. على باب المقام كتبت عبارة «مقام قطب الأقطاب وكهف أمن الطلاب سيدى أبوالحسن الشاذلى»، وداخله افترش البعض الأرض ونام ليرتاح من عناء السهر ليلا فى المولد، بينما جلس البعض لقراءة القرآن، ووقف البعض للدعاء أمام الضريح. وعلى جانب الضريح جلست سيدة تدعى «الحاجة أمل بسيونى» ترتدى زيا أخضر وعمامة خضراء.

وتقول «أمل»: «زيارة الشاذلى مثل الاحتفال بعيد الميلاد، والاحتفالات تتم بالذكر والمديح والصلاة على النبى، وإعداد الأطعمة للغلابة والمساكين»، مشيرة إلى أن الناس من كل البلاد يأتون لزيارة الشاذلى، فهو «خال ولى الله إبراهيم الدسوقى».

وحول اعتبار زيارة الشاذلى بمثابة حجة قالت «أمل»، وهى من أتباع الطريقة الدسوقية الشاذلية، إن هذه أقاويل يرددها البعض، لأن ما يحدث هنا قريب من الحج، فهناك سفر ومشقة ووقت طويل يستغرقه الزوار للوصول للمقام، وجبل يصعدون فوقه مثل جبل عرفات، لكن فى كل الأحوال ما يحدث هنا لا يغنى عن الفريضة، فلا تشد الرحال إلا لثلاثة، لكن شد الرحال إلى «الشاذلى» هو من قبيل المحبة، مشيرة إلى أن المولد يقام على مدار سبعة أيام، وأن هذا العام شهد أكبر عدد من الزوار.

وفى السوق طافت سيارات نقل كبيرة غطيت صناديقها بالخيام لتقل زوار الشاذلى، ووقف زوار الضريح يرددون: «شاذلى أبوالحسن»، ورغم كثرة زوار الضريح هذا العام شكا التجار فى السوق من السيول التى دمرت بضائعهم، ويقول «عبدالحافظ»، من سوهاج، إن السيل دمر كل بضائعه، ولم ينبههم اأحد إلى أن هناك سيولاً ستنهمر فى فترة المولد.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية