«السلالة الجديدة من فيروس كورونا ظهرت أكثر انتقالًا بين البشر، وربما تتحول إلى عقبة أمام اللقاحات التى جرى تطويرها»، هذا هو الخبر القادم من بريطانيا والذى أثار قلقًا عالميًّا متزايدًا حول مصير الفيروس وجدوى اللقاحات الجديدة، خاصة بعدما شددت الحكومة البريطانية من الإجراءات الوقائية، وفرضت حجرا هو الأكثر صرامة، وفى جنوب إفريقيا أيضا تم رصد نسخة مماثلة من السلالة البريطانية، وتم العثور عليها لدى 90% من العينات التى خضعت لتحليل المتواليات الجينية، منذ منتصف نوفمبر الماضى، وهو ما يفتح التساؤل حول مصير تلك السلالة الجديدة ومدى خطورتها على البشرية فى الفترة المقبلة.
الدكتور إسلام حسين، المتخصص فى علم الفيروسات من ولاية بوسطن بالولايات المتحدة، قال لـ«صحتك بالدنيا» إن الفيروس المتحور لم يتم رصده فى أمريكا حتى الآن، ولكنه يوجد فى بريطانيا والدنمارك، ومازلنا نتابع الموقف، معتبرا أن وصف «السلالة الجديدة» للفيروس يعد توصيفًا غير دقيق، وإنما هو «تحور»، وليس فيروسًا جديدًا، لأن حدوث تحور فى شكل الفيروس هو أمر طبيعى ومعروف، وبالتالى لا داعى للخوف والهلع الكبير الموجود الآن لدى قطاع كبير من المواطنين.
وأضاف حسين: «إن حدوث طفرات فى شكل الفيروسات أمر طبيعى، فشكل الفيروس يتغير طول الوقت، ولكن الأهم من حدوث الطفرات هو مدى تأثير وشراسة تلك الطفرة، مع العلم أن الأغلبية من تلك الطفرات ليس لها تأثير قوى، بل غالبيتها تأثيرات صامتة»، مشيرا إلى أن الحديث عن حدوث طفرة فى الفيروس جعلته أكثر شراسة، أمر غير حقيقى وغير منطقى انطلاقًا من أن الفيروس بطبيعة الحال فيروس شرس، وبالتالى ليس بحاجة إضافية تجعله أكثر شراسة، ولكن الطفرة الجديدة التى تحدث له قد تجعله أكثر انتشارا عن ذى قبل.
وأكد أستاذ الفيروسات بأمريكا أن الفيروس المتحور به خاصية متأصلة فى جميع الفيروسات، وهى زيادة ارتباط الطفرات مع كفاءة الخلية، بالإضافة إلى أنها تؤدى إلى سرعة الانتشار، كما أن البروتين الشوكى الموجود على سطح الفيروس الخارجى، يعطيه شكله المميز، ويقوم بوظيفتين الأولى يستخدمه الفيروس بالمفتاح، لفتح باب الخلية، والدخول إليها، والثانى أن الأجسام المضادة التى يشكلها الجسم تتمسك بالبروتين الشوكى وتفقده قدرته على إحداث العدوى، وبالتالى له أهمية خاصة، وأى تحولات فيه تستدعى انتباه المتخصص، موضحًا أنه يوجد حاليا 8 طفرات على البروتين الشوكى.
وأشار إسلام حسين إلى أن معدل الطفرات فى فيروس كورونا، أقل كثيرا من الطفرات الموجودة فى فيروس الإنفلونزا، موضحا أن بداية ظهور الفيروس المتحور كانت فى شهر سبتمبر الماضى، حيث وجدت زيادة فى عدد الحالات وأصبح يوجد 400 حالة فى كل 100 ألف إصابة، منوها فى الوقت نفسه بأن ازدياد معدل الإصابات فى إنجلترا كان بالصدفة، خاصة أنه قابل للانتشار بسرعة أكبر من المعتاد فى أماكن أخرى، وهذا لا ينفى احتمالية تغيير فى خصائص فيروس كورونا.
وحول إمكانية تأثر اللقاحات الجديدة بتلك الطفرات المستمرة، قال حسين إنه لا يستطيع أحد التأكد من هذا الأمر إلا مع التجربة، وتطبيق تلك اللقاحات، وتحديد مدى كفاءتها فى مواجهة السلالات الجديدة من الفيروس، مشيرا إلى أنه من الناحية النظرية يفترض أن اللقاحات تواجه البروتين الموجود على سطح الفيروس وتكوين أجسام مضادة له، وبالتالى مواجهته والتصدى له.
ولم تغفل منظمة الصحة العالمية، حتى الآن، الحديث عن السلالة الجديدة أو الفيروس المتغير الذى ظهر فى بريطانيا، وأبلغتها السلطات الصحية بها، خاصة أنه أكثر قدرة على الانتشار، وأكدت أنه يجرى حاليًا مزيد من الأبحاث للتعرّف على سرعة هذا الانتشار، وهل يرتبط بالسلالة الجديدة نفسها أم توجد عوامل أخرى متداخلة، ومن المعلومات المبدئية أن السلالة المتغيرة لا تسبب درجة أشد من المرض، والدراسات لا تزال تجرى على المصابين بهذه السلالة مقارنة بالمصابين بـ«كوفيد-19». وأكدت المنظمة أنه قد يكون هناك تغير فى قابلية العدوى والإصابة بهذه السلالة، بالإضافة إلى انخفاض أداء الاختبارات التشخيصية التى تستخدم الجين (S)، ولكن لا يوجد حتى الآن دليل على تغيرات فى فعالية اللقاحات المنتظرة، أو قدرة المصاب على إنتاج أجسام مضادة للفيروس.
وشددت المنظمة على أنه من المهم أن نعرف أن جميع الفيروسات تتغير مع مرور الوقت، وهذا يشمل فيروس جائحة كوفيد-19، وحتى الآن تم التعرّف على مئات الأنماط المختلفة لهذا الفيروس فى جميع أنحاء العالم، والمنظمة تتابع ذلك عن كثب، ولم يكن لمعظم التغيرات التى طرأت على الفيروس سوى تأثير ضئيل أو معدوم فى انتقال العدوى أو شدة المرض.وقالت: «السبب فى اهتمامنا الخاص بهذه السلالة الجديدة أنها تحتوى على عدة مجموعات من التغيرات، والإشارات الأولية تشير إلى أن (الفيروس المتغير) قد يكون أكثر قدرة على الانتشار بسهولة بين الناس، ولهذا نصحنا بإجراء مزيد من الدراسات الفيروسية لفهم التغيرات المحدّدة التى وصفتها بريطانيا»، مؤكدة أنها على اتصال وثيق مع المسؤولين هناك، وسيواصلون اطلاعها على المعلومات ونتائج التحليلات والأبحاث، والمنظمة بدورها ستعرّف الدول الأعضاء وعموم الناس عندما تتوفر لديها المعلومات وتتشكّل صورة أوضح لخصائص هذه السلالة، وتأثيرها بالبراهين العلمية، وعلى الجميع الالتزام التام بالتدابير الاحترازية وإجراءات الصحة العامة للوقاية من كورونا.