قبل عام وصل أول رئيس مدني منتخب للحكم بعد ثورة 25 يناير، وقدم وعوداً عريضة ألزم بها نفسه بعد أن ترقى من مجرد «مرشح احتياطي» إلى «مرشح حقيقي» إلى متنافس في جولة الإعادة أمام رئيس وزراء «موقعة الجمل»، وأحد رجال مبارك الذي لم يقدم وعوداً كثيرة بقدر ما قدم تطمينات للخائفين من إعادة إنتاج «النظام المخلوع».
ولأن الرئيس «يربط من تعهداته» تقدم «المصري اليوم» يومياً فئة قدم لها «المرشح الرئاسي محمد مرسي» وعداً قطعه على نفسه أمام الملايين، وترصد من خلال كلماتهم مآل أحلامهم العريضة التي انتهت إلى مطالبات بـ«خلعه» بعد مرور 365 يوماً فقط من تربعه على «عرش مصر».. ومن اليوم سنبدأ في تقديم «كشف حساب» اقتصادياً نرصد فيه بالأرقام القرارات التي صدرت في عهد الرئيس وتأثيراتها على مؤشرات الإقتصاد.
فتح خطاب الرئيس مرسي الأول طاقة أمل جديدة لمحمد حسن (52 عاماً)، بائع متجول، عندما شاهد الدكتور محمد مرسي، في التليفزيون 29 يونيو من العام الماضي، ووعده للباعة الجائلين بتقنين أوضاعهم الصعبة، ولكن مر عام على حكم الرئيس مرسي، ولم يتغير حال محمد حسن وعشرات الآلاف من زملائه، بل إن حكومة الدكتور هشام قنديل كانت بصدد تمرير قانون يجيز حبسهم وتغريمهم ومصادرة بضائعهم.
يقف وسط الزحام وهو ينادي بصوت عال، يقترب منه بعض المارة يبتاعون منه بعض بضائعه البسيطة، اعتاد الوقوف في أحد أركان ميدان العتبة منذ عشرين عاماً، يقول: «الحمد لله صحيح مفيش بلدية وحكومة بس برضه مفيش بيع ولا شراء».
محمد حسن واحد من آلاف الباعة الجائلين المنتشرين في شوارع وميادين مصر بالرغم من أنهم كانوا مطاردين قبل الثورة في الشوارع من الشرطة التي كانت تلقي القبض عليهم وتصادر بضائعهم، إلا أن حالهم بعد الثورة لم يتحسن للأفضل بسبب الظروف الاقتصادية وعدم تقنين أوضاعهم.
يدور «حسن» حول طاولة خشبية موضوعه أمامه بخطى بطيئة قائلا: «البضاعة دي بشيكات ومش عارف أسدد ثمنها لتاجر الجملة، حيث يحصل معظمنا على بضائعهم بموجب شيكات تسدد على دفعات للتجار والمستوردين في منطقة الموسكي، ومع الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلد عجز معظمنا عن تسديد قيمة البضائع التي حصلوا عليها وهو ما أدى لامتناع التجار عن إمدادهم بالبضائع، دا غير إن مفيش تأمين صحي، يعنى لو وقعت يوم مش هلاقي حق العلاج».
في زاوية من ميدان رمسيس، أكبر ميادين مصر، والذي تحول إلى سوق مفتوحة، تجلس سيدة منتقبة أمام مسجد الفتح مباشرة تضع أمامها بعض البضائع البسيطة وقد انهمكت في قراءة بعض آيات القرآن الكريم من مصحف صغير تحمله بين يديها تدعى «أم رانيا».
توجه «أم رانيا» حديثها للرئيس مرسي قائلة: «اتق الله فينا إحنا ناس غلابة»، حجزت أم رانيا مكانها في ميدان رمسيس منذ ما يقرب من 18 عاماً عندما توفي زوجها، تركت بلدته في إحدى محافظات الدلتا وجاءت للقاهرة ومعها أطفالها الثلاثة الذين يدرسون الآن في الجامعة.
