■ بعد غد.. يخوض الأهلى مواجهة صعبة وشاقة أمام شبيبة القبائل فى مدينة تيزى أوزو بالجزائر.. الصعوبة والمشقة لا تخصان كرة القدم، ومكانها ليس ملعباً لكرة القدم.. إنما هى عقول وقلوب لا تفهم الكرة ولا تريد أن تفهم ولا تمانع فى استخدام الكرة سلاحا للكراهية والغضب.. ثم ستستعين بما زرعته من كراهية وما غرسته من غضب لتحقيق مكاسب ومصالح أخرى.. سرية أو معلنة.. فإن كانت الحكومتان المصرية والجزائرية ومعظم القوى السياسية والاقتصادية فى البلدين..
وكان معظم الإعلاميين فى الصحف وعلى الشاشات.. وجموع الناس هنا وهناك.. يريدون السلام والوفاق المصرى الجزائرى ولا يمانعون فى أن يبدأ بكرة القدم طالما كانت نفس الكرة هى القنبلة التى انفجرت سابقا فى وجوه الجميع.. إلا أن هناك - سواء فى مصر أو الجزائر - من لا يريدون هذا السلام والوفاق، حتى وإن اختلفت دوافعهم وأسباب حرصهم على سكب مزيد من الزيت على النار التى بدأت تخبو.. صحيح أن هؤلاء باتوا قلة وسط الجموع لكن يبقى صوتهم للأسف صاخبا وعاليا.. وتلك هى طبائع الأشياء فى كل مكان وزمان..
فالصوت المسموع دائما هو الداعى للكراهية وليس الحب.. والدوىُّ دائما من نصيب فعل الهدم لا البناء.. ودعوة الناس للحرب دائما أسهل وأسرع من دعوتهم للسلام.. ولكننى رغم ذلك لا أظن هؤلاء سينجحون فى إشعال نار الفتنة من جديد.. وسيلعب الأهلى فى تيزى أوزو بسلام وأمان ليكسب أو يخسر ثم يعود إلى القاهرة فريقا عائدا من مباراة كروية رسمية لا جيشا عائدا من معركة حربية.. سينتصر الأهلى وشبيبة القبائل على كل دعاة الفتنة وأعداء السلام والوفاق..
أولئك الذين يخافون من عودة العلاقات المصرية - الجزائرية لطبيعتها الأولى الدائمة والحقيقية على مصالحهم الاقتصادية.. أو الذين يرفضون عودة الوفاق دون أن يكونوا هم فى الصورة ودون أن يكونوا هم صانعو هذا السلام.. فهناك بيننا وبينهم من يكرهون السلام طالما لن يكونوا هم فى مقدمة الصورة كأبطال لهذا الحدث.. وهناك إعلاميون لا يجدون رزقا ولا قدرة على أى خيال أو إبداع إن لم تكن هناك صدامات ومعارك ودماء وشتائم ومواجهات تداس فيها المبادئ والأخلاق ومصالح الشعوب بأحذية الكراهية الغليظة..
وأنا واثق من أننى لست وحدى فى مواجهة كل هؤلاء.. وإنما معى مصريون كثيرون جدا يحبون الجزائر وينطقون اسمها بمنتهى التقدير والاحترام.. ومعى أيضا جزائريون كثيرون جدا يعشقون مصر ودور مصر وتاريخ مصر وأهل مصر.. ولكن هناك عنصراً ثالثاً غائباً فى هذه المعادلة.. وأقصد الأمازيغ.. سواء كانوا القبائل أو أهل الريف أو البربر وأى اسم أو لافتة محلية تنتمى فى النهاية إلى الأمازيغ مثلما تنتمى إليهم مدينة تيزى أوزو وناديها شبيبة القبائل..
وقد صارحت خالد مرتجى - عضو مجلس إدارة النادى الأهلى، الذى سيرافق بعثة الأهلى فى الجزائر برئاسة حسن حمدى - بأمنيتى بأن تتحول هذه المباراة - بعيدا عن أهميتها الكروية للناديين المصرى والجزائرى - إلى شعاع ضوء رقيق يعيد الصورة الصحيحة للأمازيغ لتسكن عقول الكثيرين منا.. ففى زمن الانفلات الإعلامى فى فترة مضت.. وجدت كثيرين يتحدثون عن البربر بعدم علم أو فهم وعدم احترام أيضا.. وفجأة أصبح الأمازيغ كلهم «بربر».. وأصبح البربر غوغائيين وعشاقا للعنف والدم..
ووسط هذا الصخب الجاهل والأحمق.. نسينا فضائل البربر والأمازيغ جميعهم.. نسينا أحاديث السيدة عائشة عنهم.. نسينا الفاتح الإسلامى العظيم طارق بن زياد.. والفقيه العظيم ابن كثير، بكل إضافاته وإسهاماته فى شرح الإسلام ومساعدة الناس على فهم رسالته وأحكامه وحكمته وحكاياه.. والعالم القدير السابق لأوانه عباس بن فرناس.. ورجل الحق والدين والثورة والمقاومة ابن باديس أحد شموع التنوير والتحريرالجزائرى.. والمجاهد والمفكر المغربى الكبير عبدالكريم الخطابى..
وأيضا النجم الكروى الجميل والشهير زين الدين زيدان.. فكل هؤلاء أمازيغ.. وهناك كثيرون جدا غيرهم.. ولكننى طالبت خالد مرتجى بمبادرة حقيقية وواقعية بعيدا عن كتب التاريخ وحكاياته.. فليس هناك أفضل من كرة القدم بشعبيتها الطاغية.. وليس هناك أقدر من الأهلى كأهم وأشهر ناد عربى وأفريقى، لكسر حصار الصمت وتحطيم أسوار الجهل وعدم الثقة التى يعيش وراءها الأمازيغ..
وأتمنى بداية من هذه المباراة أن نلتفت للأمازيغ.. ثقافتهم وأغانيهم وأدبهم وشعرائهم ورقصاتهم، خاصة أن الأهلى سيلعب بعد غد فى تيزى أوزو.. إحدى أهم ولايات الأمازيغ فى الجزائر ومعها بجاية وبومرداس والبويرة والبليدة وسطيف.. وسيلعب الأهلى وسط الأمازيغ الذين لا نعرفهم.. وآن أوان أن نعرفهم وأن نفهمهم ونسمعهم ونحبهم ونحترمهم أيضا ونحترم كل ما قدموه من تراث إنسانى وثقافى وإسلامى لنا كلنا.
■ فى حوار طويل وعميق، بعيدا عن صخب الأضواء ووهج الكاميرات مع الدكتور سامى عبدالعزيز.. فاجأنى الرجل بمشروع له.. يحلم به وسيشرع فى تنفيذه قريبا جدا.. مشروع يخص الإعلام الرياضى بالتحديد.. ولم يكن الدكتور سامى يتحدث عن هذا المشروع كمجرد عميد جديد لكلية الإعلام العريقة بجامعة القاهرة..
فالمشروع يتخطى الصلاحيات والسلطات الوظيفية لعميد جديد أو حتى قديم لكلية الإعلام.. إنما كان الدكتور سامى يتحدث كإعلامى مصرى مشغول وموجوع بهموم الإعلام وقضاياه.. وعلى رأس تلك القضايا معاودة النظر فى واقع الإعلام الرياضى ورسالته ومقاصده وحدوده وطبيعته وأزماته أيضا.. انشغال حقيقى وصادق وقديم وسابق للجلوس على مقعد عميد الإعلام.. ولكن جاء المنصب الجديد ليقرر الدكتور سامى أن الإعلام.. ورجاله.. ووسائله.. وكليته.. جميعهم يواجهون تحديات هائلة فى زمن صعب وعند مفترق طرق..
لهذا قرر الدكتور سامى عبدالعزيز أن يخرج بكلية الإعلام ويحلق بها فى آفاق جديدة بعيدا عن أسوار الجامعة وحدودها.. وكان الرجل رائعا وهو يقرر أنه جاء الوقت لتكسر جامعاتنا كل الأطواق الأكاديمية المحبوسة داخلها فتخرج إلى النور والهواء الطلق وإلى الناس وواقعهم وحياتهم اليومية واحتياجاتهم وهمومهم وشواغلهم.. وقد قلت للدكتور سامى إننى أمام هذا الفكر..
