x

اللاجئون في مصر: نحلم بـ«شقة وفرصة عمل»

الأربعاء 19-06-2013 22:28 | كتب: صفاء سرور |
تصوير : أحمد طرانة

قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش «حين يبتسم المخيم، تعبس المدن الكبيرة»، ولأن القاهرة وأخواتها من المدن الكبيرة يضقن بأبنائهن، فكانت محاولات الغرباء في افتراش جزء من أرضها والاندماج مع ساكنيها، مجرد خربشات في جدار صلب.

تقدر إحصائيات الأمم المتحدة عدد اللاجئين في مصر في مايو 2013 بـ103 آلاف و562 لاجئًا، التقت بوابة «المصري اليوم» بعضا منهم عبر مؤسسة «تضامن» المعنية بشؤون اللاجئين، فوجدنا في حكاياتهم اختلاط لمرارتين، فلا فرق بين تلك التي ذاقوها في بلادهم لدرجة دفعتهم للفرار، أو هذه التي يعانوها في «بلاد الناس» في رحلة البحث عن سكن أو عمل أو تعليم.

اللافت أنه بقدر اختلافاتهم، تتشابه ملامح حكاياهم، فمنهم «الزول» الذي طرق باب الجار، ومنهم الخليجي «الثري» المتهم بالتسبب في الغلاء، و«الشامي» الذي أتى باحثا عن فرصة عمل وحياة.

عن المعاناة التي كانت والمشكلات الحالية، تحدثوا، ولم تكن الغلبة سوى للأحلام البسيطة، حيث مكان آمن وفرصة عمل، ليس أكثر.

 

السودانيون جيران «بلا شُفعة»

كان المصريون يحتفلون في الساعات الأخيرة من عام 2005 بقدوم العام الجديد، فيما كان ميدان مصطفى محمود بالمهندسين، يشهد «قيامة» عشرات اللاجئين السودانيين، حيث فض المئات من مجندي الشرطة اعتصامهم الذي استمر 3 أشهر بالميدان، احتجاجا على قرار «مفوضية اللاجئين» بإيقاف النظر في طلبات توطينهم.

أسفر الأمر عن مقتل حوالي 30 لاجئا، بينهم نساء وأطفال، وإصابة واعتقال المئات، فيما أشارت تقارير أخرى، إلى أن شهادات الناجين «غير الموثقة» تؤكد تجاوز عدد القتلى المئات.

تلك القصة، ربما لا تعرف هذه السيدة المسنة، أنها وقعت بحق مواطنيها منذ أعوام، أو لعلها تدري لكن لم تمنحها الصراعات الدائرة في بلادها متسعا من الخيارات. تحكي مريم عبدالله، صاحبة الستين عاما، ما يواجهها من مصاعب، منذ قدومها إلى مصر، قائلة: «أتيت فرارًا من الحرب الدائرة في دارفور، والتي أدت لتشتيت أسرتي بين تشاد وأفريقيا الوسطى، حتى تمكن زوجي وأبنائي الأحد عشر من الالتحاق بي في القاهرة بعد عام كامل من المعاناة».

وتتابع بلهجة دارفور المحلية: «لم يكن لدي مال كاف لاستئجار منزل، فمعونة الأمم المتحدة البالغة 420 جنيها شهريا غير كافية، وتأتيني بصورة متقطعة رغم أنها ثابتة، وحينما حاولت البحث عن عمل تعرضت لمشكلات كثيرة بسبب لوني»، مضيفة «أتحمل هذا يوميا، لكن ما يؤثر عليّ هو عدم سداد أصحاب العمل أجري كاملا، ورغم ذلك لا أملك إلا الصبر».

العودة لـ«درافور» ليست الخيار المفضل لمريم، حيث عبرت عن رفضها له بابتسامة وتلويح بيديها، قائلة: «أريد التوجه لبلد آخر لأتمكن من علاج زوجي في الخارج لأن علاجه غير متوفر في القاهرة، ولحين ذلك أتمنى زيادة الدعم الذي تقدمه لي الأمم المتحدة لأنني أعول 12 شخصا».

الحكاية ليست خاصة بـ«مريم» فقط، فهي أيضا حكاية ابنتها «حنان»، الأرملة التي لا تطلب أكثر من عمل يجنبها العودة لدرافور، حيث تخشى استغلال أطفالها في العمل. كذلك هي معاناة مواطنتها «فاطمة» التي تحكي عن «7 أطفال يعانون من أمراض التغذية لعدم حصولهم على 3 وجبات، ولا ينتظمون في التعليم لعدم توافر أجرة يومية للمواصلات»، كما حكت «فاطمة» عن قسوة مستخدمتها ومضايقات الشارع لها لدرجة «سدة النفس من مصر والسودان معا».

 هذه المعاناة يشترك فيها اللاجئون السودانيون الذين يقدر عددهم بنحو 25 ألفا، لا تختلف حكايات الكثيرين منهم سوى في بعض التفاصيل.

