x

مصطفي الفقي الشاعر «أدونيس»‏ مصطفي الفقي الأربعاء 30-12-2009 18:42


تحكى الأسطورة اللبنانية عن العاشق «أدونيس» وحبيبته ‏‏«عشتروت» قصصاً هى أقرب إلى‎ ‎الخيال منها إلى الواقع، ‏وقد حمل شاعرنا الذى نتحدث عنه اسم شهرته من تلك ‏الأسطورة‎ ‎القديمة ولكن اسمه الحقيقى هو «على أحمد ‏سعيد»، وهو سورى المولد والنشأة، بدأ‎ ‎تعليمه فى سنٍ ‏متأخرة نسبياً تجاوز فيها سنوات الطفولة الأولى حتى أصبح ‏واحداً من‎ ‎أكبر الشعراء العرب وإن كان يعد بكل المقاييس ‏شاعر الصفوة،‎ ‎
فلغته ليست سهلة، وتركيباته تبدو معقدة لا يمكن الوصول ‏إلى ما وراء سطوره إلا‎ ‎بالتدقيق والتعمق والتفكير المتصل، ‏وأزعم أنه ليس شاعراً محبوباً من أقرانه خصوصاً‎ ‎بعض ‏الشعراء المصريين وقد كانت بينه وبين الشاعر العربى ‏الكبير «أحمد عبدالمعطى‎ ‎حجازى» مساجلاتٌ تعكس شيئاً ‏من الحساسية بين «شعراء مصر» وغيرهم من الشعراء ‏العرب،‎ ‎وعندما كان «معرض القاهرة الدولى للكتاب» يوجه ‏الدعوة للشاعر «أدونيس»، فإنه كثيراً‎ ‎ما كانت تحيط ‏بالزيارة - إن تمت - ملابساتٌ كثيرة، رغم أن ذلك الشاعر ‏السورى الكبير‎ ‎يملك جمهوراً مصرياً يتذوق شعره ويفهم ‏لغته،‎ ‎
وهناك موسم سنوى يطفو فيه اسم «أدونيس» على السطح ‏بمناسبة الحديث عن جائزة‎ «‎نوبل» فى الأدب، حيث يرى ‏الكثيرون أن «أدونيس» جديرٌ بها ومستحقٌ لها وإن كانت ‏قد‎ ‎تخطته لعدة سنوات حتى لم يعد الاسم مطروحاً بالحدة ‏نفسها التى كان عليها من قبل،‎ ‎و«أدونيس» شديد الاعتزاز ‏بذاته والانحياز لأسلوبه بحيث يبدو متفرداً مغرداً خارج‎ ‎السرب،‎ ‎
وهذا التفرد هو الذى أعطاه جزءاً كبيراً من بريقه اللامع ‏وشهرته الواسعة، بل‎ ‎إننى أزعم أن الغموض الذى يكتنف ‏لغته يوحى لقرائه أنهم أمام شىء مختلف ولغةٍ‎ ‎متميزة، ولقد ‏جمعتنى مناسبة ثقافية بذلك الشاعر الكبير عندما دعا الشيخ ‏‏«محمد بن‎ ‎راشد» حاكم «دبى» مجموعة من المفكرين ‏والمثقفين العرب للتشاور حول مبادرته لإنشاء‎ ‎صندوقٍ ‏ضخم لتمويل المشروعات التعليمية فى الدول العربية،‎ ‎
وقد كان لقاؤنا فى «دبى» لعدة أيامٍ اقتربت فيها من ذلك ‏الشاعر العربى المتميز،‎ ‎واكتشفت أنه أكثر بساطة وتواضعاً ‏مما كنت أظن واستمعت إليه وهو يتحدث عن محطاتٍ فى‎ ‎تاريخه الشخصى ويتبادل الملاحظات مع عددٍ من الشعراء ‏والأدباء الحاضرين، وقد كنت‎ ‎قبل ذلك أسير انطباعٍ بأن ‏‏«أدونيس» هواه غير مصرى ولكنى اكتشفت خطأ تصورى ‏واستمعت‎ ‎إلى حديثه عن «مصر» وشعرائها الكبار بمودة ‏ومحبة زائدين،‎ ‎
كما تحدث عن ذكرياته أثناء زياراتها وفهمه لشعبها، وتلك ‏خصوصية يتميز بها‎ ‎السوريون عموماً، فهم من أقرب ‏الشعوب العربية إلى المزاج المصرى، وسوف يظل ‏‏«أدونيس‎» ‎الشاعر أقرب إلى الأسطورة الحية منه إلى ‏الشخصية الواقعية، وذلك يعكس حجم الاحتفاء‎ ‎به فى ‏المحافل الثقافية والمنتديات العربية والأجنبية،‎ ‎
لذلك كان طبيعياً أن يرشحه الكثيرون عربٌ وأجانب لجائزة ‏‏«نوبل»، وإن كنت أظن أن‎ ‎مواقفه السياسية لا تقترب كثيراً ‏من «القاهرة» الرسمية فى السنوات الأخيرة إلا أنه‎ ‎يظل ‏قيمة قومية تأخذ طريقها نحو العالمية، وخلال أحاديثى معه ‏اكتشفت أنه متابعٌ جيد‎ ‎للأحداث ومفكر نشط قبل أن يكون ‏شاعراً معروفاً،‎ ‎
وهو يعتقد أن بعض الشعراء المصريين قد أساءوا فهمه ‏وتشويه صورته أمام جمهوره‎ ‎المصرى، وهو يرد على ذلك ‏بمرافعاتٍ قوية ومساجلاتٍ واعية، وفى ظنى أننا فى ‏‏«مصر‎» ‎يجب أن نفتح الأبواب واسعة لرواد الفكر والشعر ‏والأدب، فقد ازدهر دور «مصر» دائماً‎ ‎بالتواصل مع ‏غيرها والترحيب بضيوفها، فالعزلة والانغلاق ليسا صفتين ‏مصريتين على‎ ‎الإطلاق، وعندما تكسب «مصر» أديباً أو ‏شاعراً فإنها تكسب معه تلقائياً جمهوره‎ ‎العاشق فى أنحاء ‏الوطن العربى‎.‎
‎.. ‎تحية لذلك الشاعر السورى الكبير وجمهوره العريض، ‏مَن تذوق منهم شعره عن فهم‎ ‎ومن مضى وراءه فى ‏تظاهر، لأن فكر الرجل أعمق وأرحب من أن نتناوله دون ‏تذوق خاص‎ ‎وتأمل حقيقى ورؤية صادقة‎.‎

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية