شهد عام 2020، سلسلة من المغامرات التركية على الساحة الدولية، برز خلالها استخدام أنقرة لورقة تدوير المقاتلين في صراعاتها، وإضفاء النكهة الدينية، لكنه شهد كذلك بداية محاسبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على فاتورة سياساته الخارجية وذلك بتوقيع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على أنقرة.
كما كتبت مصر نهاية لمغامرات أردوغان الليبية برسم خط أحمر في «سرت-الجفرة».
الهزيمة في إدلب... مسلسل تدوير المقاتلين
استهل الأتراك العام بوضع مأزوم في إدلب السورية، وشن النظام التركي والمليشيات التابعة له هجوم على شمال غرب سوريا، في ديسمبر 2019.
وبحلول فبراير 2020، كانت القوات السورية، سيطرت على العديد من الأراضي في جنوب إدلب، وشمال حماة، كما حاصرت عدة نقاط مراقبة تركية.
الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد بل استهدف الطيران السوري، عدد من جنود المراقبة الأتراك، مما أدى لمقتل 59، بحسب تصريحات أردوغان، الأمر الذي هز من هيبة الأتراك، ودفع أنقرة لإطلاق عملية «درع الربيع» في 27 فبراير للرد على الغارات السورية على جنودها، لكن الوساطة الروسية تداركت الموقف، وتم إعلان وقف إطلاق النار بدء من 6 مارس، وتسيير دوريات تركية روسية مشتركة على طول الطريق السريع.
المغامرات في ليبيا.. تنتهي بخط أحمر
وفي الوقت الذي كانت القوات المدعومة من تركيا تخسر في إدلب، كانت تركيا تنغمس أكثر في الأزمة الليبية، الملف الذي فتحت أنقرة أولى صفحاته في نوفمبر 2019، مع توقيع أردوغان على مذكرتي تفاهم مع حكومة الوفاق الليبية برئاسة «فايز السراج»، تتعلق بترسيم الحدود البحرية، وإرسال قوات تركية لمساندة الوفاق.
وافتتحت تركيا عام 2020 مغامرة جديدة، مع موافقة البرلمان التركي على إرسال قوات عسكرية تركية لليبيا، وتبدأ فيها لعبة توازن القوة بين أردوغان والسراج في (غرب ليبيا) من جانب، والجيش الليبي بقيادة «خليفة حفتر» ومجلس النواب الليبي، (شرق ليبيا)، المدعومين من مصر والإمارات وفرنسا.
وخدمت كورونا «أردوغان»، فمع تفشي الوباء في مارس، وانشغال العالم بمكافحة المرض، كان الرئيس التركي يسير بخطى هادئة نحو دعم قوات الوفاق في غرب ليبيا بالسلاح، والمقاتلين القادمين من سوريا، بعد بسط القوات السورية سيطرتها على أجزاء في إدلب.
في الوقت الذي طالب فيه الجيش الوطني الليبي، بمراقبة دولية لمنع توريد الأسلحة من تركيا إلى طرابلس، مركز حكومة الوفاق-، كما حذرت البعثة الأممية في ليبيا من تحول ليبيا لحقل تجارب لأنواع الأسلحة الجديدة، خاصة أن توريد السلاح ينتهك قرارات مجلس الأمن بحظر توريد السلاح إلى ليبيا.
وفي 25 مارس أطلقت الوفاق بدعم من المليشيات التركية، عملية سمتها «عاصفة السلام»، لكسر الطوق المفروض على طرابلس من قبل الجيش الليبي بقيادة حفتر، وسيطرت على العديد من المدن حتى وصلت للحدود التونسية، وفي نهاية أبريل كانت قوات الوفاق سيطرت على قاعدة الوطية العسكري غرب طرابلس، القاعدة التي كانت خنجرا في خصر الوفاق، حيث تنطلق منها الهجمات على العاصمة، وفي 6 يونيو نجحت حكومة الوفاق في السيطرة على مدينة ترهونة آخر معاقل الجيش الليبي في غرب ليبيا.
ليكون بذلك الطريق مفتوح نحو مدينة سرت حيث وسط ليبيا وقاعدة الجفرة الجوية، حينها استشعرت مصر الخطر، وأعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في 20 يونيو، «أن خط سرت الجفرة خط أحمر» بالنسبة لمصر.
وفي 20 يوليو وافق البرلمان المصري، على إمكانية نشر قوات عسكرية في ليبيا، مما كان ينذر بإمكانية مواجهة الطرفين على الأراضي الليبية، لكن الأتراك والميليشيات التابعة لها، آثروا الألتزام بالخط المصري، لتكتب بذلك نهاية لمغامرة أردوغان في ليبيا.
وفي 21 أغسطس، أعلنت كل من حكومة الوفاق والجيش الليبي وقف إطلاق النار.
الطمع في كعكة المتوسط.. صراع يقود تركيا لعقوبات
ورغم توقف الأوضاع على الأرض ميدانيا، إلا أن التدخل التركي كان له مآلات أخرى، طمعا في كعكة غاز شرق المتوسط، المنطقة الغنية بحقول الغاز الطبيعي، وعلى إثر ذلك أبرمت أنقرة اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع الحكومة الوفاق، في نوفمبر 2019، لغرض مساومة اليونان.
من جانبها، كان التحرك اليوناني هذا العام مكثف لقطع الطريق على أنقرة في شرق المتوسط، أبرمت اليونان اتفاقيتين لترسيم الحدود البحرية مع كل من إيطاليا في 9 يونيو، ومع مصر في 6 أغسطس، الأمر الذي قوبل برفض تركي.
لكن المساعي التركية للإشراك في كعكة المتوسط، شملت استخدام سياسة الأمر الواقع، عبر إرسال سفن تنقيب عن الغاز في مناطق متنازع عليها مع كل من اليونان وقبرص، وطالبت العديد من الدول أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا، تركيا بوقف «استفزازاتها المتعمدة».
المسلسل الذي لم يهدأ إلا في منتصف سبتمبر مع سحب تركيا لسفينة ريس عروج، لإتاحة الفرصة للحوار مع أثينا، وذلك تحت الضغط الأوروبي من إمكانية فرض عقوبات على أنقرة في قمة 24 سبتمبر على خلفية إرسال سفن التنقيب، لكن بعد مضي الاجتماع أعادت تركيا إرسال «ريس عروج» في 12 أكتوبر.
ومع إصرار أردوغان على العبث في منطقة شرق المتوسط، فرص الاتحاد الأوروبي في قمته التي انعقدت في 10 و11 ديسمبر، عقوبات على عدد غير محدد من المسؤولين والكيانات الأتراك المتورطين في التنقيب عن الغاز، وأرجأوا قرارات أكبر مثل التعريفات التجارية أو حظر الأسلحة إلى أن يتشاوروا مع إدارة الرئيس الأمريكي القادم جو بايدن.
صحيح أن 2020 لم يكتب نهاية لإستفزازات أنقرة في شرق المتوسط، لكنها شهدت بداية لمحاسبة أردوغان على فاتورة سياسته الخارجية، وتزامن توقيع عقوبات من الاتحاد الأوروبي مع فرض الولايات المتحدة عقوبات على تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي «الناتو» لشرائها منظومة صواريخ s-400 الروسية، وشملت العقوبات حظرًا لتصدير الأسلحة الأمريكية لـ«إدارة الصناعات الدفاعية» في تركيا- المسئولة عن شراء السلاح- ورئيسها إسماعيل دمير، ومسؤولين آخرين، تضمنت وتجميد الأصول الخاصّة بهم، وفرض قيود التأشيرة، الصفقة التي يعود تاريخها إلى عام 2017، لكن 2020 شهد استلام تركيا للمنظومة في يوليو، وكانت أولى التجارب في أكتوبر.
ناجورني قره باغ.. النكهة الدينية
أردوغان لم يكتف بمغامراته في سوريا وشرق المتوسط وليبيا، لكنه سعى لتأجيج الصراع بين حليفته أذربيجان، وعدوه تركيا التاريخية، أرمينيا حول إقليم «ناجورني قرة باغ» المتنازع عليه بين البلدين منذ استقلالهم مطلع التسعينات.
واندلعت مواجهات عسكرية بين أذربيجان وأرمينيا بين 27 سبتمبر و10 نوفمبر، في إقليم ناجورني قرة باغ، استطاعت خلالها باكو انتزاع العديد من الأراضي داخل الإقليم، من أيد الإنفصاليين الأرمن، وجاءت الانتصارات الأذرية بدعم تركي، من خلال إرسال السلاح وتدوير المقاتلين من سوريا، الأمر الذي تنفيه تركيا، لكن المرصد السوري لحقوق الإنسان أفاد أن مئات من المقاتلين السوريين أرسلتهم تركيا إلى قرة باغ، ليستمر المسلسل التركي في تدوير المقاتلين بين بقع الصراع المختلفة.
الجديد في صراع ناجورني قرة باغ أنه يأتي بنكهة دينية، بين الآذر المسلمون والأرمن المسحيين، النكهة التي لطالما أجاد أردوغان طبخها، خاصة في هذا العام، وفي يوليو، أعلن أردوغان فتح مسجد «آيا صوفيا» للمصلين، لتقام فيه أولى صلوات الجمعة في 24 يوليو، بحضور أردوغان.
ورغم أن القرار لاقى إدانات عدة على رأسها منظمة اليونسكو، كون أيا صوفيا، من «معالم التراث العالمي»، حيث بنيت ككنيسة في العهد البيزنطي، وتحولت لمسجد بعد فتح القسطنطينية، ثم متحف في عام 1934، لكن القرار لقى صداه في الأوساط المؤيدة لسياسات أردوغان.
الوتر الديني أيضًا كان حاضرًا بقوة مع الصراع مع فرنسا، الصراع الذي تكمن جذوره في خلافات سياسية، لكن أردوغان استغل حادث مقتل معلم فرنسي على يد متطرفين لنشره صور كاريكاتيرية للرسول محمد، فيما أعلن الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» تمسك بلاده بحرية التعبير، فيما دعا أردوغان لمقاطعة البضائع الفرنسية رداً على موقف ماكرون.