سر نجاح وتألق وحيد حامد أن الأفكار السياسية عنده لا تطغى على الدراما، هو كاتب درامى بالدرجة الأولى ثم مفكر مهموم بأوجاع وطنه بالدرجة الثانية، يسكنه الفن أولاً ثم تسكنه السياسة وتفاصيلها ثانياً، هذه هى شفرة نجاح كل مسلسلاته التى يتصدى فيها لقضايا سياسية عامة، بداية من مسلسل «العائلة»، وصولاً إلى مسلسله البديع «الجماعة»، هذا المسلسل الذى أثار الجدل فى كل بيت مصرى وحرك المياه الراكدة وخلع القناع عن تنظيم سرطانى افترست أفكاره الوعى المصرى وغيّبت العقل الجمعى، وتوالدت منه سرطانات ثانوية من جهاد وقاعدة وتكفير وهجرة سكنت النخاع والقلب والعقل والكبد، أنهكت الفكر وشلت الوجدان وقتلت البهجة، قام وحيد حامد بتعرية الإخوان بالفن لا بالهتاف.
من السهل أن تصنع منشوراً سياسياً، ولكن من الصعب جداً أن تخلق فناً، لذلك أنا مطمئن لمستوى المسلسل الذى سيصنعه الإخوان كنسخة مضادة لمسلسل وحيد حامد، فالإخوان لم ولن يكون من بينهم فنان يستطيع صياغة عمل فنى بوزن مسلسل الجماعة أو حتى عمل فنى بوزن الريشة، ومتأكد أنه سيكون مثل المسرحيات المدرسية التى اكتوينا بنارها صغاراً، أو مثل مسرحية «أصحاب الأخدود» التى كنا نشاهدها كباراً، غير مدركين هل هى مسرحية أم محاضرة أم مجلة حائط وقت أن كنا طلبة فى كلية الطب أيام رئاسة الدكتور عصام العريان اللجنة الثقافية بالكلية!،
عصا الفنان السحرية مستحيلة التقليد لأن مَن قام بنجارتها الخيال، والعدو الأول للفكر الإخوانى هو الخيال، لوحة الدراما يطغى عليها اللون الرمادى، البشر فيها لا ينقسمون إلى ملائكة وشياطين ولذلك تتسع لضربات فرشاة ألوان الطيف بدرجاتها المختلفة، أما لوحة دراما وفكر الإخوان فهى مرسومة بالأبيض والأسود وتسمح باللون الأحمر فقط فى زمن الاغتيالات من النقراشى والخازندار حتى السادات وفرج فودة، أتمنى من كل قلبى أن يصنع الإخوان مسلسلاً عن مسيرة جماعتهم لأنه سيكون بالتأكيد مسلسلاً كوميدياً فى زمن عزت فيه الكوميديا وندر فيه الضحك.
مسلسل «الجماعة» ملحمة من لحم ودم، مزج ذكى بين واقع بدايات هذا القرن وماضى بدايات القرن الماضى، كل حلقة تخلق عصفاً ذهنياً وجدلاً إيجابياً فى عقل كل مشاهد، يكفى نجاحاً للمسلسل أن يسأل المشاهد نفسه: كيف تحولت مجرد فكرة فى ذهن مدرس خط إلى تنظيم عالمى أفرخ كل هذه التنظيمات الأصولية المؤمنة بفكرة العنف؟!، من أين أتى التمويل وهل هى مصادفة أن يتزامن انتشار الوهابية مع الإخوان؟، ما معنى عبارة «حسن البنا ببقائه فى مصر أكثر فائدة للسعودية»، التى قيلت بعد اختبار حسن البنا لإرساله للتدريس فى أرض الحجاز؟،
كيف تسلل الإخوان إلى أجهزة حساسة فى مصر يفترض فيها دقة الفرز وصرامة الاختيار والاختبار؟، هل الإخوان بالفعل جماعة دينية أم جماعة سياسية تستغل الدين كغطاء؟، هل ما نسميه صحوة إسلامية الآن فى مصر مجرد طقوس شكلية، أم جوهر وضمير ولو كان جوهراً وضميراً، فلماذا انحدرت الأخلاق إلى هذا الدرك الأسفل؟!، لماذا اشترت راكبة الميكروباص النقاب لخادمة لا تعرفها، ولماذا ارتبط خلع النقاب عند هذه الخادمة البسيطة بمعصية الخالق؟... إلخ.
يكفى فخراً لوحيد حامد أن خلق لدينا تلك الأسئلة وغيرها عن طريق عمل فنى وليس منشوراً سياسياً، ولكن الدراما لا يصنعها فرد، ولكن تعزفها أوركسترا، لذلك يجب أن نتعرف على عازفى تلك السيمفونية الرائعة، سيمفونية الجماعة.