ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية تترنح تحت وطأة الهجوم السيبرانى الكبير الذى تعرضت له من جهات مجهولة. لقد تم اكتشاف هذا الهجوم منذ أيام قليلة، بالرغم من وقوعه اعتبارًا من مارس الماضى ومازال مستمرًا حتى الآن. وتعتبر هذه الضربة الإلكترونية، وفقًا لمتخصصين، واحدة من أكبر الضربات فى تاريخ الهجمات السيبرانية، حيث إن أضرارها الواسعة واختراقاتها قد أصابت معظم الوزارات والهيئات والمؤسسات الأمريكية، بما فيها العسكرية والمالية وتلك المختصة بالتجارة والصناعة والصحة والتعليم. ورغم أن البرنامج الذى استعمله القراصنة قد أصاب أجهزة الكمبيوتر فى دول أخرى مثل كندا والمكسيك وبلجيكا وإسبانيا إلا أن أمريكا كان لها النصيب الأكبر من الهجوم الذى وُصف بأنه ليس تجسسًا عاديًا.. وقد نُقل عن مسؤول أمريكى طبقًا لموقع «أكسوس» قوله: «إن الهجمات تبدو أكثر سوءًا مع مرور الأيام، والأسرار تُسرق بطرق لم تكتشف بعد».
توجهت أصابع الاتهام نحو روسيا على الفور، وقام مسؤولون أمريكيون، على رأسهم مايك بومبيو وزير الخارجية، بالإشارة مباشرة إلى روسيا: «يمكننا أن نقول بوضوح تام إن الروس هم من شاركوا فى هذا النشاط.. إن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يظل خطرًا حقيقيًا». ورغم هذا التوجه نحو اتهام روسيا، إلا أن البيت الأبيض قد جمّد بيانًا كان على وشك الخروج يدين روسيا، ويحمّلها مسؤولية القرصنة التى طالت الوزارات الحساسة فى واشنطن، ويبدو أن ترامب كان وراء حجب هذا البيان، وليس معروفًا ما إذا كانت تصريحات بومبيو العنيفة ضد الروس قد صدرت قبل توجيهات ترامب أم لا، خاصة أن موقف ترامب كان صادمًا حين قلل من هذا الخرق ونفى عن روسيا أن تكون متورطة فيه، واندفع فى محاولة إلقاء المسؤولية على الصين، وذلك فى موقف يُعد امتدادًا لمسلسل العبث الذى يقوده الرئيس المهزوم، من حيث إنكار الحقائق والبعد عن الموضوعية واتخاذ مشاعره الشخصية فيصلًا، حتى فى الأمور المتعلقة بأمن بلاده.
لقد اتهم رئيس لجنة الاستخبارات فى مجلس النواب الأمريكى «آدم شيف»، الرئيس ترامب، بالخيانة للأمن القومى الأمريكى حين دافع عن صديقه بوتين، رغم علمه بأن الروس وراء الهجوم، وقال شيف: إن دفاعًا من هذا النوع لا يصدر إلا عن الكرملين!. وقد دفع هذا الموقف المريب لسيد البيت الأبيض إلى ترديد البعض أن دونالد ترامب هو جورباتشوف أمريكا!.. ومن المعروف أن ميخائيل جورباتشوف هو الرئيس الذى عمل على تفكيك الاتحاد السوفيتى وانفراط عقده ودفع بلاده إلى المجهول، حتى إن الاتهام بعمالته للغرب مازال معلقًا فوق رأسه. وعلى العكس، فإن الرئيس المنتخب جو بايدن صرح بأن التعامل مع هذا الخرق الخطير سيكون من أولى مهامه، كما توعد برد حاسم على من قاموا به. وإذا صحت الأخبار التى تضع المسؤولية على الروس فى هذه العملية، فإن هذا قد يفسر دعم موسكو لترامب وحرصها على بقائه بالسلطة، إذ إنه يقوم على أحسن وجه بدور المحامى الذى يسعى لإخفاء أصابع روسيا فى الداخل الأمريكى.