كشفت إسرائيل وثائق سرية تبين محاولة إسرائيلية لإجراء مفاوضات سرية مع مصر بوساطة من ألمانيا الغربية، قبل اندلاع حرب أكتوبر 1973 بثلاثة أشهر، اقترحت خلالها جولدا مائير انسحابا إسرائيليا من نصف سيناء، لكن الرئيس محمد أنور السادات رد على ذلك قائلا: «لن نتنازل عن حبة رمل واحدة».
وكشف أرشيف الجيش الإسرائيلى الوثائق السرية المتعلقة بتلك الاتصالات، بمناسبة مرور 40 عاما على الزيارة التى أجراها مستشار ألمانيا الغربية فيلى براندت إلى إسرائيل، وبمناسبة مرور 40 عاما أيضا على حرب أكتوبر.
وتتضمن الوثائق العشرات من المحاضر التى توثق لمباحثات واجتماعات حول هذا الشأن، بالإضافة إلى ترجمة لبعض وثائق ألمانيا الغربية الصادرة عام 1973.
وتلقى هذه الوثائق الضوء على ما كان يجرى خلف الكواليس، من محاولة سياسية متأخرة لمنع الصدام العسكرى بين مصر وإسرائيل، وهى المحاولة التى ثبت فشلها تماماً فى ظهيرة السادس من أكتوبر 1973.
كانت العلاقات الإسرائيلية مع ألمانيا الغربية معقدة للغاية فى تلك الفترة، خاصة بعد مقتل الرياضيين الإسرائيليين فى أوليمبياد ميونيخ، وإفراج ألمانيا عن منفذى العملية.
وكانت زيارة المستشار الألمانى إلى إسرائيل فى يونيو 73 مهمة للغاية للعلاقات الثنائية بين البلدين. ففى إسرائيل، طالبوا بالتأكيد على العلاقات الخاصة بين البلدين لأسباب تاريخية، وأراد الألمان أيضا تطبيع العلاقات مع الدولة العبرية، لكنهم طلبوا إبعادهم تماما عن القضية السياسية والصراع العربى ـ الإسرائيلى.
وجاءت زيارة مستشار ألمانيا الغربية فى وقت شهد مباحثات سياسية مكثفة حول مستقبل الشرق الأوسط خلال النصف الأول من عام 1973. وكان فى مركز تلك المباحثات أيضا الزيارة التى أجراها حافظ إسماعيل، كبير مستشارى الرئيس السادات، إلى واشنطن فى فبراير 1973، ولقاؤه كبار مسؤولى الإدارة الأمريكية، وتلت ذلك زيارة رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير لواشنطن أيضا.
وقد رفض بشدة مستشار ألمانيا الغربية فيلى براندت، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، العمل كوسيط فى الشرق الأوسط بسبب العلاقات المعقدة مع إسرائيل.
وتم الاتفاق خلال اللقاء على أنه سيستمع إلى مواقف إسرائيل، وليس أكثر من ذلك، بناء على طلب براندت من السفير الإسرائيلى خلال مقابلة للاتفاق على ترتيبات الزيارة.
وتسجل إحدى الوثائق أنه فى 7 يونيو 1973، قام براندت بزيارة إسرائيل، وأجرى أول مباحثات مباشرة مع رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير، التى أطلعته على تفاصيل المحاولات المبذولة من أجل إجراء محادثات سرية مع مصر، عن طريق الرئيس الرومانى نيكولا تشاوشيسكو ووزير الدفاع الإسرائيلى موشيه ديان.
وقالت جولدا إن أساس المشكلة يكمن فى أن «العرب لا يريدوننا هنا، ويريدون أن يأتى الفلسطينيون مكاننا». بعد ذلك بيومين، التقى الاثنان مرة ثانية، وتناولت محادثاتهما شؤون الشرق الأوسط، حيث أشارت جولدا مائير إلى العلاقات الخاصة التى تربط إسرائيل بالأردن وعاهلها الملك حسين.
وقالت إنها تسعى لرفض أى محاولات لفرض تسوية على إسرائيل، خاصة أن العرب يطالبون إسرائيل بالانسحاب إلى خطوط 4 يونيو 67. وطلبت منه نقل رسالة إلى مصر عن رغبتها فى إجراء اتصالات سرية، كما طالبته بأن يبلغ السادات بأن إسرائيل لا تريد كل سيناء، ولا نصفها، ولا حتى مساحة كبيرة منها، ولكن لن يكون ممكنا الرجوع إلى خطوط 4 يونيو 67، وأنه يمكن ترسيم الحدود لتكون فى منطقة بين خطوط 4 يونيو وخط وقف إطلاق النار، وأنه يمكن التفاوض حول موقع هذا الخط من خلال قناة مفاوضات سرية، من وراء ظهر وزير الخارجية الإسرائيلى أبا إيبان، وأن يتولى الموساد ترتيب الاتصالات على مستوى الرؤساء.
وبحسب إحدى الوثائق فى 10 يونيو، التقت رئيسة الوزراء جولدا مائير بوزير دفاعها موشيه ديان من أجل تنسيق الموضوعات التى سيطرحها ديان خلال لقائه بالمستشار الألمانى.
فى اليوم التالى، التقى ديان مع براندت، ولكن لم يتم التطرق إلى القضية المصرية خلال اللقاء.
وفى وقت متأخر من ذلك اليوم، اجتمعت الحكومة الإسرائيلية لمناقشة هذه الزيارة، وقامت جولدا مائير بإحاطة الوزراء علما بالمباحثات الجارية مع مستشار ألمانيا الغربية والرسالة التى طلبت منه توصيلها إلى مصر، والتى تقول أيضا: «إنه إذا كان السادات يريد السلام فعليه أن يتحدث معنا، وإذا أراد أن يتحدث معنا سرا، فليفعل ذلك».
وتشير الوثائق إلى أن براندت ألقى بمسؤولية نقل الرسائل بين مصر وإسرائيل على عاتق باول فرانك، الذى رافقه خلال زيارته إلى إسرائيل، ويعد الرجل الثانى فى وزارة الخارجية الألمانية، ولكن بسبب مشاكل صحية عجز عن القيام بتلك المهمة. وبدلا منه، تم اختيار السفير لوثر لاهان، مدير الإدارة السياسية بوزارة خارجية جمهورية ألمانيا الغربية، الذى سافر إلى القاهرة والتقى حافظ إسماعيل، كبير مستشارى الرئيس السادات.
وأشار لاهان فى تقريره إلى أن حافظ إسماعيل أكد «أن إجراء أى مباحثات مع إسرائيل سيكون أمرا منطقيا إذا انسحبت إسرائيل من الأراضى التى احتلتها، وإلا ستتجدد المعارك على طول قناة السويس».
وقام مسؤولو خارجية ألمانيا الغربية بنقل تلك الرسالة المتشائمة إلى إسرائيل، ثم عاد الرئيس السادات وأكد أنه لن يتنازل عن حبة رمل واحدة من الأرض التى احتلتها إسرائيل عام 1967.