«أشتاق إليها، ودموعى محبوسة فى محاجرها، داعيا لها أن تكون على القمة اليوم وغداً، النجاح مكتوب لها فى عنان السماء من يوم مولدها، وسوف يبقى رفيقا لها يقود خطاها على درب طويل، تحياتى لكل من فيها، الصغار والكبار».. بهذه الكلمات عبر أنور الهوارى، أول رئيس تحرير لـ «المصرى اليوم » الأسبق، عن مشاعره تجاه الجريدة وهى تدخل عامها العاشر.
الهوارى الذى يعرفه المقربون له بأنه «ليس من هواة الذين يتحدثون عن أنفسهم كثيرا»، تحدث فى حوار لـ «المصرى اليوم» عن ذكريات حلم صحيفة تحقق بكسر جمود وتابوهات الصحافة، منذ تأميم المؤسسات الصحفية الكبرى عام 1960، وكشف عن إصداره صحيفة أسبوعية جديدة باسم «المقطم» خلال الفترة المقبلة، معتبراً أنها ستكون بمثابة تجديد للفكر السياسى الاجتماعى من منظور إصلاحى تدريجى.
وإلى نص الحوار:
■ كيف ترى «المصرى اليوم» وهى تدخل عامها العاشر؟
ـ إنها صحيفة أتاحت الخبر للناس، ومكنت من صناعة الخبر، يمكنك القول بأنها مكنت القرية والفقير من صناعة الخبر ايضا، «المصرى اليوم» مدرسة جديدة كسرت احتكار الخبر الذى كان وظيفة السلطة الحاكمة ومرافق الدولة، صحيفة كانت تصنع الخبر وتقرؤه فى آن واحد.
■ وماذا عن وضع الصحافة الخبرية قبلها؟
ـ كانت تشهد مأزقا مأزوما، و«المصرى اليوم » هى التى أنطقت كل شبر بالخبر، وآمنت بأن كل ذرة تراب يسكن تحتها خبر، يمكنك القول إنها بعث لصحافة الخبر، انطلقت وانطلق من بعدها صحف كانت قائمة، ورغم أنها كانت الأحدث إلا أنها تركت أثراً عميقاً.
■ «المصرى اليوم » بدأت بحلم مع مجموعة من الزملاء أثناء جلسة سمر خلال عملك بالخليج.. ماذا عن بداية هذا الحلم؟
ـ سمها قدرا أو مصادفة، كنت أعمل مديرا لتحرير مجلة «المجلة » بالسعودية، وذات يوم كنت أسهر مع عدد من الأصدقاء هم: على السيسى وثروت محمد وماهر عباس، وحدثتهم عن رغبتى فى إنشاء صحيفة نكون نحن أصحاب صنعها ونعبر فيها عن إنفسنا، لأن آخر تجربة حقيقية كانت للآخوين على ومصطفى أمين فى الأخبار، ويمكن القدر لعب دوره حيث جاءنى اتصال هاتفى من هشام قاسم – الناشر الصحفى – ودعانى لرئاسة تحرير «المصرى اليوم» وتأسيس الصحيفة.
■ اختيار الهيكل التحريرى تم على أى أساس؟
ـأحسن من فى الجريدة اعتبره قرارى بأن يصنعها شباب لا يتجاوز عمره 22 عاما، لا يمتلك سوى مؤهل عال وذكاء فطرى وقدرة على تحمل العمل الشاق، وتكونت أول ثقافة مهنية صحفية له هى «المصرى اليوم».
■ هل كان السبب فى ذلك أنك بدأت حياتك الصحفية بالعمل فى صحيفة الوفد؟ وإلى أى درجة ساهمت تلك الفترة فى تأهيلك المهنى؟
ـ استفدت من مصطفى شردى ـ رئيس تحرير الوفد الأسبق - الجسارة، واستفدت أيضا من تسامحه التنظيمى والإدارى، رغم أنه كانت عندى قسوة إدارية جنبت «المصرى اليوم» عشوائية التأسيس.
■ لم ينجح الراحل مجدى مهنا فى الخروج للنور بإصدار الصحيفة قبل توليك رئاسة التحرير.. ما الأسباب من وجهة نظرك؟
ـ لم أكن جزءا منها ولم أطلع عليها، ولكن ما أود قوله إننى تسلمت مقر الصحيفة وفيها شخصان هما هشام قاسم ومحسن عكاشة ـ أحد أقدم العاملين الإداريين بالصحيفة ـ ولكن دعنى أقل إن مجدى مهنا كان شريكا فى رئاسة التحرير من خلال مقاله اليومى الذى ساهم فى رفع الجريدة وتوزيعها.
■ وماذا عن الصعوبات فى البداية؟
ـ صدرنا فى شهر يونيو خلال موسم الإجازات ولم تكن هناك مدارس أو جامعات، وجريدة وليدة تسعى لإصدار خبر وليس هناك خبر لدرجة أنى قلت بعد يومين من الصدور: «صحافة الخبر فى بلد لا حس فيه ولا خبر».
■ وكيف تقيم الفترة التى صدرت فيها الصحيفة؟
ـ جاءت فى فترة ركود مطلق، لم يكسر هذا الركود إلا بـ «المصرى اليوم »، والتى أعتبرها شاهدا على سجل أعنف وأصعب وأعقد فترة من التاريخ المصرى، وتحديدا خلال العشر سنوات الماضية.
■ قلل البعض من توقعاته بنجاح «المصرى اليوم» لأسباب منها أنك كنت نائبا لرئيس تحرير مجلة السياسة الدولية وقتها، وقالوا إنك منظر ومفكر أكثر من كونك صحفيا.
- رد مبتسما:«النجاح لا يخصنى أنا وحدى، كان فى عقلى مدرسة ولكنى وجدت رجالا، منهم عادل القاضى كان مدير تحرير ناجحا، وأيضا مجدى الجلاد، وأحمد محمودأ المدير الفنى، ومحمد السيد صالح، ومحمد رضوان، وثروت محمد، ومحمود مسلم، والقائمة طويلة، جميعهم كانوا يبحثون عن خبر لا وجود له، والآن الخبر على قارعة الطريق.
■ وماذا عن الكتاب وأساتذة المهنة؟
ـ قطعا هناك مجموعة من الكتاب والسياسيين ساعدوا التجربة الوليدة، منهم محمد حسنين هيكل، الذى تبنانى ورعانى وشهد لى بالنجاح، وكان يرد غيبتى، وايضا منصور حسن، ومحمد سلماوى، وابراهيم نافع.
■ علاقتك بالأستاذ هيكل بدأت قبل «المصرى اليوم» أم بعد صدور الصحيفة؟
ـ العلاقة جاءت بعد إصدار «المصرى اليوم» وأخبرنى وقتها هيكل بأنه متابع ما أكتبه من مقالات فى صحيفة «الحياة» اللندنية ومجلة «السياسة» الدولية، وكان ينظر إلى على أننى أكاديمى ولكنه اكتشف أنى صحفى محترف، باختصار يمكن القول إن هؤلاء ساعدوا المصرى اليوم التى كانت بالنسبة لهم الابن البكر لرجل عقيم عمره 50 عاما، الجميع فرح بها وساهم فيها، وأيضا هشام قاسم كان إداريا جيدا ولا يتدخل فى التحرير إلا فى بعض الموضوعات التى يراها حساسة واختلفنا عليها، وللعلم عامل الرجل «المصرى اليوم» على أنها مشروع حياته، وحزنت عندما ترك الصحيفة، وأتمنى عودته لأنه ليس من العدالة أن يكون هشام قاسم خارج هذه الجريدة.
■ أحد أسباب نجاح «المصرى اليوم » أنها أثارت حالة غير مألوفة فى الصحافة المصرية من حيث الشكل والمضمون.. كيف توصلتم لهذه التوليفة؟
ـ بالمصادفة كنت فى لندن لمدة 6 أشهر قبل إصدار الصحيفة وتابعت خلال تلك الفترة صحيفة «ديلى تيلجراف»، وبصراحة شديدة استهوتنى ورأيت فيها عراقة الصحافة البريطانية وجمال الكتابة الاخبارية، ورأيت التطور الذى حدث فى الكتابة الصحفية، ويمكن القول إننى استقيت من «ديلى تيلجراف» المدرسة التحريرية وساعدنى فى ذلك المبدع الدكتور أحمد محمود فى التفوق إخراجيا على الصحيفة البريطانية.
■ ما الرسالة التى كانت تعمل عليها «المصرى اليوم»؟
ـ الجريدة لم تكن تعمل فى فراغ أو مجرد أداة تجمع أخبارا وتنشرها، بالقطع هى نجحت فى ذلك بشكل احترافى، ولكنها كانت لها رسالة أخرى أيضا وهى نقل مصر إلى العصر ونقل العصر إلى مصر، فضلا عن أنها كانت انطلاقة لجيل جديد فى الصحافة والثقافة والسياسية، وكشفت عن كتاب حقيقيين، منهم عمار على حسن وعمرو الشوبكى وضياء رشوان والدكتور حسن نافعة والدكتور قدرى حنفى وحمدى رزق وغيرهم، ما أرغب فى قوله إن الصحيفة جاءت بعدد من الكتاب وحملت لواء حركات التغيير.
■ وماذا عن دور «المصرى اليوم» السياسى؟
ـ حملت الجريدة حركة كفاية على عاتقها منذ نشأة الحركة التى ساهم فيها 300 شخص فى منزل ابوالعلا ماضى، وكانت منبرا لباقى الحركات والأحزاب السياسية الجديدة.
