قال محمد عبدالقادر خليل، المتخصص في الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إن ما تشهده تركيا بعيد كل البعد عن ثورات الربيع العربي، وما يحدث موجة من الاحتجاجات والاضطرابات سرعان ما ستزول، مقارنة بمظاهرات فبراير وأكتوبر الماضيين، رغم استخدام العنف المفرط تجاه المتظاهرين السلميين.
وأوضح «خليل» أن عصبية «أردوغان» وانفعاله في تصريحاته سرعان ما يدفعانه لخسارة مؤيديه، والتسبب في التراجع النسبى لشعبية حزبه الحاكم.. وإلى نص الحوار:
■ هل تأثرت العلاقات «المصرية ـــ التركية» بعد الثورة؟ وما أوجه التشابه بين الحزبين الحاكمين؟
- هناك مسارات مختلفة، أولها المسار السياسي وهو أهم جانب للتركيز عليه، حيث راهنت تركيا على الثورة المصرية ورأت أن تحول مصر نحو الديمقراطية ليس من شأنه تغيير المعادلة الإقليمية، وإنما تبديل وجه المنطقة بالكامل، لذلك سارعت لتأييد الثورة، وهنا نتذكر تصريحات وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو بأن التسونامي العربى يُعد بمثابة تدفق طبيعى للتاريخ، وترى تركيا أن حزب الحرية والعدالة يُمثل فرصة تاريخية بالنسبة لحزب العدالة والتنمية التركي، تعاطفاً مع صعود التيارات الإسلامية، نظراً لطبيعة التشابه في التكوين والخلفيات السياسية، ولذلك سعت لإمداده باستشارات سياسية وتوصيات انتخابية، وترى تشابها واضحا، حيث وصل كلا الحزبين للسلطة بعد تأسيس الحزب بعام واحد، ولديهما نظرة إيجابية حيال الخلافة العثمانية، وبالنسبة لعلاقة النظامين بالمؤسسة العسكرية فنرى أن حزب العدالة والتنمية التركى حدّ من الدور السياسى للجيش، لكن في مصر تظهر قوته من خلال المناصب القيادية في المؤسسات.
■ هل هناك علاقات مباشرة بين إسطنبول وجماعة الإخوان المسلمين؟
- بالطبع هناك نوع من الدعم التركي، وقد رأينا زيارات القادة الأتراك إلى مقر جماعة الإخوان المسلمين وليس مقر حزب الحرية والعدالة، وبدا ذلك واضحاً في عقد مؤتمر دولى في إسطنبول عن فكر حسن البنا في مايو 2012، وزيارة حسين عوني، السفير التركى، وأخيراً نرى زيارات وزير الإعلام المصرى لتركيا.
■ هناك من يقول إن تركيا مؤهلة لقيادة المنطقة وما رأيك؟
- ما يتردد في هذا الشأن غير صحيح، فتركيا لا تستطيع قيادة المنطقة، وإنما الدولة الوحيدة المؤهلة لذلك، ودون تحيز، هي مصر لاعتبارات القومية العربية، على الرغم من الدعم الذي تحدثنا عنه لدول الربيع العربي، حيث ترى تركيا أن نجاح التحول الديمقراطي في مصر يُعد نجاحا ثانيا لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وليس هناك تصادم أو تنافس إقليمى بعدما حاولت تركيا تعزيز العلاقات في ظل توتر العلاقات «المصرية- الإسرائيلية».
ودعم الإسلاميين في مصر وتونس وليبيا ليس دليلا على رغبتها في القيادة، وإنما تأكيد على أن العلمانية لا تتعارض مع الهوية الإسلامية، ومن هنا شنت سوريا حملة ضد تركيا لدعمها إخوان سوريا الذين يُطالبون بتنحى بشار.
■ كيف ترى المشهد التركي الآن؟
- المشهد مرتبك، فالاحتجاجات الواسعة امتدت لجميع المحافظات البالغ عددها 48 محافظة، وتجاوز عدد التظاهرت المائة واتسمت جميعها بالعنف من قبل الشرطة تجاه المواطنين السلميين الذين اعتصموا في ميدان «تقسيم» اعتراضا على قيام السلطات المحلية في بلدية إسطنبول باتخاذ قرار إنشاء مول تجارى على الطراز العثمانى محل حديقة صغيرة أنشئت في أربعينيات القرن الماضى على أنقاض ثكنة عسكرية منذ 3 قرون، وأعتقد أن هذا الصراع له دلالة رمزية لمن لديه حنين للماضى وبين من يحاول تشييد منشآت يتمسك بالمكتسبات التى حصلت عليها تركيا بعد تأسيسها على يد «كمال أتاتورك» عام 1923، ويأتى الصراع أيضا في سياق أحداث أخرى، ومنها قيام الحكومة بتقديم مشروع قانون الجمعية الوطنية التركية لتقنين بيع المشروبات الكحولية، وسبقها قرار إنشاء كوبرى ثالث على مضيق البوسفور تحت اسم السلطان «سليم الثالث» وتم اتخاذ قرار من حكومة «أردوغان» بإنشاء مسجد كبير على الطراز العثماني، حيث رأى عدد كبير من مواطني إسطنبول أنهم يرغبون في تخليد اسمهم، ما أثار قلق العلمانيين والأقليات العلوية التى لديها ميراث سيئ مع السلطة وتحديداً «سليم الأول» في القرن السادس عشر.
