ذاكرة محمود ابن الأربع سنوات قد تسقط بعض لحظات الرعب التى عاشها شهر نوفمبر الماضى لحظة اصطدام قطار منفلوط بالسيارة التى يستقلها مع أصدقائه طلاب المعهد الأزهرى، إلا أنه لن ينسى اسم الدكتور طارق عبدالله الجمال رئيس وحدة الجراحات الميكروسكوبية والتكميلية بأسيوط الذى قام بزراعة يده التى فصلها الحادث عن جسده من منطقة الرسغ.
الدكتور طارق الجمال هو أستاذ جراحة العظام بطب أسيوط، يحمل تاريخا طويلا من الإنجازات والشهادات العلمية، فبعد حصوله على الدكتورا تلقى تدريبه على الجراحات الميكروسكوبية فى أمريكا ومستشفى «تشانج جونغ» بالصين، وبالرغم من الإغراءات التى عرضتها عليه دول الغرب، إلا أن حلم العودة لمصر وإنشاء وحدة الجراحات الميكروسكوبية ظل يراوده.
فى عام 1995 عاد لمصر واختار مسقط رأسه أسيوط، لإنشاء أول وحدة ميكروسكوبية للجراحات الدقيقة لخدمة أهالى الصعيد والذين يتخطى تعدادهم 30 مليون نسمة ليصبح المركز الأول على مستوى الشرق الأوسط لزراعة الأطراف المبتورة ليحكى قصة نهضة حقيقية فى صعيد مصر.
عند الدخول لوحدة الجراحات الدقيقة بأسيوط، تستقبلك لوحة تظهر بعض الصور للعمليات الجراحية التى قامت بها الوحدة، صور لبعض الحالات التى بترت أطرافها قبل وبعد إجراء العمليات الجراحية لها لتظهر إعجازا علميا فى مجال زراعة الأطراف، تتوسطها آية «إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا».
داخل غرفة بسيطة امتلأت بالمراجع العلمية والأبحاث انشغل الجمال فى متابعة بعض حالات الوحدة وإعطاء التعليمات لمساعديه، استقبلنا بابتسامة واسعة، استراح على كرسيه وبدأ يحكى قصة إنشاء وحدة الجراحات الفسيولوجية قائلا: «طوال دراستى العلمية كان يشغلنى هذا الحلم، أنشأت الوحدة منذ 17 عاما بعد عودتى من الصين، لخدمة 30 مليونا من أهالى الصعيد يتعرضون لحوادث طرق يومية يفقدون فيها أطرافهم وأخذت الموافقة من جامعة أسيوط، إلا أننى واجهت فى بداية إنشاء المركز تحديات مثل توفير الأدوات الميكروسكوبية وإبر الخياطة اللازمة للجراحة، إلا أننا بمرور الوقت استطعنا توفير غرفة عمليات وأخرى للعناية المركزة».
«زراعة يد طفل فقدها فى حادث، وعلاج مريض السرطان أهم ما يشغلنا فى هذه الحياة» بهذه الكلمات لخص الدكتور طارق الجمال دور مركز الجراحات الدقيقة الذى يترأسه قائلا: «الجراحات الدقيقة ليست منتشرة على مستوى العالم، إلا أننا استطعنا إنشاء وحدة من أهم 10 وحدات ميكروسكوبية على مستوى العالم، وأن يخرج من رحم هذه الوحدة 7 وحدات صغرى للجراحات الدقيقة على مستوى الجمهورية، ويشمل العمل داخل وحدة الجراحات الدقيقة بأسيوط جميع التخصصات بدءا من المسالك والتجميل والجراحة عامة وتوصيل الشرايين والأوردة متناهية الصغر التى لا ترى بالعين المجردة، إلى جانب زراعة الأطراف المبتورة ما بين ذراع كاملة إلى جزء من إصبع.
يتابع الجمال حديثه قائلا: «تعتبر الجراحات الميكروسكوبية من أصعب الجراحات فى مجال الطب، حيث إنها تحتاج إلى أدوات جراحية خاصة، يصل سمك خيوط هذه الجراحات إلى 75 من ألف من الملليمتر ولا ترى بالعين المجردة، بالإضافة إلى إبر جراحية خاصة، وهذه الأدوات الدقيقة يتم استيرادها من الخارج، وهو ما يرفع تكلفة هذه العمليات، لتضاهى تكلفتها عمليات زراعة الكبد والكلى، بخلاف صعوبة إجرائها والساعات الطويلة التى تستغرقها وتصل فى بعض الحالات إلى 30 ساعة، لم تتوقف أحلام الدكتور الجمال بوصول شهرة وحدته إلى درجة تصنيفها باعتبارها الأولى على مستوى الشرق الأوسط، وواحدة من أفضل عشر فى ترتيب وحدات الجراحات الدقيقة على مستوى العالم حسب تصنيف جمعية الجراحات الميكروسكوبية بالولايات المتحدة، حسبما يقول، وإنما تصل أحلامه إلى إنشاء معهد متخصص للجراحات الميكروسكوبية يكون مستقلا بذاته.