الصلاة عبادة شرعها الله بكيفيتها وهيئتها، لم يجتهد فى رسمها أحد، وجعل الله لها شروط صحة، وجعل كون الإمام ذكراً شرطاً لصحة صلاة الجماعة، وليس حقّاً للرجل، ولا انتقاصاً للمرأة، بل هذا أمر تعبدى فى المقام الأول.
واتفق المسلمون على تكريم المرأة، ورأوا أن منعها من إمامة الرجال من باب التكريم لا من باب الإهانة والانتقاص، ومن أوامر الإسلام لهذا الغرض، أيضاً، أن الله تعالى أمر النساء أن يقفن خلف صفوف الرجال، لأن صلاة المسلمين قد اشتملت على السجود، فكان ذلك من قبيل قول العرب: «إنما أخرك ليقدمك»، فتأخير النساء فى صفوف الصلاة ليس نوعاً من أنواع الحط من كرامتهن، بل ذلك إعلاء لشأنهن، ومراعاة للأدب العالى، وللحياء، وللتعاون بين المؤمنين ذكوراً وإناثاً على الامتثال للأمر بغض البصر.
وفى الحقيقة فإن مسألة «إمامة المرأة للرجال فى الصلاة» ينظر إليها من زاويتين، الزاوية الأولى: هى زاوية الواقع العملى للمسلمين، وتطبيقهم الفعلى على مر العصور والدهور، والثانية: هى التراث الفقهى، والواقع النظرى المعتمد لديهم.
أما عن الواقع العملى فقد رأينا المسلمين شرقاً وغرباً، سلفاً وخلفاً، قد أجمعوا فعليّاً على عدم تولى المرأة الأذان، ولا توليها إمامة جماعات الصلاة، ولا توليها إمامة الجمعة، فلم يعرف تاريخ المسلمين خلال أربعة عشر قرناً أن امرأة خطبت الجمعة وأمّت الرجال، حتى فى بعض العصور التى حكمتهم امرأة مثل «شجرة الدر» فى مصر المملوكية، لم تكن تخطب الجمعة، أو تؤم الرجال.
وبخصوص الواقع النظرى من خلال النظر فى نصوص الشرع والتراث الفقهى للمسلمين، فإننا نجد الفقهاء قد عرفوا الإمامة بأنها: ارتباط صلاة المصلى بمصل آخر بشروط بيّنها الشرع. فالإمام لم يصر إماماً إلا إذا ربط المقتدى صلاته بصلاته، وهذا الارتباط هو حقيقة الإمامة، وهو غاية الاقتداء- راجع حاشية ابن عابدين-.
أما ما ورد فى هذه المسألة من نصوص الشرع الشريف، فقد ورد حديثان، الأول: حديث ورقة بنت عبدالله بن الحارث: «أن النبى صلى الله عليه وسلم جعل لها مؤذناً يؤذن لها، وأمرها أن تَؤم أهل دارها»- أخرجه الإمام أحمد فى مسنده- والثانى: حديث جابر بن عبدالله فى روايته لخطبة من خطب النبى صلى الله عليه وسلم، حيث قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. إلى أن قال عنه صلى الله عليه وسلم: «ألا لا تَؤُمَّنَّ امرأةٌ رجلاً، ولا يؤم أعرابى مهاجراً، ولا يؤم فاجر مؤمناً إلا أن يقهره بسلطان يخاف سيفه وسوطه»- رواه ابن ماجة فى سننه-.
وقد ضعف بعض الحفاظ الحديث الأول كالحافظ ابن حجر العسقلانى، حيث قال فيه: «فى إسناده عبدالرحمن بن خلاد، وفيه جهالة»، أما الحديث الثانى فقد ضعفه أكثر الحفاظ، فهو أضعف من الأول، وقد ذكر الحافظ أن فى إسناده عبدالله بن محمد العدوى وقال: اتهمه وكيع بوضع الحديث، وشيخه على بن زيد بن جدعان ضعيف- راجع التلخيص الحبير-.
أما عن تراث المسلمين الفقهى فى هذه المسألة- وهو ما يمثل فهماً صحيحاً للأصول العامة للشريعة، خاصة إذا ما كان هناك إجماع عليه- فقد أجمع أهل العلم من المذاهب الأربعة، بل المذاهب الثمانية، وفقهاء المدينة السبعة على منع إمامة المرأة فى صلاة الفريضة، وأن صلاة من صلى خلفها باطلة، وشذ أبوثور، والمزنى، وابن جرير، فذهبوا إلى صحة صلاة الرجال وراء المرأة فى الفرائض- راجع الموسوعة الفقهية-، وإلى هذا القول الشاذ ذهب كذلك محيى الدين بن العربى من الظاهرية.
وأما فى النوافل وصلاة التراويح فجمهور الأمة كذلك على المنع، وخالف بعض الحنابلة وقالوا بجواز إمامة المرأة للرجال فى النفل والتراويح، ومن ذلك ما ذكره ابن مفلح عن إمامة المرأة فى الصلاة.
فقال: «تصح فى نفل، وعنه: فى التراويح، وقيل: إن كانت أقرأ، وقيل: قارئة دونهم، وقيل: ذا رحم، وقيل: أو عجوزاً، وتقف خلفهم لأنه أستر، وعنه: تقتدى بهم فى غير القراءة، فينوى الإمامة أحدهم، واختار الأكثر الصحة فى الجملة، لخبر أم ورقة العام والخاص»- راجع الفروع لابن مفلح-.
ولذا فنرى ونفتى بما أجمعت عليه الأمة سلفاً وخلفاً، قولاً وعملاً، لقوة الأدلة، ولعمق النظر، وإنما نقلنا ذلك القول الشاذ من التراث الفقهى، لأمانة العلم وليس لجعله هو المعمول به، والدعوة للعمل بهذا القول الشاذ فيه اتهام للأمة سلفاً وخلفاً، ولا تجتمع أمة المسلمين على ضلالة أبداً، فالإجماع حجة، وبه ضبطت المسائل الفقهية الواردة فى النصوص الشرعية.
والحكمة من إبعاد المرأة عن «مسألة إمامة المرأة للرجال فى الصلاة»، هى الانسجام مع أمر الإسلام بالعفة والعفاف، وأمر غض البصر للمؤمنين والمؤمنات، على حد سواء، وأمر ستر عورة المرأة، وعورتها فى كل بدنها إلا الوجه والكفين، ولذلك كله أمر الله النساء أن يقفن خلف صفوف الرجال، لأن صلاة المسلمين قد اشتملت على السجود الذى به قد يتحدد جسد المرأة ويتكشف، فكان هذا الأمر جزءاً لا يتجزأ من احترام الإسلام كحضارة وتشريع للمرأة المتمثل فى الحفاظ عليها وتكريمها، بل وحمايتها من مواطن الأذى والمهانة والانتقاص.