x

«التكفير».. أنت «تفكر» إذن أنت «مقتول»

الأربعاء 26-06-2013 20:04 | كتب: أحمد الهواري |
تصوير : اخبار

امتلأت مقاطع الفيديو التى توثق لمجزرة «أبوالنمرس» بالعديد من أهالى المنطقة وهم يقتلون إخوة لهم مصريين قيل عنهم إنهم شيعة يقومون بحفلات جنس جماعى وسب لآل البيت. ظهروا فى الفيديو وهم يعذبون ويسحلون ويهللون ويكبرون، وفى صباح اليوم التالى كانت شهادتهم تدين ما حدث، وأنهم لم يروا ما يشين من أهل المنزل سوى أنهم يتبعون مذهبا آخر. الفارق بين ما ظهر فى الفيديو وما قيل فى الشهادات هو غياب العقل وحضوره. غاب العقل فارتكبت الجريمة وعندما عاد التفكير فيما حدث ألقى باللوم على «البلطجية».

يقول الإمام «محمد عبده» فى كتابه «الإسلام والنصرانية»: «متى أولع المسلمون بالتكفير؟ بدأ فيهم عندما بدأ الضعف فى الدين يظهر بينهم وأكلت الفتن أهل البصيرة من أهله، وتولى شؤون المسلمين جهالهم وقام بإرشادهم فى الأغلب ضلالهم، فى أثناء ذلك استعرت نيران العداوات، وسهل على كل منهم لجهله بدينه أن يرمى الآخر بالمروق منه لأدنى سبب، وكلما ازدادوا جهلا بدينهم ازدادوا غلوا فيه بالباطل، ودخل العلم والفكر والنظر (وهى من لوازم الدين الإسلامى) فى جملة ما كرهوه».

عندما دخل «العلم والفكر والنظر» فى جملة ما كرهه من أوقفوا عقولهم، قتل من الأمة خيارها وعلماءها وحرقت كتبهم. تأسس الفكر السلفى على يد «أحمد بن حنبل الشيبانى» (المتوفى عام 241 هجرية)، وشيد على يد الإمام «ابن تيمية» (المتوفى 727 هجرية)، وانتشر على يد «ابن عبدالوهاب» (المتوفى 1206 هجرية)، فالمنهج الحنبلى قام على أن كل ما لا يمكن دمجه داخل مفهوم السنة بالرؤية الحنبلية، وكل ما يخرج عن حدوده يعتبر ابتداعا ومخالفة للدين، مما حدا بالعقل السلفى إلى ممارسة الإقصاء والتهميش لكل مخالف لتلك المنظومة الحنبلية.

هذه المنظومة تربى عليها الكثيرون، وبالتالى ظهر فى أتباعها «خشونة»، وإفراط فى إشعال معارك طاحنة مع من يستخدم عقله فى فهم الوحى تأويلا وتعليلا وتنزيلا، وذلك ما وقع مع الإمام «ابن جرير الطبرى» المؤرخ والمفسر المشهور، فقد حوصر فى بيته حتى دفن فى بيته وادعوا عليه الرفض والإلحاد، والحقيقة أن «ابن جرير» نقد عقل «أحمد بن حنبل» وعقيدته ولم يعده من الفقهاء، فكان جزاؤه رميا بالحجارة حتى الموت.

واجه المفكر المصرى «فرج فودة» تهمة التكفير واغتيل فى القاهرة فى 8 يونيو 1992 أثناء مغادرته مكتبه بصحبة ابنه الأصغر وأحد أصدقائه، على يد فرد من الجماعة الإسلامية الذى قال فى التحقيقات بعد ذلك إنه لا يعرف القراءة والكتابة وإنه «قتله بناء على فتوى من شيوخ جماعة الجهاد بكفره». كما تعرض الأديب الراحل «نجيب محفوظ» فى عام 1994 لمحاولة اغتيال تركت أثرها على حالته الصحية حتى وفاته، وفى التحقيقات قال من حاول قتله إنه «لم يقرأ حرفا من رواياته»، وإنه حاول قتله بسبب فتوى من الجماعة الإسلامية بكفره بسبب رواية «أولاد حارتنا».

اغتيال وتكفير الآخر لم يتوقف عند المفكرين الليبراليين أو الكتاب وإنما امتد ليشمل رجال دين لم يوافقوا المكفرين على أفعالهم وآرائهم. فوزير الأوقاف الأسبق الشيخ «محمد حسين الذهبى» اختطف وقتل برصاصتين فى رأسه وهو معصوب العينين ومقيد اليدين ومستقر فوق السرير. وعلى صعيد التكفير «السياسى» اغتالت الجماعات الإسلامية رئيس مجلس الشعب الأسبق «رفعت المحجوب» فى 12 أكتوبر 1990 أثناء مرور موكبه أمام فندق سميراميس فى القاهرة عندما أطلق على الموكب وابل من الرصاص، بالإضافة إلى اغتيال الرئيس «محمد أنور السادات» والهجوم على مديرية أمن أسيوط التى قتل فيها عدد كبير من رجال الشرطة، وحادث قتل 62 شخصا بينهم 58 سائحا فى مذبحة الأقصر. إلى جانب مجموعة من التفجيرات فى أماكن متفرقة من مصر راح ضحيتها مصريون وأجانب كان أشهرها قتل تسعة ألمان وسائقهم المصرى بعد أن فجرت حافلتهم خارج المتحف المصرى وسط القاهرة فى 18 سبتمبر 1997، وقتل 18 سائحا يونانيا فى هجوم على واجهة فندق أوروبا قرب أهرام الجيزة فى 18 إبريل 1996.

الخوف على المصالح وضياع المكانة الاجتماعية هما ما جرا بعض مشايخ السلفية إلى تكفير وإهدار دم كل من لا يتبعهم، سواء كان صاحب فكر أم مجرد مواطن بسيط لا تعجبه سياسة رئيس الجمهورية، فظهر جزء من نتائج هذا التحريض فى «أبوالنمرس»، ومن المتوقع أن يظهر جزء أكبر منه عندما يرى أتباع هؤلاء الشيوخ من خرجوا طلبا للعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وُوصفوا بأنهم كفار وخارجون على الدين، وقتلهم «واجب».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية