باتت الحاجة إلى توفير بدائل حقيقية للبترول والغاز فى توليد الكهرباء، مسألة أمن قومى، خاصة مع تضاعف نسب الاستهلاك داخل المجتمع لأنواع الطاقة المختلفة، خاصة أنها بديل آمن وأقل كلفة. وأجمعت جميع الآراء على أنه لابديل عن الخيار النووى لتوليد الطاقة اللازمة للأجيال القادمة، وأننا بحاجة لاستحداث قاعدة علمية وتطوير البنية التحتية العلمية فى هذا المجال، بالشكل الذى يمكن مصر من التعامل بشكل مستقر فى تكنولوجيا الطاقة النووية.
وأكد خبراء وأكاديميون أن مصر إذا لم تفق من سباتها العميق، للبدء الفورى فى إنشاء مفاعلات نووية سلمية، تكفى لتحقيق نهضة شاملة وتلبية الاحتياجات الفعلية فى جميع المجالات الصناعية والزراعية والخدمية، ستضطر لاستيراد كامل احتياجاتها من الطاقة بحلول عام 2020 على الأكثر، وشددوا على أن الدولة تراجعت كثيراً بسبب تجاهل هذا الملف الذى اعتبروه مهما للغاية وضرورة حتمية للحديث عن التنمية المستدامة فى المجالات المختلفة سواء الصناعية أو الزراعية أو الكهربائية.
يقول الدكتور محمد مسعد محرم، الخبير النووى وأستاذ الهندسة بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى، إنه لن تقوم نهضة حقيقية داخل المجال الصناعى والاستثمارى فى مصر إلا من خلال تطبيق الطاقة النووية والاستفادة منها، لافتا إلى أنه إذا كان هناك حديث عن وجود بدائل الطاقة للاستخدام مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح فإن هذه الطاقات، من الممكن أن تستخدم فى تنمية المشروعات الصغيرة ومنها: إنارة الشوارع والمكاتب الحكومية، لافتا إلى المشروعات التى تعتبر كثيفة الطاقة مثل المتعلقة بالصناعات البتروكيماوية فإنه يلزمها بالضرورة الطاقة النووية.
ولفت «محرم» إلى أن تكلفة إنشاء المحطات النووية تضاعفت 3 مرات خلال السنوات العشر الأخيرة، مؤكدا أنه لو تم البدء فى الثمانينيات لما وصلنا إلى حالة الحيرة التى نعيشها الآن بسبب ارتفاع أسعار إنشاء المحطات النووية.
وأوضح أن مشروع إنشاء مفاعل نووى سلمى فى منطقة الضبعة يراود المصريين منذ أكثر من 16 عاماً مشيرا إلى أن تكلفة الدراسات والاستشارات الفنية والعلمية ودراسات تقييم الأثر البيئى التى أجريت على منطقة الضبعة تكلفت منذ 16 عاماً نحو 85 مليون دولار، وأن هذه التكلفة ستتضاعف إذا ما تم تغير الموقع.
وأضاف أن المعايير والاشتراطات العالمية الخاصة بإنشاء المواقع النووية تنص على توافر 5 شروط أساسية هى: أن يكون الموقع بعيدا عن الكتل السكانية والمياه الجوفية ومنطقة حزام الزلازل والبراكين ومخرات السيول وأن يكون قريبا من البحر مباشرة لأن المفاعل النووى يحتاج إلى مئات الأطنان من المياه يوميا لتبريده.
وأكد أن إنتاج السد العالى يمثل من 8 إلى 10% فقط من إجمالى الطاقة الكهربائية المولدة فى حين يتراوح إنتاج المشروع النووى من الطاقة الكهربائية من 30 إلى 35% من إجمالى الإنتاج المحلى فى حين يصل 70% من إنتاج الكهرباء من محطات نووية بفرنسا، مقابل 45% فى اليابان و60% فى ألمانيا و30% فى أمريكا مشيرا إلى أن 35% من إنتاج الطاقة الكهربائية فى فرنسا من الطاقة النووية مع وجود نحو 80% من المفاعلات داخل الكتل السكنية.
