x

صلاح عيسي تليفزيون رمضان: مسلسلات الشيخ زبير صلاح عيسي السبت 28-08-2010 08:05


■ لا أشك - يا عزيزى القارئ - فى أنك لم تستمع إلى النصيحة، التى وجهتها إليك فى بداية هذا الشهر الفضيل، بأن تفتح التليفزيون لكى تستمع إلى أذان المغرب، ثم تقوم على الفور بإلقائه من شرفة مسكنك، حتى تنجو من العذاب الذى سوف يلحق بك، إذا جلست أمامه لكى تتابع ما تعود أن يعرضه فى رمضان من كل عام، من تفاهات متسلسلة وغير متسلسلة، لأسباب قد يكون من بينها خشيتك من أن يتلقفه أحد، فتتحمل وزر ما سوف تلقاه من عذاب، يوم تقف بين يدى رب كريم.

■ وكنت أول من خالف نصيحتى، للسبب المذكور أعلاه، ولأننى أوهمت نفسى - كما يحدث فى رمضان من كل عام - أن من واجبى المهنى أن ألتحم بالجماهير، وأن أتذوق ما يقدم لها من فنون - أو لحوم - تليفزيونية، بصرف النظر عما فيها من شغت وعظم وطفيليات هندية، خاصة أن كيلو اللحم الحقيقى أصبح بالشىء الفلانى، وحتى أستطيع أن أجد موضوعاً أكتب فيه، أو أتكلم عنه مع الناس، فى بلد لم يعد أحد فيه يهمه شىء، سوى المسلسلات وبرامج النميمة والمقالب التليفزيونية، وهو ما دفع المتحدث الرسمى باسم القرية الذكية لإصدار بيان فى الأسبوع الماضى، قال فيه «الآن حصحص الحق..

 وثبت أن كل ما يقال عن فشل الحكومة هو ادعاء تليفزيونى، كذاب فى أصل وشه، بدليل أن التليفزيون ما كاد يكف عن بث هذه الأكاذيب، حتى هدأ البال واستقرت الأحوال واختفت الشائعات التى يتبادلها الناس عبر الهاتف الجوال، وثبت أن الشعب والحكومة متسلسلان مع بعضهما فى مسلسل واحد، وأن العلاقة بينهما كنافة بالزلابية، وخشاف بالبسطرمة، فليخسأ المشككون وليتنيل المبلبلون، وليموتوا بغيظهم لأن الحكومة قاعدة على قلبهم لطولون»!

أما وقد وقعنا فى الفخ يا جميل، فلابد أنك قد لاحظت خلال الأيام العشرة الماضية، أن أحداث معظم مسلسلات التليفزيون قد توقف نموها منذ الحلقة السابعة، وأن الحلقات من الثامنة حتى الثامنة عشرة، التى تذاع اليوم، تعيد تكرار الأحداث نفسها، وأن صناع كل المسلسلات من المؤلف إلى الممثلين إلى المخرج إلى مصمم الديكور، قد أصيبوا بحالة مفاجئة من اللجلجة، فهم يكررون تجسيد الأحداث نفسها، وإلقاء جمل الحوار ذاتها، ويصورونها فى الديكور عينه، وإذا كان ولابد أضافوا رقصة أو أغنية أو استدعوا شخصية ثانوية، ظهرت فى الحلقة الأولى، لكى تقول «الشويتين بتوعها» - وهو مصطلح تليفزيون أكاديمى نحته رائد الدراما فى العالم «الشيخ زبير»، الذى سرقه منا الخواجات وأطلقوا عليه اسم «شكسبير» - وإذا زنقت معهم قوى، اقتبسوا مشهدا سبق أن قدموه فى مسلسل سابق لنفس فريق العمل، أو لفريق آخر سواه، وما بين الخيرين - والمسلسلين - حساب، أو اقترضوا شخصية من فيلم سينمائى قديم، والحساب يوم الحساب لا لتنتهى الحلقة والمسلسل لا يزال محلك سر، والمشاهدون يكادون يفطسون من الملل!

■ ذلك تصرف مشروع طبقا لتوليد الدراما التليفزيونية العربية التى وضع أسسها «الشيخ زبير»، وهو تحقيق هدفين نبيلين الأول: هو تأكيد الرسالة الاجتماعية والفكرية العميقة التى يريد المسلسل إيصالها إلى المشاهد «أبو مخ تخين»، وهى رسالة لا تصل عادة، لأنها غير موجودة من الأصل، والثانى هو تعويض المشاهد عما قد يكون فاته من الأحداث ليستدرك حين ذهب إلى بيت الراحة لكى يرتاح من الملل.. ولكى يبدى رأيه فى المسلسل بحرية كاملة.

■ ويؤسفنى أن ألفت نظرك يا عزيزى القارئ - باعتبارى من الرواد الأوائل لمشاهدة مسلسلات «الشيخ زبير» - إلى أن أحداث كل المسلسلات التى توقفت عن النمو خلال الأيام العشرة الماضية، سوف تظل متوقفة خلال الأيام العشرة القادمة وأنك تستطيع خلال هذه الأيام أن تعتصم فى بيت الراحة، أو تذهب إلى مقام أم العواجز السيدة زينب، رضى الله عنها، لتكنسه على هؤلاء المسلسلين الجلادين، الذى تعاونوا مع الحر والغلاء والزحمة على تعذيبنا خلال شهر الصيام، ثم تعود ابتداء من 28 رمضان لتواصل متابعة أحداث المسلسل، التى لن تتحرك إلا فى هذا الموعد.. لتعرض السر الرهيب الذى أخفاه المؤلف اللبيب، والذى لن يذيعه إلا ليلة العيد.. فتكتشف أنه لا سر ولا رهيب ولا يحزنون، لأن الذى سوف يحزن هو سعادتك!

وطبقا للسر الذى أبلغنى به المصدر غير المسؤول وغير المطلع الذى حدثتك عنه فى الأسبوع الماضى، فإن قواعد «دراما الشيخ زبير»، لا صلة لها بالعنف بل بالاختصار، وهى تنطلق من نظرية «رزق الهبل على المجانين»، التى وضعها الشيخ «آدم سميث» وهى تقضى بأن يتقاضى كل المشاركين فى المسلسل أجورهم بحسب عدد الحلقات، التى يظهرون فيها، طبقا لأجر كل منهم فى السوق، وأن تتقاضى شركات الإنتاج من التليفزيونات ثمنا لعرض الحلقة الواحدة ما يتراوح بين خمسة وسبعة آلاف دولار..

 وإذا كان «عادل إمام» - بطل فيلم «شعبان تحت الصفر»، قد ذهل حين قيل له إنه سيتقاضى خمسة جنيهات أجرا عن الساعة، وظل يردد مذهولاً «الساعة بخمسة جنيه والحسابة بتحسب» فقد كان طبيعياً أن يتواطأ صناع المسلسلات، لمطها وتطويلها وشعارهم «الساعة بخمستلاف دولار.. والحسابة بتحسب» حتى نفطس من الملل.

■ بهذه المناسبة وفى ختام مناقشة حول الموضوع، سألت صديقى: هوّا انت بتروح بيت الراحة ساعة إذاعة مسلسل إيه؟.. فقال لى: أنا بايت فيه من أول رمضان!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية