على بعد خطوات خلف الكنيسة المعلقة، بمنطقة مصر القديمة، يتراص عدد من ورش حرفيى تصليح السيارات بالشارع المؤدى إلى درب «17- 18». لا يخلو المكان كغيره من المناطق القديمة بالقاهرة من انتشار القمامة، لكن بمجرد الوصول إلى منطقة الدرب تتبدل الشوارع إلى شارعين مرصوفين تحيط بهما من الناحيتين مبان من طراز معمارى مميز على شكل قباب، لا يتعدى كل مبنى دوراً أو دورين تستقر بهما عدد من ورش العاملين بصناعة الفخار والخزف بعجينة الطينة الأسوانية الحمراء.
يتقاطع الشارعان بنهايتهما فى حديقة صغيرة، وفى مواجهتها مبنى كبير رسم على واجهته جمجة مكتوب فى مكان المخ بها آية قرآنية: «هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ».
تتراص منتجات الفخار والخزف على جانبى الطريق أمام الورش، والعمال ذوو الملابس المصبوغة باللون الأحمر الداكن يشكلون قطع الفخار من عجينة الطين الأسوانى على الدولاب الخشبى (الجهاز المخصص لصناعة الفخار) والبعض الآخر يرسم بيده أعمالا بسيطة تحمل روح المكان القديم الذى يحتضن الديانات السماوية الثلاث على منتجاتهم من الفخار.
لم يكن المكان على هذا الحال قبل سنوات، فالمنطقة التى كان يسكنها العاملون فى صناعة الفخار لا تختلف عن مناطق الفواخرية المجاروة كمنطقة جامع عمرو وبطن البقرة، لكنها كانت أكثر حظا، حيث يتردد عليها عدد من الفنانين التشكيليين الذين استقر عدد منهم فى استديوهات صغيرة لمزاولتهم فنهم كالفنان التشكيلى المصرى معتز نصر الدين صاحب فكرة تحويل المكان إلى أحد المزارات الثقافية والفنية.
يقول نصرالدين: «بدأت الفكرة عندما صدر قرار بإخلاء المكان وتحويله إلى حديقة عامة، كان لدى مرسمى الخاص وقتها وسط ورش الفخاريين الذين كانوا يصنعون الفخار من حرق الزبالة والخشب والرصاص المضر للبيئة، نجحت فى مقابلة المحافظ، وأقنعته بالفكرة، وبدأت فى إنشاء جمعية أهلية فى الوقت الذى بدأت فيه أعمال ترميم الكنيسة المعلقة عن طريق بعض الجهات الممولة باعتباها أحد المزارات السياحية المهمة، وبدأت بالإتصال بالجهات المسؤولة، ونجحنا فى الحصول على جزء من التمويل، وأحضرنا أساتذة فخار وأدخلوا أفرانا صديقة للبيئة مخصصة لأعمال الفخار»، ويضيف معتز: «حولنا المنطقة من ورش بنى بعضها من الطوب الطينى وبعضها من الصفيح- الى بيوت على الطراز المصرى القديم لتحمل روح المكان الذى يحيط بها».
تعود تسمية المركز إلى «درب 17-18» لأحداث انتفاضة الخبز يومى 17 و18 يناير 1977 التى خرجت بمسيرات ضد القرارات الاقتصادية للرئيس محمد أنور السادات: «شاركت بها عندما كنت صغيرا، وخرجت وسط الآلاف من المواطنين الذين اعترضوا وقتها على غلاء الأسعار، وحلمت أن تتكرر طوال الثلاثين عاما الماضية حتى قدوم الثورة»، هكذا يقول نصرالدين. يضيف: «لم نتوقف فى عملية التطوير على بناء تلك الورش على طراز القباب القديمة التى يختلط فيها الفن القبطى بالفن الإسلامى، كان لدى حلم، وهو تحويل الأماكن الثقافية والفنية صوب تلك المنطقة، .