نصف الكوب الملآن أو الدرس الإيجابى الذى كان ينبغى أن نتعلمه من الجائحة (الحسنة تخص والسيئة تعم)، نجاتك من كورونا حتى الآن يخصك فقط أنت، وإصابة أى إنسان فى أى بقعة من الأرض تعنى أيضا احتمال إصابتك، جارك فى الكرة الأرضية أصبح يشكل بؤرة عدوى مهما تباعدت بينكما المسافات. هذه الأيام تابعنا أكثر من نجم ونجمة ومخرج ومنتج ومذيع اقتحم جهازهم التنفسى هذا الفيروس اللعين.
أنت لا تتعامل هنا مع نجم يروقك أو تعترض على ما يقدمه، أو تقيم أداء هذا المذيع، وهل هو صوت للشعب أم للسلطة؟، تراه خفيفًا أم ثقيل الظل، تعجبك نبرة صوته أم ترى أنه كان ينبغى أن يرسب أساسًا فى اختبار المذيعين، فهو لا صوت ولا صورة ولا عقل (ولا حتى الهوا)؟.
رأيك، أنت حر فيه، كل هذا أفهمه وأتقبله، فقط قبل أن يصبح هذا الإنسان مريضًا، مهما كنت محترزًا فهو أخبث فيروس عرفناه، يتحور حتى يجد الفرصة مواتية للاقتحام، يتمسكن حتى يتمكن.
أفزعنى أن أقرأ على صفحات (السوشيال ميديا) كلمات يستاهل وتستاهل فى تعقيب البعض على إصابة كل من هؤلاء المشاهير بالفيروس. فى كل الدنيا لا أحد يشمت فى زلزال أو بركان أو مرض خبيث يصيب جارك مهما كانت بينكما من خلافات، العداء يجب إحاطته بشرف ونبل الخصومة، تعودنا فى ثقافتنا المتداولة اعتبار أن المرض عقوبة مستحقة للأعداء فهى انتقام إلهى، رغم أن الأصدقاء أيضا يمرضون، الموت يعتبره البعض دلالة على أن عين الله تتولى الثأر ممن ظلمنا أو قهرنا وكأنه ليس النهاية الحتمية لكل الكائنات الحية.
منذ عقود من الزمان، وأنا أرى كل تلك الملامح القاسية على من نطلق عليهم رجال الدين، فهم أول من يروّج لتلك الخزعبلات، مثلا فى منتصف الثمانينيات أصيب بالغيبوبة الشاعر وفنان الكاريكاتير الكبير صلاح جاهين، استمعت إلى الشيخ الشهير وهو يدعو بعد نهاية خطبة صلاة الجمعة بالموت العاجل لصلاح جاهين لأنه كان قد تراشق بالكاريكاتير مع الشيخ محمد غزالى ردًا على بعض أقوال الشيخ القاسية والمتزمتة، اعتقد خطيب الجمعة أن دعوة الموت مستحقة، وبينما كان يردد أغلب المصلين خلفه آمين، كنت أنا أدعو الله فى سرى أن ينجو صلاح جاهين من الموت ويمد فى عمره.
فى الجمعة التالية اعتبر الشيخ أن دعوة المصلين استجاب لها الله وعز جل وقبض روح جاهين.
أكبر درس عاشته البشرية هو تلك الحرب الشرسة مع هذا الوحش الغامض، كان من المفترض أن تجعلنا نعيد التفكير فى كل ما يضرب عمق الدين، ما هى الديانة سماوية أو غير سماوية، التى لا تتعاطف مع مريض؟ مهما بلغت مساحات الخلاف فلا مجال لكى نصفّى حساباتنا مع مخرجة قدمت مشاهد تراها هى حتمية، ويراها آخرون متجاوزة، أو مع مذيع تراه منافقًا بينما هو يرى أنه يقدم للناس ما يعتقد أنه الحقيقة، قناعته أنه يؤدى واجبه، بينما أنت تراه يبتعد عمدًا عن الحقيقة، هذا الرأى من حقك أن تكتبه فى جريدتك أو على صفحتك الرقمية، ولكن ليس له علاقة بالشماتة فى مريض.
بعض البشر يسقطون مشاعرهم المريضة على كل ما يجرى حولهم فى الدنيا، وندعو الله أن يمن عليهم بالشفاء العاجل من هذا الفيروس الأشد فتكًا!!.