 

السوريون.. «اللاجئون الجدد»:

رغم أنهم الأكثر عددا، الآن، بين كل اللاجئين لمصر بتعداد بلغ 56 ألفا، إلا أنهم حديثي العهد باللجوء ومشكلاته، وعن ذلك تقول ريما بشيري، 43 عاما، والتي تركت قريتها «حرستا» في ريف دمشق أواخر فبراير 2013: «لم يكن أمامي إلا الرحيل بعد أن وصلت شراسة الاقتتال حد إلقاء الغاز الكيماوي بجوار منزلي، والذي كنت أرى من شرفاته قصف الدبابات والطائرات، حتى أن قذيفة طالت منزلي بعد 3 أيام من مغادرتنا له».

اختيار «بشيري» لمصر كانت له أسباب أخرى بخلاف كونها «أم الدنيا» و«الشقيقة الكبرى»، حيث قالت: «الحياة في لبنان غير آمنة ويمكن أن نُسلم للسلطات السورية، كما أنها مكلفة ماديا وكذلك الأردن، على العكس فإن الإجراءات في مصر أسهل وسنتساوى في بعض الأمور بالمصريين، لكن هذا لا ينفي ارتفاع الإيجارات هنا، والتي تكلفني 2000 جنيه شهريا، الأمر الذي يجعل التنازل عن بعض الأمور حتميا، خاصة وأن زوجي لا يعمل ونعيش على المدخرات».

بجانب المصاعب المادية، تستاء «ريما» من الحديث الدائر عن زواج المصريين من سوريات قاصرات، قائلة: «لم ألمس حالات كثيرة كما يروج البعض»، إلا أنها سرعان ما تبدي خوفها من أن تلقى ابنتها هذا المصير، وهي تحكي عن شكوى إحدى اللاجئات لها عن «ابتزاز» صاحب المنزل لها ليتزوج ابنتها أو يطردها من المنزل.

رغم المصاعب، ترى السيدة أن مصر، على انفلاتها الأمني وسوء أحوالها الاقتصادية، «أفضل كثيرا من سوريا»، قائلة: «عشت في سوريا أياما مرعبة، وليت الأمر يقف هناك عند حد (الانفلات الأمني) الذي يشكو منه المصريون، فلن تنس عيني أبدا مشهد إحدى دبابات النظام وهي على بعد أمتارمن منزلي، وتدير فوهتها يمينا ويسارا بين منزلي ومنزل جيراني لتقرر في النهاية قصف الأخير، لن أنس ما حييت أنني وأولادي كنا أحد خيارات دبابة».

تختتم «بشيري» حديثها بتأكيد رغبتها في البقاء بمصر، الأمر الذي جعلها ترفض فرصة للتوجه إلى كندا، حتى لا ينشا أبنائها بعيدا عن «القيم والتقاليد الشرقية»، متمنية، في سبيل مواصلة العيش في مصر، أن تجد فرصة عمل، وأن يوفر لأبنائها «الذين لم يندمجوا في المجتمع المصري» مدارس مخصصة للسوريين على غرار مدارس «الأنروا».

 

العراقيون.. «الفارون من الطائفية»:

تقدر الأمم المتحدة عددهم في مصر بـ6 آلاف و923 ألفًا، يتمركز أغلبهم في مدينة 6 أكتوبر، وبينما يراهم المصريون من أثرياء «عراق صدام»، يرون هم أنفسهم مشتتي «عراق الفتنة الشيعية- السنية».

يقول سعد عبد الكريم، 48 عاما، وهو أب لـ3 صبية و3 فتيات:«غادرت موطني بغداد إلى القاهرة في 2006 بحثا عن أمن فقدته بسبب اشتعال الحرب الطائفية، والتي أجج نارها تفجير (مرقد الإمامين)، لكنني لم أسجل نفسي كلاجئ إلا عام 2010، وطيلة السنوات الأربع، كان لدي أمل في العودة للعراق، لكن الوضع هناك يسير من سئ إلى أسوأ».

يشير «عبد الكريم» إلى جواز سفره المختوم بعبارة «غير مصرح بالعمل»، قائلا: «اضطٌررت للعيش من مدخراتي حتى قاربت على النفاد بسبب ارتفاع تكلفة الحياة في القاهرة، والأكثر تكلفة هو المصروفات الدراسية، لأن أبنائي يعاملون كأجانب، مما دفعني لترك ابني الأكبر في العراق ليدرس بالجامعة، التي كانت ستكلفني 1200 دولار في العام الواحد إذا ما التحق بها هنا».

يؤكد «عبد الكريم» صعوبة الأوضاع المادية، قائلا: «أغلب نفقاتنا تذهب للتعليم، ولا مجال حتى للترفيه أو تلبية كل الاحتياجات اليومية، ولن أبالغ لو قلت أننا نخاف نمرض حتى لا يضاف لأعبائنا تكاليف العلاج، فنحن أيضا لا نحظى بالرعاية الصحية إلا بالأسعار المخصصة للأجانب»، مضيفا: «ورغم أننا ضحية لطمع بعض التجار وسماسرة العقارات، نسمع من البعض عبارات لوم عن أننا أسباب الغلاء، وهناك من قالها لنا صراحة (لماذا لا تعودون لبلادكم؟)».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية