قال اللواء الدكتور زكريا حسين، أستاذ العلوم الاستراتيجية بجامعة الإسكندرية، المدير الأسبق لأكاديمية ناصر العسكرية، إن «نظام الحكم السابق تهاون فى الحفاظ على الأمن القومي المصري، إلى حد الخيانة بإهماله تنمية سيناء، وتجاهله قضية حفر الأنفاق بهذا الكم الكبير، بين حدود مصر وغزة، إلى أن بلغ عددها أكثر من 1200 نفق».
وأضاف «حسين»، في حواره لـ«المصري اليوم»، أنه «منذ تولى الرئيس محمد مرسي الحكم، تجرأ كل من لم يجرؤ على الهمس، وكل من هب ودب على مصر،وأصبح يقتل الجنود، ويخطف، ويخفى عدداً آخر، دون موقف جاد وصارم من القيادة السياسية»، مشيرا إلى أن « الجيش يده مغلولة، ولا يستطيع أن يتحرك لإنهاء الأزمة فى سيناء، دون الإرادة السياسية وأوامر مباشرة من رئاسة الجمهورية»..وإلى نص الحوار:
■ في البداية ما حقيقة مشروع توطين الفلسطينيين في سيناء؟
- نعم، هناك مشروع حقيقى تبنته إسرائيل، وطرحته على مصر، بينما رحبت به السلطة الفلسطينية، وكان وضعه رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلى فى عهد مناحم بيجين، وتم إقراره من «الكنيست»، الإسرائيلي فى التسعينيات، وأعيد طرحه مرة أخرى فى 2011، ورحبت به قيادات من السلطة الفلسطينية، ليس علناً، وإنما على استحياء، وينص على إقامة الدولة الفلسطينية بعيداً عن الضفة الغربية، فيكون جزءا رئيسيا من الدولة الفلسطينية فى قطاع غزة ومساحته 365 كيلو مترا، ثم تستكمل إلى 1000 كيلو متر مربع، على حساب الأراضى المصرية، وهو ما وجد هوى لدى كثير من القيادات الفلسطينية، وبدأت تسعى لتنفيذه، مقابل أن تحصل مصر على المساحة نفسها المستقطعة منها فى صحراء النقب، ضمن ما عرف حينها بمشروع «تبادل الأراضى».
■ ما موقف النظام الحالى من المشروع؟
- هناك أمر غير واضح فى علاقة النظام الحالي بالمشروع، خاصة أن حركة حماس جزء من النظام المصرى الحالي، وامتداد لتنظيم الإخوان المسلمين فى فلسطين، كما يقدمون أنفسهم. ومنذ تولى الرئيس الحكم لم يتخذ أى إجراءات تأمينية، وكأن الوضع الأمنى المتردى فى سيناء فى مصلحة تنفيذ المشروع، وعلى العكس بعد الثورة، ومنذ تولى الرئيس مرسى تجرأ كل من لم يجرؤ على الهمس. الآن أصبح يقتل الجنود، ويخطفون، ويختفى عدد آخر، دون أى معلومات أو موقف جاد وصارم يتخذ من القيادة السياسية.
■ كيف تقرأ واقعة خطف الجنود المصريين وطريقة إدارتها؟
- حادثة الخطف تدل على استهانة شديدة جداً بكل قيادات الأمن فى مصر، على إطلاقها، وتؤكد اختراقا سافرا للأمن القومى المصري، وتجرؤ من جانب كل من هب ودب علينا، وهذا ليس جديدا، فالأمن المصري القومى مخترق منذ أكثر من 25 عاما، لأن الحكم السابق تهاون لحد الخيانة فى أمرين، هما التنمية فى سيناء وترك الأنفاق تحفر بهذا الكم الكبير بين حدود مصر وغزة إلى أن بلغ عددها أكثر من 1200 نفق، وهذا الاختراق الشديد هو الذى يجعل دخول سيناء من غزة متاحا، دون ضابط أو رابط، ثم مرتعا للنهب والتهريب بكل أنواعه، بدأً بتهريب المخدرات والسلاح، حتى الخارجين عن القانون، فقد أصبحت سيناء ملاذاً واسعاً ومفتوحاً لكل المتطرفين فى العالم.
■ ما أسباب هذا الاختراق في تقديرك؟
- الأنفاق ليست الاختراق الوحيد، وعندما نقف على حقيقة تقول إن سيناء مخترقة منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما، فهناك أربعة أسباب رئيسية للاختراق فى نظرى، أولها ترك الأنفاق بالشكل الخارج عن القانون، حيث وصلت لأعداد تشكل خطراً جسيما على الأمن الوطنى.
والثاني تم فى عهد النظام السابق واتفاقية السلام «المصرية- الإسرائيلية» وتحت بند تسهيل السياحة بين مصر وإسرائيل، حيث تم فتح منافذ مرور عبر الحدود المصرية الإسرائيلية فى سيناء، وهذه المنافذ يدخل منها السياح إلى مصر بإجراءات تسمى إجراءات مبسطة، بعيداً عن الرقابة الحاسمة للأمن وإجراءات الجنسية والجوازات، وهو ما أضاف فوضى أخرى إلى أساليب الاختراق والدخول إلى سيناء، دون رقابة أمنية.
أما النقطة الثالثة، فهى الفراغ البشرى فى سيناء ومحدودية الكتلة السكانية مقارنة بمساحتها، فمساحة سيناء تعادل سدس مساحة مصر، وعدد السكان ضئيل جداً، ولا يرقى لمستوى تأمين المنطقة نفسها، ولم تتخذ، للأسف، الحكومات السابقة أى إجراءات لتعمير سيناء ونقل أحداث نهضة معمارية فى سيناء تكثف من القوى البشرية، وتخفف من الكثافة فى الدلتا، أضف إلى ذلك ضعف الخدمات المقدمة لمواطنى سيناء وتدنيها، ما جعلهم لا يؤمنون بمسألة المواطنة، وهى السبب الرابع الذى يجعل سيناء عصية على التعامل السياسى والاجتماعى، فعواقل القبائل وكبار رجالاتها هم أصحاب الرأى الفصل.
■ ما الاحتمالات الممكنة لحقيقة العلاقة الملتبسة بين الحكم فى مصر وحركة حماس؟
- أفضل ما قيل فى محاولة فهم العلاقة عبارة «فاروق جويدة» عندما كتب «عندما نتأمل الموقف فى مصر الآن نجد أن الحكم إسلامى والذين قاموا بالخطف إسلاميون ومن قاموا بالوساطة إسلاميون أيضاً»، « يعنى زيتنا فى دقيقنا»، وبقراءة بسيطة، فتلك العلاقة هى التى تغل يد القوات المسلحة فى سيناء، فقد دفعت القوات أكثر من مرة لهدم الأنفاق، ولم تستكمل المهمة، وهذه المرة لم يكن ممكناً غل يد الجيش عن القيام بعمل حاسم ضد هؤلاء الخارجين، برغم التردد الكبير الذى شاب الموقف والإدارة، وهو ما يضع علامة استفهام كبيرة حول طبيعة العلاقة، وإذا علمتِ أن هذه الأنفاق يديرها أسماء كبيرة من كبار رجال الأعمال فى جماعة الإخوان المسلمين، ويدرون منها ملايين الجنيهات، ولذلك يضغطون لعدم دكها والعلاقة المعلنة بين نظام حماس وجماعة الإخوان يجاهرون بها، ويروجون، لأنها فى خدمة القضية الفلسطينية.
■ كيف تقيّم مخاوف البعض من سعى جماعة الحكم لـ«أخونة الجيش»؟
- لا أستطيع الجزم بمدى صحة تلك المخاوف من عدمها، مادامت ليست لدىّ معلومات، وإن كانت المؤشرات وحدها لا تكفى لكني أستطيع الجزم بأن الجيش المصرى لا يقبل القسمة على اثنين، وهو صاحب العقيدة الصلبة التى لا تتزعزع.
■ كيف تقيّم حركة تمرد.. وهل ترى الأساس القانوني الذى تستند إليه مقبولاً؟
- الثورة فى مصر لم تنتهِ بعد، وعودة الساعة إلى الوراء ضرب من الخيال، وعندما تصل توقيعات تمرد إلى 7 ملايين في بضعة أسابيع، فهو أمر لا يستهان به، والانتشار الواسع لها والناس البسطاء الذين أصبحوا يسألون كيف نحصل على الاستمارة تؤكد أن الموضوع خطير، وأن الناس ليسوا «مخابيل»، لكنهم من يملكون ناصية القرار هم من جاءوا بالإخوان، وهم من سيزيحونهم، وهذه هى رسالة الشعب، وأنا أقول إن جماعة الحكم مرعوبة من «تمرد».
■ هل ستكون سيناء القشة التى تقصم ظهر الإخوان ؟
- سقوط الإخوان بات قاب قوسين أو أدنى، فالإخوان على وشك السقوط، ونهايتهم اقتربت، وهم يستعجلون إشعال الحرائق فى جبهة القضاء ومع المحكمة الدستورية وفى جبهة الصحافة، ويصدحون بذلك حتى لو كان هدفاً ضرورياً، لكنه يجب أن يتم دون الدخول فى صراعات ومواجهات، فمن يثبت عليه فى القضية تورطه فى فساد ما، فليحرك النائب العام القضية، وليعجل فى إجراءاتها، لكن لا يتم التعامل مع القضاء كأنه «قصعة واحدة»، وبمنطق التطهير أو الإقصاء، ثم لا ينتظر مقاومة.
فلنا أن نتخيل أن الإخوان منحوا معارضيهم من الفرص، ما لم يحلموا به بسبب صلفهم، وليست أحداث سيناء فحسب هى التى تنذر بذلك، لكن أستطيع أن أقول إن الوضع فى سيناء يحتاج أن يتحرر نظام الحكم من الدوران فى إطار علاقة الحبايب مع الجماعات الإسلامية الجهادية التى تقيد قراراته، وتقصر دوره.
■ هل هناك جناح مسلح أو عسكري للإخوان أو «ميليشيات»؟
- نعم، ذلك الجناح المسلح موجود، وهناك عناصر مسلحة فى الإخوان باعتراف قيادات فى الجماعة، ومنها الفرقة 95 التى يقال بأنها مدربة تدريباً عاليا على فنون القنص والقتال، وهناك دول خارجية تمولهم، وتنفق على تدريباتهم العسكرية، وما كان يشاع عن وجود طرف ثالث أيام المجلس العسكرى كان هو عناصر الإخوان المسلحة، وأخشى ما أخشاه أن يضطر الإخوان لاستخدام العنف واللجوء إلى المواجهات مع الشعب، إذا استمرت حركة تمرد فى التقدم بهذا المستوى.
■ هل هناك مخرج لمصر من الأزمة الحالية؟
- المخرج أوجده الشباب المتطلع لنجاح الثورة فى حركة «تمرد»، ولكن على القيادة أيضاً دور هنا، وأقصد الرئيس مرسى، فلا تزال مؤسسات الدولة بيده والجيش يلتزم بعهوده مع الرئاسة بأنها قيادة عليا له، لا يتحرك إلا وفق رؤاها، بشرط ألا تتعارض مع إرادة الشعب، والكرة الآن بيد الرئيس مرسى، فعليه أن يستجيب لكل المطالبات الثورية فى الداخل، لأن لحظة تدافع قطع الدومينو ستكون خاطفة، وسيتداعى الجميع دون أن يكون بإمكانه تدارك الموقف.