تضع «أم رانيا» يدها على قلبها وهي تقول: «ربنا يسترها يوم 30 يونيو، أنا خايفة لإني معنديش أكل عيش غير هنا، كنت بحلم بالحال يتغير بعد الثورة ولكن الحمد لله على كل شيء»، كانت تحلم أم رانيا بتغير وضعها بعد الثورة واستبشرت خيراً بقدوم الرئيس مرسي والإخوان للحكم بغية الحصول على معاش ضمان اجتماعي كأرملة يكفيها هي وأولادها، ولكن لم يتغير وضعها بل زادت معاناتها صعوبة.
وسط الزحام قطع شاب الميدان وهو يحمل مجموعة من أوراق حركة «تمرد»، بمجرد أن شاهده أحد الباعة الشباب أشار له واستوقفه وحصل منه على مجموعة من أوراق الحملة وراح يوزعها على الباعة ويطلب منهم التوقيع عليها.
شاب في أواخر العقد الثاني يرتدى ملابس بسيطة يدعى طارق محمد يقول: «أنا بوزع الاستمارات على زمايلي من البياعين على أمل رحيل مرسي، البلد خربت وإحنا كبياعين في الشارع مش لاقيين ناكل»، يتولى طارق مسؤولية أسرته البسيطة في مسقط رأسه أسيوط، إذ يرسل لهم معونة شهرية لمساعدتهم ولكن الآن كما يقول: «الحال في النازل وأهلي في الصعيد تعبانين وأنا مش عارف أعمل إيه»، تجمع حول طارق عدد كبير من زملائه يوقعون على الاستمارات بحماس شديد.
يلتقط من طارق، زميله محمد عبدالفتاح أطراف الحديث قائلا: «يوم 30 يونيو مش هنسيب الميدان صحيح، وهنتظاهر ضد مرسي من قدام فرشتنا ومش هنخلي حد يقرب من المنشآت، لأن دي ملكنا ومش ملك الإخوان المسلمين».
أحمد حسين، رئيس نقابة الباعة الجائلين المستقلة، يرى أن النظام الحاكم لا توجد لديه رؤية لحل مشاكل الباعة الجائلين الذين يتجاوز عددهم عشرات الآلاف في القاهرة الكبرى وحدها، رغم أنه تقدم بحلول إلى الحكومة بوضع حلول لحل الأزمة، قائلا: «تقدمنا بطلب إلى محافظ القاهرة لحصر عدد الباعة الجائلين كخطوة أولى قبل وضع الحلول وحتى نكوِّن تصوراً كاملاً عن أوضاعهم، ووجدنا أن منطقة الأزبكية من أفضل الأماكن لتحويلها إلى سوق مفتوحة لنا عبر إقامة 1059 كشكاً وإخلاء منطقة 26 يوليو ورمسيس وكلوت بيه، واقترحنا دفع تكلفة إقامة الأكشاك، إلا أن الحكومة تجاهلت طلبنا لأنها ليست لديها رؤية، ولا تسمع إلا نفسها فقط».
وأشار «حسين» إلى أن أهم مشكلات الباعة الجائلين هو خروجهم من مظلة التأمين الصحى، وهو ما يخالف الدستور الجديد الذى يلزم بوضع جميع العمالة غير المنتظمة تحت مظلة التأمين الصحى، بالإضافة إلى إجبار البائع على دفع رشاوى وإتاوات للبلطجية ليسمحوا له بالفرش في الشارع في ظل الانفلات الأمنى الذى يسيطر على الشارع، رغم أن تقنين أوضاعهم يحميهم ويحقق السيولة المرورية في نفس الوقت، حسب قوله.
وأكد «حسين» أن البائع لن يسكت على حقه في وعود الرئيس مرسي بتحقيق العدالة الاجتماعية قائلا: «البائع مش عنده استعداد حد يضحك عليه تاني».