هذا الرقى وهذا النبل.. لا أملك إلا أن أكون معه، وأظن أن كثيرين جدا لن يمانعوا فى الانضمام للعميد الجديد لكلية إعلام القاهرة لبحث أفضل السبل لتطوير جذرى وحقيقى يطرأ على الإعلام الرياضى فى مصر.. فهو إعلام لايزال يدار بقواعد قديمة وأفكار لم يعد معظمها صالحا لمسايرة عصر جديد.. إعلام كل قوانينه باتت فى حاجة ماسة وعاجلة وضاغطة لكى تتبدل.. فأزمات الإعلام الرياضى المصرى باتت أعمق وأخطر من مؤهل جامعى لدراسة الإعلام أو عضوية نقابة أو أى شكل وظيفى.. فكل ذلك يأتى فى مرحلة لاحقة بعد الاتفاق أولا على ماهية الإعلام الرياضى ومقاصده وطبيعته وحدوده ورسالته أيضا.
■ لا أحب كل هذا التجاهل والتعتيم على أى قضية لا تخص الأهلى والزمالك.. لا أحب هذه المعايير المزدوجة التى تجعل الجميع فى كل مكان يتابعون بمنتهى الترقب والشغف قضية «جدو»، لأنها تمس لاعبا مغضوبا عليه من الزمالك، وبات يلعب للأهلى ويرتدى فانلته الحمراء.. بينما لا أحد على الإطلاق يتابع أو يهتم ويسأل عن قضية غزل المحلة لأنها قضية رياضية لا تعنى الناديين الكبيرين وإعلامهما وجماهيرهما..
ولست أقصد الاهتمام بغزل المحلة ومشكلاته الداخلية والشائعات التى طالت مسؤوليه والاتهامات المزعجة التى تطاردهم طول الوقت.. إنما يعنينى حرب يخوضها الآن هذا النادى مدفوعا بحق له يراه ضائعا ولا ينوى السكوت أو الاستسلام حتى لو وقف الجميع ضده سواء بالرفض والمجاملة لآخرين أو بظن أنه لا حقوق فى هذا الوطن إلا للكبار وحدهم.. وإذا كان اتحاد الكرة قد أرسل للفيفا خطابا رسميا يقول فيه للمسؤولين هناك إن نادى غزل المحلة فشل فى جمع النقاط الكافية ليبقى فى الدورى الممتاز، فقرر الاتحاد المصرى وفقا للوائح هبوطه للدرجة الأدنى، فقام النادى باللجوء للقضاء طالبا البقاء فى الدورى الممتاز دون وجه حق..
فإن اتحاد الكرة فى هذا الخطاب الرسمى لم يقل الحقيقة.. لأن نادى غزل المحلة لم يذهب للقضاء طالبا البقاء فى الممتاز.. وإنما طالب غزل المحلة ولايزال بالتحقيق فى كل شكاواه واعتراضاته وصرخاته.. يريد غزل المحلة التحقيق فى عدم وجود أى محاضر رسمية للجنة شؤون اللاعبين تتضمن قراراتها أو توصياتها.. والتأكد من صحة كل المواقف التى اتخذتها اللجنة واعتمدها الاتحاد بشأن «ريعو» لاعب الاتحاد السكندرى وصحة مشاركته مع ناديه الموسم الماضى..
وقد رد غزل المحلة على خطاب الفيفا، الذى طالب النادى بسحب قضيته من المحاكم المدنية وإلا تعرض لعقاب حاسم ومباشر من الفيفا، بأنه لاقى أولا من الاتحاد المصرى كل تجاهل وإهمال، فلم يصغ له أى مسؤول فى الاتحاد.. ثم إن مصر لا تملك حتى الآن أى محكمة رياضية، ولم يجد غزل المحلة أى طريق آخر غير اللجوء للقضاء المصرى راضيا بحكمه.. تماما مثلما لجأ للقضاء نفسه سمير زاهر، رئيس اتحاد الكرة، حين شعر أنه تعرض لظلم وقسوة واتهامات خاطئة وظالمة..
