على الرغم مما أثاره تشكيل الحكومة اللبنانية من ارتياح فى بيروت، إلا أن المؤكد أن الخطوة الأخيرة، على أهميتها، لن تتعدى كونها فرصة للمعسكرين اللبنانيين الأساسيين لالتقاط الأنفاس فى المرحلة الحالية، انتظاراً لما ستسفر عنه التطورات المحلية والدولية فى المرحلة المقبلة.
ولا شك أن المعارضة تعتبر حققت نصراً ملموساً بتشكيل الحكومة الحالى، فأفضل الصيغ التى عرضت عليها كانت 19 للأغلبية مقابل 10 للمعارضة وواحد للرئيس، مما كان يحول دون حصول الأغلبية على «الثلث المعطل»، وهو المطلب الملح والدائم للمعارضة اللبنانية، فقد يتجه الوزير المحايد للتضامن مع المعارضة أحياناً ومع الأغلبية أحياناً أخرى،
أما مع وجود صيغة الـ15 للأغلبية و10 للمعارضة و5 للرئيس فأصبح من شبه المضمون للمعارضة الحصول على الثلث المعطل، فضلاً عن حصول المعارضة على حقيبة الاتصالات، التى كانت محلاً للخلاف الشديد فى أعقاب حرب لبنان لتخوف حزب الله من التجسس الإسرائيلى عليها إذا ما تولى الوزارة أحد مناصرى الأغلبية.
وواصل حزب الله دعمه لحلفائه من خلال الاكتفاء بالحصول على حقيبتين وزاريتين فقط، ومنح البقية لحلفائه، فعلى الرغم من أن الحزب أقوى أضلع التحالف على الإطلاق إلا أنه يعلم أنه يربح حلفاءه أكثر من خلال منحهم المزيد من الوزارات، كما واصل الحزب دعم حليفه الرئيسى العماد ميشيل عون من خلال منحه 3 وزارات.
وتبدو الحكومة اللبنانية فى النهاية بمثابة واجهة سياسية تحفظ للبنانيين الحد الأدنى من التماسك، خوفاً من انفراط عقد الدولة، فمائدة الحوار الوطنى اللبنانى لاتزال قائمة وتشكل المكان الحقيقى للحوار السياسى بين الفرقاء اللبنانيين، الذين يرون أن هذه المائدة هى التى تحفظ لهم وزنهم التفاوضى فى مواجهة الأطراف الأخرى.
فبمجرد النظر إلى الأسماء الموجودة فى كلا الفريقين وانتماءاتهم الدينية يتضح حجم الأزمة التى يعانيها لبنان حالياً، فلا يوجد أى وزير شيعى من بين 15 وزيراً لدى الأغلبية، بينما يوجد 5 وزراء شيعة عن الأقلية من أصل 10، ولا يوجد أى وزير سنى أو درزى فى صفوف الأقلية، بينما يوجد 8 من الدروز والسنة فى الأغلبية.
ويعكس هذا حقيقة أن الانقسام الطائفى فى لبنان أصبح أكثر تعقيداً بإضافة الانقسام السياسى إليه، مما يزيد من احتمالات الخلاف على حساب احتمالات التوافق، وهو ما برز فى تصريحات رئيس الحكومة، سعد الحريرى، الذى تخوف من انعكاس الخلافات السياسية على أداء الحكومة.
ويتوقع الكثير من المراقبين أن تكون الحكومة «عاجزة» عن القيام بواجباتها المختلفة، نظراً لتقييدها بالكثير من الخلافات السياسية التى ستحول دون عملها بشكل مهنى، كما أن وجود 14 وزيراً من بينهم الحريرى نفسه ـ ممن لم يسبق لهم تولى الوزارة فى لبنان، قد يحول دون قيام الحكومة بواجباتها لقلة خبرة القائمين عليها.
غير أن الأخطر من هذا أن يستمر الوضع القائم فى تشتت وفشل بعض الوزارات من داخلها، فوجود بعض الوزارات التى تحصل عليها بعض الطوائف تقليدياً، يدفع الطوائف المناوئة لها للتركيز على الحصول على أكبر قدر ممكن من الوظائف «التكنوقراطية» فى الوزارة، فمثلاً يهيمن السنة تاريخياً على وزارة المالية، مما دفع الشيعة للتواجد فى مستويات الوزارة العليا (على مستوى وكيل وزارة مثلاً) والدنيا بكثافة، بما يسمح لهم بتعطيل أى قرارات ضد المصلحة الشيعية، والعكس صحيح فى وزارة مثل العمل.
إذن فتشكيل الحكومة اللبنانية لا يتعد كونه خطوة ضرورية تخفيفاً للاحتقان وليس لإزالته، فأسباب الاحتقان ستظل قائمة حتى يقرر أحد أطراف المعادلة ـ أو أكثر من طرف ـ فى لبنان تغيير خريطة تحالفاتهم الخارجية، ومن ثم تغيير التحالفات الداخلية، مما يجعل لطرف من طرفى المعادلة الغلبة على الطرف الآخر.