هل ستتم انتخابات الرئاسة؟ هذا هو السؤال الذى لايزال يتردد فى أوساط النخبة السياسية المصرية وبين كثير من المصريين، بينما لم يبق على موعد الجولة الأولى منها سوى ثلاثة أسابيع تقريباً. إن دل هذا على شىء فهو يدل على حجم الاضطراب والفوضى اللذين يحيطان بكل الأوضاع السياسية فى البلاد بعد عام ونصف العام من نجاح ثورتها العظيمة فى الإطاحة برأس النظام السابق.
ولكى يكتمل مشهد الاضطراب والفوضى، نجد أن مجلس الشعب، وعلى الأصح أكثريته البرلمانية التى يمثلها حزب الحرية والعدالة، يصر بلا تراجع على إقالة الحكومة التى لم يبق لها سوى نحو شهر ونصف الشهر، حتى يتسلم الرئيس المنتخب وظائفه ومنها إقالتها وتعيين حكومة جديدة، بينما تصر الحكومة على رفض الاستقالة، استجابة لرأى أغلبية مجلس الشعب. ولم يكن المشهد بحاجة لكى تكتمل ملامحه الفوضوية سوى لهذه الاعتصامات والمظاهرات التى تحيط بوزارة الدفاع ويقودها أنصار المرشح السابق للرئاسة حازم أبوإسماعيل وبعض القوى الثورية الصغيرة، التى تطالب بالرحيل الفورى للمجلس العسكرى وتسليم السلطة لجهات لم يحددوها أو يتفقوا عليها وتعديل المادة 28 من الإعلان الدستورى التى تنظم انتخابات الرئاسة، بينما لم يبق على هذه الانتخابات وهذا الرحيل سوى أقل من ثلاثة أسابيع.
وهكذا تدخل مصر فى أزمة حقيقية كبيرة وخطيرة بين المجالس الثلاثة: الشعب والعسكرى والوزراء، ومن ورائهم قوى سياسية وأحزاب وائتلافات ومرشحون للرئاسة، لكل منهم ليس فقط رؤيته لمستقبل البلاد والثورة، بل أيضاً مصالحه وارتباطاته الداخلية والخارجية. وبينما تبذل معظم الأطراف التى تقف خلف الأزمة والمجالس الثلاثة التى تتصدرها جهودها الحثيثة، لتعظيم مكاسبها وتحقيق أهدافها وهزيمة الأطراف الأخرى، يبدو الشعب المصرى هو الخاسر ليس الأكبر من هذا الصراع، بل هو الخاسر الوحيد.
فالصراع يدور حتى اللحظة بين نخب مختلفة الأصول والمشارب، كل منها يحاول أن يستقطب هذا الشعب الطيب إلى جانبه، مستخدماً فى ذلك كل السبل المشروعة وغير المشروعة، والتى يمثل الإعلام وسيلتها الرئيسية وربما الوحيدة، بينما يعود الشعب المصرى، كما كان قبل ثورته العظيمة، متفرجاً حائراً متسائلاً عن الحقيقة التى تناور النخب لإخفائها عنه أو تجميلها له.
باسم هذا الشعب الغائب الخاسر تدير النخب صراعاتها التى مهما كبرت شعاراتها وتضخمت عناوينها، فهى فى حقيقتها صغيرة محدودة وأصغر بكثير من معاناة هذا الشعب وآماله وطموحاته. باسم هذا الشعب تدبر النخب لبعضها البعض المكائد وتجهز الكمائن وتدير المؤامرات، والتى لا تصب جميعها سوى فى نهاية واحدة: فشل الثورة وعودة الأحوال فى مصر إلى أسوأ مما كانت عليه فى سنوات المخلوع الطويلة السوداء.
هل يمكن فى لحظة صفاء مع الضمير وصدق مع النفس وإخلاص لهذا الشعب وهذه الثورة وهذا البلد المسكين أن تعود النخب إلى صوابها وتدرك أن المخاطر ليست وهمية أو متخيلة، بل هى على وشك الوقوع، فتتخلى عن مصالحها الصغيرة وصراعاتها الأصغر لصالح الحفاظ على أعظم إنجاز حققه المصريون منذ قرنين، وهو ثورتهم العظيمة؟
سؤال لا يملك أحد الإجابة عنه سوى هذه النخب، وهى إجابة لا يصلح أن تتخذ صورة المقال أو البيان أو اللقاء الإعلامى، بل فقط أن تكون مواقف عملية معلنة وعاجلة بإيقاف المهزلة المأساوية التى تجرى حالياً وفى مقدمتها الصراع بين المجالس الثلاثة.