ولكن الذى لم يقله نادى غزل المحلة فى خطابه الأخير للفيفا، إن الفيفا لم يمنع نادى فولهام من اللجوء للمحكمة العليا فى بريطانيا ليشكو رئيس رابطة الدورى الإنجليزى، لأنه خالف شروط منصبه وتدخل ليحول بين نادى فولهام والتعاقد مع اللاعب كراوتش ليلعب له الموسم الحالى.. فلماذا يبقى متاحا لناد إنجليزى اللجوء للقضاء، بينما ليس من حق أى ناد مصرى استخدام أو امتلاك هذا الحق نفسه؟!
■ فوجئت بعمرو وهبى.. مدير التسويق فى اتحاد الكرة.. الذى استقال مؤخرا من منصبه.. يطيل الحديث بعد الاستقالة عن الأسباب والدوافع التى دعته للابتعاد.. فقال وهبى إنه استقال لأن محمود طاهر.. عضو مجلس إدارة اتحاد الكرة.. قرر تحجيم دوره وتهميشه.. وأنا لا أحب ذلك ولا أقبله أيضا.. لا أحب الذى يستقيل دون إبداء أسباب مكتوبة فى استقالة رسمية ليبدأ بعد قبول الاستقالة فى إطالة الحديث عن أسباب جديدة كل يوم، مع روايات تتغير وتتبدل حسب الحالة ووفق الظروف والأهواء والحسابات..
فمصر كلها تعرف أن عمرو وهبى هو أحد رجال هانى أبوريدة فى الجبلاية.. بل هو الرجل الأهم والأقرب لقلب أبوريدة، وسط القبيلة التى تناصر أبوريدة فى الجبلاية.. وليس فى ذلك أى خطأ أو جريمة.. فمن المعروف أن الجبلاية لا يحكمه مجلس إدارة وجهاز تنفيذى قوى يدير الشؤون والشجون فى جميع المجالات.. إنما فرق وأحزاب وطوائف وقبائل متحاربة أحيانا ومتصالحة أحيانا أخرى.. ولو قررت أن ألوم أبوريدة أو أعاتبه لأنه زرع رجالا له فى الجبلاية يدينون بالولاء له شخصيا وليس لاتحاد الكرة أو مصلحة الكرة فى مصر.. فسيصبح ضروريا بنفس المنطق لوم ومعاتبة سمير زاهر أيضا، لأنه أيضا له رجاله وعيونه وقبيلته داخل اتحاد الكرة..
وأن يقرر عمرو وهبى الاستقالة المفاجئة، فهو أمر طبيعى فى ظل الحرب الدائرة الآن بين زاهر وأبوريدة.. وقد استقال وهبى على الأرجح لأن زاهر قرر فرض نظام الحضور والانصراف على كل موظفى الاتحاد، وهو نظام سيعجز وهبى عن التوافق معه لظروفه الخاصة وسفرياته الكثيرة مصاحبا لأبوريدة فى جولاته.. كما أن وهبى لن يستطيع فى هذه الظروف إتمام عقد رعاية الكرة المصرية بالشكل الذى كان يريده أبوريدة.. فقرر وهبى الانسحاب وترك الجبلاية.. وكان بإمكان وهبى أن يبتعد ويلتزم الصمت..
أما أن يبتعد ويبدأ لاحقا فى إعلان الحرب على طاهر، فهذا هو السلوك الذى يحتاج إلى كثير من الشرح والتفسير.. لأن طاهر أكبر من أن يخوض أى حرب ضد أى أحد فى الجبلاية.. بل على العكس.. طاهر أكبر وأرقى من كل ما يحدث حاليا فى الجبلاية.. رجل لا تحكمه أى حسابات أو مصالح خاصة.. وعقد رعاية الكرة المصرية فى أربع سنوات مقبلة بالشكل الذى يسعى محمود طاهر إليه، أظنه بداية إصلاح حقيقى لأحوال الجبلاية وشؤونها المالية المبعثرة، حسب المصالح والمجاملات والأهواء.. ويا ليت الأمر يكتمل وتتوالى ثورات الإصلاح والتغيير بعيدا عن الفتن والحروب الأهلية التى كادت تحرق الجبلاية بكل من وما فيها.