شاركت الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية في المؤتمر السنوى الافتراضى للشبكة الأورومتوسّطيّة للدّراسات الاقتصادية EMNES 2020 والذى عقُد على مدار يومين، حيث جاء موضوع مناقشة المؤتمر تحت عنوان «ما هي ركائز مرونة النماذج الاجتماعية والاقتصادية بعد جائحة COVID-19 في البحر الأبيض المتوسط؟».
وقالت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية في كلمة ألقتها خلال فعاليات المؤتمر، إنها تفتخر بمشاركتها في تأسيس الشبكة الأورومتوسّطيّة للدّراسات الاقتصادية قبل خمس سنوات وأن تشهد تطورها من ذلك الحين، مشيرة إلى أن أبحاث الشبكة تُعد بمثابة أداة توجيهية لجميع صانعي السياسات، سواء قبل أو بعد جائحة كورونا.
ولفتت السعيد إلى أن جائحة كورونا كشفت عن نقاط ضعف ليس فقط في البلدان النامية، ولكن في العالم المتقدم أيضًا، إذ دفع الوباء الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم إلى الفقر والبطالة، وتباطأ التقدم المحرز في التنمية العالمية، ووقد سلط ذلك الضوء على أهمية المرونة في تحمل مثل هذه الصدمات.
وأكدت أن مصر واحدة من الدول التي أظهرت قدرًا كبيرًا من المرونة أثناء الوباء، ووقد دعم هذه المرونة برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي تم تنفيذه منذ عام 2016، والذي أدى إلى تحسين جميع المؤشرات الاقتصادية وجعل الاقتصاد يقف على أرضية صلبة، هذا بالإضافة إلى الهيكل المتنوع للاقتصاد المصري الذي جعلنا نخفف هذه الصدمة.
تجدر الإشارة أيضًا إلى أن مصر قد أحرزت تقدمًا كبيرًا في تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030 في السنوات الأخيرة.
علاوة على ذلك، تبنت الحكومة المصرية استراتيجية استباقية في وقت مبكر للغاية، حيث اتخذت جميع الإجراءات اللازمة للتخفيف من الأثر السلبي للأزمة على الشرائح الأكثر ضعفًا من السكان.
وأضافت السعيد أن مصر واجهت التحدي الصعب المتمثل في الحفاظ على التوازن بين ضمان صحة المواطن والحفاظ على النشاط الاقتصادي، إذ كانت هناك عدة أهداف رئيسية وهي احتواء انتشار الفيروس دون فرض إغلاق كامل، ودعم النشاط الاقتصادي من خلال تدابير خاصة بالقطاع، ودعم العمال وضمان استقرار الدخل، ومراقبة التطورات المتعلقة بالأزمة عن كثب وتحديث التوقعات وفقًا لذلك.
وأشارت السعيد إلى أنه ومن فبراير حتى الآن، سنت الحكومة حوالي 448 سياسة تستهدف جميع الفئات الاجتماعية والقطاعات، وشدد الوباء بشكل خاص على أهمية الضمان الاجتماعي، باعتباره أحد المحددات الرئيسية للمرونة الاقتصادية في مثل هذه الأزمات، على هذا النحو، استهدفت الحكومة العديد من سياساتها تجاه الضعفاء والموظفين بشكل غير رسمي، للمساعدة في التخفيف من حدة الأزمة قدر الإمكان.
كما أوضحت السعيد أنه تم دعم التنمية الاجتماعية من خلال مبادرة «حياة كريمة» لمساعدة القرى المحرومة في ظل الفقر المتزايد، حيث تتضمن هذه المساعدات توفير المرافق والمساعدات الطبية المناسبة للمحتاجين، كما نجحت مصر في تعزيز الطلب المحلي من خلال مختلف الإجراءات المالية والنقدية.
ولزيادة استدامة النشاط الاقتصادي، أولت الحكومة اهتمامًا خاصًا للقطاعات التي تأثرت سلبًا من الإغلاق مثل السياحة والطيران والشركات الصغيرة والمتوسطة.
كما نوهت السعيد أن الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر يمثل فرصة خلال مرحلة الانتعاش ومع ذلك، من الضروري أن تعمل جميع البلدان بشكل جماعي لمواجهة تحدي الاستدامة البيئية، واختيار مستقبل أكثر اخضرارًا، ذلك لأنه لا تعتبر حماية الكوكب أمرًا حيويًا فحسب، بل يمكنها أيضًا توفير ملايين الوظائف.
وقالت السعيد «فى مصر أعطت الحكومة المصرية الأولوية للتمويل المستدام، إذ تسعى الحكومة المصرية جاهدة لمواءمة الاستثمار العام مع مبادئ الاقتصاد الأخضر، وتشمل هذه الجهود مصادقة مجلس الوزراء مؤخرا على دليل بيئي لمشاريع الاستثمار العام. تهدف القوانين البيئية إلى تعظيم الفوائد من موارد المياه غير التقليدية، وتعزيز إدارة النفايات خاصة في الزراعة، وزيادة الاعتماد على النقل المستدام والذكي وكذلك الطاقة المتجددة».
في نفس السياق، أطلقت الحكومة المصرية مؤخرًا أول السندات الخضراء (الأولى في الشرق الأوسط) والتي سيتم استخدامها لتمويل مشاريع النقل النظيف وإدارة المياه والنفايات ومشاريع الطاقة المتجددة.
كما قدمت السعيد شرحا وافيا للمرحلة الثانية من الإصلاحات الهيكلية في مصر، إذ شملت تلك الإصلاحات عدة ركائز أساسية منها تنويع هيكل الإنتاج للاقتصاد المصري، وتعزيز دور القطاع الخاص، تعزيز مرونة وفعالية سوق العمل من خلال التعليم والتدريب الفني المتقدم.
كما سيساعد برنامج الإصلاح الهيكلي في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وشاملة من خلال تشجيع النمو الشامل، وخلق فرص عمل جديدة من خلال النمو بقيادة القطاع الخاص، وتنويع وتطوير أنماط الإنتاج، وتحسين مناخ الأعمال، وتوطين الصناعات، وتعزيز القدرة التنافسية لصادرات مصر.
ونوهت السعيد أنه من تجربة مصر خلال جائحة كورونا، فأنه من الواضح أن وجود اقتصاد قائم على أسس متينة هو المفتاح للبقاء مرنًا ضد الصدمات غير المتوقعة، مشيرة إلى أن أزمة كورونا تعُد فرصة لإعادة تقييم أولوياتنا وتعديلها، كما إنها فرصة لبناء عالم أكثر عدلاً وخضرة، من خلال معالجة عدم المساواة والقضايا البيئية، وإعطاء الأولوية للاستدامة.
وأضافت السعيد أنه لم يعد بناء تعافي شامل وقادر على الصمود خيارًا، ولكنه تحدٍ ملح يجب علينا جميعًا مواجهته كمجتمع عالمي، قد يبدو هذا التحدي صعبًا، لكن كما أظهر الوباء لنا، يمكن اتخاذ إجراءات غير عادية على مستوى السياسة إذا كانت هناك إرادة للتغيير.
وسلطت السعيد الضوء على أن التعاون الدولي مهم للغاية في مثل هذه الأوقات، لأنه يلعب دورا هاما في دعم الانتعاش (خاصة في البلدان النامية) من خلال التعاون الإنمائي الثنائي، وبنوك التنمية متعددة الأطراف، والمؤسسات المالية الدولية.
كما أكدت السعيد أن العالم يحتاج حاليا إلى التركيز على ثلاثة ركائز رئيسية بعد جائحة كورونا وهي الاهتمام بالعنصر البشرى والرقمنة والتحول إلى الاقتصاد الأخضر، مشيرة إلى أن أدى الوباء إلى انخفاض حاد في المكاسب التنموية، لا سيما في المجتمعات ذات الدخل المنخفض والمجتمعات الضعيفة.
و قالت السعيد أن الوباء أظهر أنه من الضرورى أن تسعى البلدان لتحقيق الانتعاش الذي يضع رفاهية المواطن في قلب جميع السياسات ،فيجب أن أن تكون الأولوية لزيادة العمالة وتدابير الحماية الاجتماعية وتعزيز المرونة، بالإضافة إلى ذلك، يعد الاستثمار في القطاعات المتعلقة بالتنمية البشرية أمرًا حيويًا لمستقبل مستدام.
وفي هذا الصدد، زادت الحكومة المصرية بشكل كبير من الاستثمارات المخصصة في رأس المال البشري خلال هذه السنة المالية، مع إيلاء اهتمام خاص للتعليم والصحة والحماية الاجتماعية، ففى مجال التعليم، قامت الدولة المصرية بزيادة الاستثمارات بنسبة 80٪ من خلال إنشاء الجامعات التكنولوجية التطبيقية، وتحسين ظروف المدرسة وتعزيز الارتباط باحتياجات سوق العمل، بالإضافة إلى زيادة الاستثمارات في قطاع الصحة لمعالجة المشكلات الرئيسية، مثل أسرة العناية المركزة وأسرة رعاية الأطفال وتشجيع أتمتة السجلات الصحية.
والأهم من ذلك، أن مشاركة المجتمعات المحلية في تشكيل مستقبلها أمر أساسي لعملية التعافي، وفي هذا الصدد، أطلقنا مؤخرًا العام الثاني من مبادرة «خطة المواطن»، والتي تهدف إلى تشجيع المشاركة المجتمعية وإشراك المواطنين في التخطيط والمتابعة، وذلك لضمان وصول الاستثمارات إلى جميع المواطنين في جميع أنحاء البلاد بما في ذلك الشباب والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة والأسر ذات الدخل المنخفض، وتوفير فرص عمل مستدامة من شأنها انتشال الكثيرين من الفقر، هذا يسلط الضوء أيضًا على التزام مصر بإضفاء الطابع المحلي على أهداف التنمية.
لضمان تنمية أكثر توازناً إقليمياً، قالت الوزيرة أن الدولة المصرية تركز في خطة هذا العام على توطين أنشطة التصنيع للمنتجات الرئيسية مثل المستحضرات الصيدلانية، من خلال المزيد من التوسعات في إنشاء المناطق الصناعية، ودعم تطوير سلاسل التوريد من أجل التحوط من الاضطرابات، كما يوفر هذا فرصًا كبيرة لتلبية الاحتياجات المحلية وزيادة الصادرات.
بالإضافة إلى ذلك ،أكدت السعيد أن أحد الدروس السياسية الرئيسية المستفادة خلال الوباء هو أهمية الاقتصاد الرقمي، مشيرة إلى أن استخدام الرقمنة والتكنولوجيا يؤدى إلى تعزيز التأهب للاستجابة الفعالة في الوقت المناسب لتفشي المرض، وهو عنصر أساسي في التعامل مع أزمة فيروس كورونا بشكل فعال.
ولفتت السعيد إلى إن التكنولوجيا كانت هي المنقذ العام من منظور الصحة من حيث تقليل الاتصال البشري إلى الحد الأدنى من خلال الدفع عبر الإنترنت، والتجارة الإلكترونية، والتعليم عبر الإنترنت، لتقليل تعطيل عمليات الحياة قدر الإمكان، لذلك، تسرع الحكومة المصرية جهودها الحالية نحو الرقمنة ليس فقط لفوائدها التي لا نهاية لها، ولكن لتحسين استعدادها للموجة الثانية، بالإضافة إلى تقديم خدمات عامة أكثر كفاءة.
ونوهت أن الحكومة المصرية قامت بزيادة الاستثمار في البنية التحتية الرقمية بنسبة 300٪ في ميزانية هذا العام، من أجل إنشاء النظام البيئي التكنولوجي والمعلوماتي للانتقال إلى العاصمة الإدارية وأتمتة الخدمات الحكومية، كما تقوم مصر حاليًا بالتنسيق مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لتصميم وتنفيذ برنامج قطري جديد كآلية تعاون جديدة لتمكين الاقتصادات الشريكة من الاستفادة من خبرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وشبكات السياسات.