حصلت «المصري اليوم» على نص وثيقة حقوق الأزهر للمرأة، التي أقرها أعضاء هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف خلال اجتماعهم، الأربعاء، برئاسة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وبحضور الدكتور يوسف القرضاوي، عضو الهيئة، والتي تعد إنصافا للمراة ودفاعا عن حقوقها وكرامتها.
تتضمن الوثيقة 7 محاور رئيسية، هى قيمة المرأة الإنسانية والاجتماعية، والشخصية القانونية للمرأة، والمرأة والأسرة، والمرأة والتعليم، والمرأة والعمل، والمرأة والأمن الشخصى، والمرأة والمشاركة السياسية ، وهذه هى أبرز نصوص الوثيقة:
أولا: قيمة المرأة الإنسانية والاجتماعية
يتأسس وضع المرأة في الإسلام على المساواة مع الرجل، سواء في مكانتها الإنسانية أو من حيث عضويتها في الأمة والمجتمع، وهو مبدأ بينه الخالق سبحانه وتعالى في قوله تعالي: «فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض» آل عمران آية 195.
العلاقة بين المرأة والرجل تقوم على المسؤولية المشتركة التي أساسها ومعيار التفاضل والأفضلية فيها كلمة الحق والعدل مصداقاً لقوله تعالي: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم» التوبة آية 71..
إن مبدأي المساواة والمسؤولية المشتركة كأساس لفهم وتأسيس العلاقة بين الجنسين في الأمة قد قررتهما آيات واضحة، بحيث لا يجوز تحجيمهما من خلال أحكام جزئية خاصة. وإذا كانت المساواة في النفس والروح والكرامة الإنسانية، والمشاركة في المسؤولية عن الكون وإعماره، مفاهيم جوهرية لعلاقة الرجل والمرأة في الإسلام، فإن مفهوم القوامة يؤكد على المسؤولية الحكيمة، ويعنى الالتزام المالي نحو الأسرة، وأن يأخذ الزوج على عاتقه توفير حاجات الزوجة المادية والمعنوية بصورة تكفل لها الإشباع المناسب لاحتياجاتها، وتشعرها بالطمأنينة والسكن، بما يحقق المسؤولية المشتركة بين الرجل والمرأة، وليست سلطة التصرف المطلقة والهيمنة من قبل الزوج أو الأب تجاه الزوجة والأولاد، للمرأة حقوق سياسية واقتصادية مساوية للرجل، باعتبار أن تطور المجالات والوظائف والأنظمة والأدوار السياسية والاقتصادية في المجتمعات المعاصرة يقع أغلبه في دائرة المصلحة المرسلة، التي لم يشهد لها الشرع بالاعتبار أو الإلغاء، وما قد يختلف عليه منها فسبيله الاجتهاد من علماء الأمة تفسيرا وتأويلاً واستنباطاً، وهذه عملية تاريخية وثقافية مستمرة، للمرأة الحق في المشاركة فيها متي توافرت لها الكفاية والمقدرة.
ثانيا: الشخصية القانونية للمرأة
تتمتع المرأة بالأهلية الكاملة ولها ذمتها المالية المستقلة، ومسؤوليتها القانونية، وحق التصرف الكامل المستقل فيما تملك منذ صدر الدعوة إعمالا للمبدأ، الذي أقره النبى (صلى الله عليه وسلم): «المسلمون تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم ويجير عليهم أقصاهم» (سنن أبى داوود – كتاب الجهاد). قال تعالي «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم» التوبة آية 71.. للمرأة حق شرعي غير منازع في الميراث، وعلى الدولة ضمان حصول المرأة على حقها، وعلى أهل العلم وحكماء الأمة وقيادات الرأي العام بذل الجهد لوضع حد للأعراف والتقاليد الظالمة، التي تعطل إعمال النصوص الشرعية لميراث المرأة، الذي وصفه الله تعالى بكونه «نصيبا مفروضا»، ووضع الضمانات القانونية لحمايته.
ثالثا: المرأة والأسرة
الأسرة هى أساس المجتمع ووحدته الأولي، وهي كيان تعاقدى ومادى، ومعنوى، وينبغى اتخاذ كل الإجراءات والتيسيرات التي تدعم هذا الكيان وتصونه. فالأسرة كيان تعاقدي لكونها علاقة إرادية تنشأ بالاتفاق وتنتهي إما بالاتفاق أو بحكم القضاء مع التعويض أو بدونه، وللرجل والمرأة في ذلك كله إرادة متساوية في إنشاء الأسرة وإنهائها بالأصالة أو التفويض، فتتم حسب ما يقرره الشرع في محكم آياته، وحسب ما تنص عليه شروط العقد، وأساسه الأول هو التراضى والقبول المتبادل، ومسألة التوثيق إنما هو لحماية الطرفين وبخاصة حقوق المرأة، تقوم الأسرة على المشاركة والشورى والعدل والمودة والرحمة. وقد كتب الله تعالى على الرجل الإنفاق على الأسرة فريضة عليه، نظراً لقيام المرأة بدورها الطبيعى في الإنجاب ورعاية الأبناء. فالإنفاق حق للمرأة والطفل واجب على الرجل. ولا يعنى ذلك حبس كيان المرأة والرجل في تلك الأدوار لأن لكل منهما أدوارًا أخري متعددة.
رابعاً: المرأة والتعليم
التعليم حق من حقوق المرأة ويجب أن تسعى الدولة والمجتمع لتوفير ودعم فرص المرأة في التعليم دون تمييز، وهذا الحق يمنع الأسرة من التمييز بين الولد والبنت في تلقى التعليم اللازم للارتقاء بهما مادياً ومعنوياً.
خامساً: المرأة والعمل
إن الواقع المعاصر في متطلباته الاقتصادية أو نتيجة للتعليم قد فرض على النساء العمل إلى جانب القيام بتبعات وظيفتهن الإنسانية والطبيعية في حفظ النوع. والعمل نهج شريف لتحصيل الرزق، لا يرفضه الدين بما يتناسب مع ظروف الزوجين وأبنائهما طالما اقترن بالحفاظ على الفروض والآداب الإسلامية. إن عمل المرأة بهذا المعنى يرتب على أولى الأمر مجموعة من الالتزامات: أولها أن يقوم على قاعدة تكافؤ الفرص والعدالة، وبخاصة المحتاجة والفقيرة والمعيلة؛ إعمالاً لمبدأ الرعاية والتيسير لا مجرد المساواة فحسب حفظاً للأسر من الانهيار؛ ولذلك ينبغي تيسير قواعد العمل بالنسبة للنساء العاملات، وتحقيق التوافق الأسري على التعاون والتضافر في حمل الأعباء المادية وغير المادية كرعاية الأبناء والآباء. وواجب الدولة نحو المرأة والطفل كما هو الحال بالنسبة للرجل عند انسداد سبل العيش والبطالة أو العجز عن توفير حدود الكفاية في التعليم والمعيشة الكريمة والسكن، واجب متساوٍ وضرورى يتأسس على منطق حقوق المواطنة لا الإغاثة.
سادساً: المرأة والأمن الشخصى
يتبني الإسلام رؤية متكاملة بالنسبة لجسد الإنسان (وشتى جوارحه) على أنه أمانة ومسؤولية أمام الله عز وجل «إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا» الإسراء 36. وقد كان ولا يزال- للأسف الشديد -الاستغلال والعدوان بكل صوره، ومنه التحرش وسائر صور الاعتداء الجنسي – خاصة على المرأة، أحد المآسى والآفات الإنسانية الكبرى على مدى التاريخ. وإذا كان تحمل مسؤولية وحفظ الجسد الإنسانى من الفواحش هو مسؤولية الفرد، فإنها على الجانب المقابل مسؤولية الجماعة أيضاً، وخاصة فى الظروف المستجدة، بل هى من الضرورات الشرعية، حفظ النفس والدين والعرض والعقل والمال. إن موضوع زي المرأة في الإسلام أمر حسمته الشريعة، وجرى عليه جمهور فقهاء المسلمين وعلمائهم، وفحواه أن الحشمة في الزي مطلوب شرعي، وأن كشف الوجه والكفين أجازتهما الشريعة، ولا ينبغى أن تمنع عادة، أو تحول دونه ثقافة.
سابعاً: المرأة والعمل العام
للمرأة الحق في تولى الوظائف العامة متي اكتسبت المؤهلات، التي تقتضيها تلك الوظائف، وعلى الدولة أن تحافظ على تكافؤ الفرص إزاء المرأة والرجل، ومن المعلوم أن النساء المؤهّلات قد تولين في صدر الإسلام وظائف عامة في التعليم وفي الأسواق وفي العلاج وغيرها. هذا وللمرأة الحق في العمل التطوعي الخدمي والعمل العام حسبما تهيّؤه لها ظروفها الخاصة وإمكاناتها ومواهبها وحوافزها الشخصية. فإن العمل التطوعي والخدمة العامة هي حق وواجب الإنسان رجلا كان أو امرأة من فضل ماله وعلمه وجهده، وهو فرض كفاية على المجتمع كله. وأخيرا فإن المرأة صاحبة حق أصيل فى الجماعة الوطنية ولها حق – وواجب- النصيحة والشورى والقيام بالقسط، وهى محملة بالأمانة مستخلفة كالرجل، سواء بسواء، ويفرض عليها كل أولئك المشاركة في العمل العام ناخبة ومنتخبة لإيصال ما تراه صحيحا من آراء وحقوق ومصالح عامة إلى القائمين على صنع القرار في الجماعة الوطنية التي ينبغى أن تكون توافقية.
يذكر أنه حضر اجتماع هيئة كبار العلماء برئاسة شيخ الأزهر، والذي تم خلاله اقرار وثيقة حقوق المرأة كل من: الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمى للعلماء المسلمين، والدكتور علي جمعة، مفتى الجمهورية السابق، والدكتور أحمد عمر هاشم، والدكتور محمود حمدى زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق، والدكتور نصر فريد واصل، والدكتور حسن الشافعى، مستشار شيخ الأزهر، والدكتور محمد عمارة، واستغرق إعداد «وثيقة حقوق المراة» أكثر من عام تم خلاله عقد لقاءات واجتماعات مكثفة داخل مشيخة الأزهر حضرها المهتمون بقضايا المرأة والدفاع عن حقوقها، ومثقفون وسياسيون.