■ وهل لعبت نفس الدور بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين؟
ـ يمكننى القول إن الجهة الوحيدة التى لم أفتح لها بابا هى الجماعة، وذلك لأسباب منها أنه لم يكن هناك متسع كاف
أو لخبرة سابقة معها، كان عام 2004 بالنسبة لهم عام «كمون».
■ ولكن خلال رئاستك للتحرير أفردت الصحيفة ملفا باسم «دولة العريان»؟
ـ بالفعل هذا حدث، وحذرنا فى 2004 من دولة العريان، وكتبت مقالين بعنوان: «همسات فى أذن فضيلة المرشد»، وقلت له إن الإسلام دخل مصر بقلوب المؤمنين وليس بنصوص دستورية، والإسلام إيمان ليس دساتير وها نحن الآن نشهد الإخوان يضعون لنا دستورا باسم الإسلام مدمرا.
■ «إلى عزيز مصر» كان مقالا أم إنذارا لمبارك بنهاية عصره؟
ـ بداية هناك مقالات كثيرة تحمل هذا المعنى، منها ما قاله الاستاذ هيكل فى عام 1995 حول «شيخوخة النظام»، وهى حقيقة مستقرة وتدفق الأجيال كان يضغط على اعصاب النظام والظهور فيما بعد، والتغيبر الذى حدث نتيجة الضغط على لجنة السياسات بعد مجىء أحمد نظيف والذى أدى الى قطع نتائج طيبة وإصلاحات فى النظام المصرفى والسياحة والصناعة والسياسات الضريبية، ولكن ساعد مزيد من الصدام بين الاجيال القديمة والجديدة على انفجار 25 يناير 2011.
■ مؤخرا حصل باحث على درجة الماجستير فى تقييم دراسة الصحف المستقلة ومنها «المصرى اليوم » باعتبارها أبرز الصحف فى التمهيد لثورة 25 يناير؟
ـ «المصرى اليوم» لم تخطط لثورة، وانما كانت تريد إصلاحات سياسية، وتسعى إلى تحول ديمقراطى، ونظام سياسى لا يزور الانتخابات ولا يحمى الفساد.
■ كنت ترى أن الديمقراطية تقوم على ساقين هما «الصحافة والقضاء» وإذا وقع خطأ من أحدهما نكن أمام الآية القرآنية التى تقول «والتفت الساق بالساق»؟ ماذا عن وضعهما الآن؟
ـ الإخوان متخصصون ومتقنون فى 90 دولة فى أمر واحد وهو هدم الدول، ومطلوب منهم الآن عكس هذا التخصص، خبرتهم فيه منعدمة وهذا التخصص هو «بناء الدول»، ومعركتهم الأساسية ليست مع النظام السابق فهو سقط بالفعل، لكن الاخوان كانوا شركاء للنظام وحلفاء له.
■ لكنهم يرون أنه تم التنكيل بهم فى عهد مبارك؟
ـ ازدهر الإخوان خلال 30 عاما من حكم مبارك وأراه الحكم الذهبى للجماعة، والدليل على ذلك أنهم وصلوا للسلطة فى عهده ممثلة فى عضوية مجلس الشعب فى عام 84 وفى 87 ايضا، وفى 2005 كانوا قوة المعارضة الأولى، وأيضا سيطروا على النقابات فى عهد مبارك لأنه كان يرى فيهم تيار الاعتدال وكانوا متحالفين معه ضد الجماعة الاسلامية التى يستغلونها حاليا.
■ حققت حلم «المصرى اليوم».. ما الحلم الذى تسعى إلى تحقيقه الآن؟
ـ نستعد خلال الشهور المقبلة لإصدارصحيفة أسبوعية جديدة باسم «المقطم»، وهى تقتدى بثلاث تجارب هى: «السياسة» الأسبوعية التى كان يصدرها هيكل باشا، ويكتب فيها طه حسين والعقاد وتوفيق دياب، و«أخبار اليوم» لمصطفى وعلى أمين فى الأربعينيت، و«أهرام» الجمعة بقيادة هيكل حتى منتصف السعبينيات، و«الوفد»، وستكون صحيفة يكتبها الشباب فى اسبوع ويقرؤها القراء فى أسبوع.
■ لماذا اخترت هذا الاسم؟ وهل له علاقة بمقر مكتب الإخوان بالمقطم؟
- هو جبل ذو قيمة عند النصارى، وفى التراث القبطى مرتبط بأحد البابوات ويصومون له 3 أيام، وفى التراث الإسلامى مدفون فيه عمرو بن العاص، وهو جبل يحمى القاهرة، وسكنه محمد على باشا مؤسس الدولة المصرية الحديثة، ويحمى العاصمة من الشرق وهضبة الهرم من الغرب، وبنى منه الهرم، فهو دليل على العراقة، والصحيفة ستكون لها معركة كبرى مع المقطم الجبل وساكنى الجبل «مكتب الإرشاد».