■ هل ما يحدث في تركيا ثورة أم انتفاضة؟ وهل ستلحق بقطار الربيع العربي؟
- الأوضاع السياسية في تركيا مختلفة عن بقية الدول التى قامت بثورات، لأنها دولة ديمقراطية منذ أول انتخابات شهدتها البلاد عام 1945، والإعلان عن نشأة الأحزاب السياسية من أقصى اليمين لأقصى اليسار بمشاركة الجميع في الانتخابات التى تتسم بالنزاهة والشفافية، وتركيا ليست أقرب لسيناريو الربيع العربى، لكنها قبل الأحداث ليست هى تركيا بعد الأحداث على المستوى السياسي، خاصةً بعد أن اتسم أداء أردوغان بعد انتخابات 2011 بدرجة من العنجهية والسلطوية، وهناك تصريح لأحد أعضاء حزبه يقول: «لم تعد لدينا ديمقراطية داخل الحزب».
■ كيف ترى الصراع بين عبدالله جول و«أردوغان»؟
- تصريحات عبدالله جول، رئيس الجمهورية، اتسمت بقدر كبير من الحكمة في مواجهة تصريحات «أردوغان» الاستفزازية بأنه لن يتراجع عن إنشاء المركز التجارى على مقر الحديقة، وكذلك في رده على «كمال كاليندار»، رئيس حزب الشعب الجمهورى، إذا استطاع حشد مائة ألف، فسأستطيع أن أحشد مليونا، وهى تصريحات تُحدث بالطبع انقسامات داخل المجتمع، خاصة أن الأداة الأمنية لن تُجهض المظاهرات، وفي حالة عدم التعامل معها بمنحى مختلف، فستشهد اضطرابات كبيرة، لكنها لن تصل لثورة، وستؤدى لانقسام الحزب الحاكم من خلال الدعوة لانتخابات مبكرة، وفي تلك الحالة سيأتى رئيس حكومة بنسبة أقل، وسيسعى الحزب الحاكم للتحالف مع أحزاب المعارضة، ما يُجهض المشروع «الأردوغانى» الذى استمر لعشر سنوات، ومن هنا أستطيع القول بأن الحكومات الائتلافية أثبتت عدم استطاعتها استكمال دورتها الدستورية بسبب التنوع الأيديولوجى، وهنا تظهر صعوبات ترتبط برغبة «أردوغان» في تحويل تركيا من نظام برلمانى إلى رئاسى، في محاولة منه لإعادة تجربة «تورغوت أوزال»، رئيس الوزراء الأسبق الذى أصبح رئيساً في الفترة من 89- 93، وهو يُعد من أفضل زعماء تركيا على الإطلاق، ووفقا للائحة الداخلية لحزب العدالة والتنمية الحاكم فإنه لا يجوز أن يظل مسؤول في منصبه 3 دورات ومجموعها 15 عاما، وفي هذه الحالة أمامه خياران: إما أن يترك الحياة السياسية أو يدخل في السباق الرئاسى عام 2015، وهو ما يسعى إليه، وهذا لن يتأتى إلا بمقتضى دستور جديد يتم الإعداد له الآن لتحويل تركيا من نظام حكم برلمانى إلى نظام رئاسى، رغم الصعوبات والتحديات التى تواجهه من المعارضة، وأعتقد أن (جول وأردوغان) سيواجهان بعضهما البعض في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعدما رأينا هناك أنصارا يدفعون «جول» لخوض الانتخابات المقبلة بعدما أثبت أنه رئيس لكل الأتراك، وليس لحزبه، على عكس الواقع في مصر.
■ وماذا عن المعارضة؟
- تُعاني المعارضة من ضعف هيكلي رغم وصول أغلبها للحكم، لكنها لم تحقق نجاحات بالنسبة للناخب التركى، وأصبحت مستهلكة، وللعلم كل الأحزاب المشاركة في إسطنبول بمجلس البلدية وافقت على إنشاء مشروع المول التجارى وستة فنادق، لكنها سرعان ما غيرت رأيها لكسب تأييد الشارع.
■ أردوغان قال عبارة «الرسالة وصلت» ما الفارق بينها وبين عبارة «بن علي» في تونس؟
- أعتقد أن هناك فارقا، فعندما قال زين العابدين بن علي، الرئيس التونسي السابق، عبارته الشهيرة «الرسالة وصلت» كانت الملايين تُطالب برحيله بعد تورطه في قضايا فساد كبيرة وقمع وثراء للمقربين من سُدة الحكم على حساب الفقراء، وفي حالة تركيا كان الغرض منها التهدئة.
■ هل هذا يعني أن الاحتجاجات ستؤثر على تركيا في محاولاتها الانضمام للاتحاد الأوروبى؟
- هناك أمور عديدة تجعل تركيا بعيدة عن الانضمام للاتحاد الأوروبى، بسبب الاحتجاجات الواسعة، واستخدامها العنف المفرط تجاه المتظاهرين، ومخالفتها المواثيق الدولية التى تنص على احترام حقوق الإنسان، ولذلك أستطيع القول: «بقدر بُعد مصر عن النموذج التركى، رغم استخدامها تلك الشعارات للوصول للحكم، نرى نفس القدر مع تركيا، فهى أبعد ما تكون عن الاتحاد الأوروبى.
■ وماذا عن موقف الإدارة الأمريكية من هذه الاضطرابات؟
- لقد تعلمت الولايات المتحدة الأمريكية الدرس أن تكون أقرب للشعوب، فيما تقف بمسافة معينة بالنسبة للحكام، خاصة بعد تحرك قطار الربيع العربى، ونعلم أن أمريكا لها أكثر من قاعدة عسكرية «انجرلك»، ولا يعنى هذا أنها من الممكن أن تتخلى عن الحزب الحاكم «العدالة والتنمية»، حيث يُعد من وجهة نظرها النموذج للأحزاب الإسلامية، باعتباره حزبا محافظا لا يرى تعارضا بين الإسلام والديمقراطية، ويحترم مبادئ الدولة العلمانية، ويرتبط بها عسكرياً واقتصادياً.