وقال الدكتور عصمت زين الدين، المستشار النووى للرئيس جمال عبدالناصر وأستاذ الهندسة النووية بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية إن التفكير فى إنشاء مفاعل نووى فى مصر بدأ فى عام 1964 حيث وقعت هيئة الطاقة الذرية وقتها اتفاقية مع إحدى الهيئات النووية الأجنبية لإنشاء أول محطتين نوويتين فى مصر لإنتاج 150 ميجاوات و30 ميجاوات، محذرا من أن مصر بحلول عام 2020 على الأكثر ستكون مستوردة لجميع احتياجاتها من الطاقة إذا استمر الحال على ما هو عليه الآن، ما يدعو للقلق والخوف.
ونوه «زين الدين» إلى أنه لكى يقوم المشروع النووى بتحقيق نهضة حقيقية فى مجالات الزراعة والصناعة والكهرباء فإن مصر محتاجة بحلول عام 2020 أى بعد 7 سنوات فقط إلى نحو 50 ألف ميجاوات وأن المفاعل النووى الواحد ينتج حوالى ألف ميجاوات بما يعنى أننا نحتاج إلى حوالى 50 مفاعلاً نووياً خلال 7 سنوات المقبلة وأن الفترة الزمنية لإنشاء مفاعل نووى واحد لا تقل عن 7 إلى 8 سنوات ما يستدعى البدء الفورى فى إنشاء جميع المفاعلات فى توقيت واحد، وهو ما يعد أمرا مستحيلاً لارتفاع التكلفة.
وأشار أن إسرائيل لا ترحب على الإطلاق بإنشاء مفاعل نووى فى مصر حتى لو كان استخدامه للأغراض السلمية لأنها تعتبر هذا المشروع عملاً عدائياً بحتاً من جانب القيادة السياسية ضدها.
وتابع «زين الدين»: «موقف مصر ليس محرجاً فيما يتعلق بالمجال النووى والطاقة الكثيفة فحسب وإنما للأسف الشديد فمصر مقبلة على كارثة نووية بمعنى الكلمة خاصة أن مؤشرات نضوب الطاقة والبترول بدأت فى الظهور، فالنضوب لن يكون مفاجئا وإنما سيكون تدريجيا.
وكشف عن أن الحل النووى لم يعد الوحيد أو الضرورى لحل مشكلة الطاقة فى مصر حالياً وإنما بجانبه يجب استثمار الطاقة الشمسية.
وقال «زين الدين» إنه أعلن خلال مشاركته فى مؤتمر عقد عام 1980 عن الطاقة النووية فى دول الاتحاد الأوروبى أنه لابد من التركيز على الطاقة الشمسية فى مصر كبديل عن الطاقة النووية خاصة أن المشكلة الحالية التى تواجهها مصر أكبر بكتير من أى برنامج نووى، مشيرا إلى ضرورة أن يكون هناك شبكات ربط كهربائية تربط بين جميع الدول العربية.
وأشار إلى أنه لم يكن هناك داع للجدل الذى أثير حول موقع الضبعة لأن الموقع مناسب جدا وأمن وتمت دراسته بدقة وتكلفت دراسته مبالغ طائلة، والحديث عن استغلاله سياحيا خطأ، لأن المستقبل هو توليد طاقة نظيفة، ودخولنا فى مجال إنتاج الطاقة النووية أهم من المنتجعات، وأردف: «لكن يبدو أن الناس تعودت عندما يكون هناك جدل فى مسألة هامة فى الدولة أن يتدخل الرئيس هو لازم الريس يقول علشان الكل يسكت»، مطالبا بعدم التأخر أكثر من ذلك فى دخول عالم الدول النووية، خاصة أن هناك دولاً عديدة فى المنطقة سبقتنا إلى هذا المجال.
ولفت إلى أن الإشعاعات الصادرة عن مفاعل نووى تقل 100 مرة عن الإشعاعات الموجودة فى الطبيعة أو الأشعة الكونية بالإضافة إلى الإشعاعات التى نتعرض لها يوميا مثل التليفزيون والموبايل وبعض الأطعمة مثل الموز، وأن السياحة بالساحل الشمالى لن تتأثر بالأشعة الصادرة عن محطات الفحم كما تردد، منوها إلى أن المخاطر الحقيقية تتمثل فى تشغيل المفاعل، لأنه يتطلب رقابة وحزما لأن الخطأ الواحد يكلفنا الكثير.
وقال الدكتور محمد ناجى، الرئيس السابق لقسم الهندسة النووية بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية، إن المطلوب حاليا وعلى وجه السرعة أن تقوم مصر بشراء محطة نووية كاملة لتوليد الطاقة الكهربائية، لأنها ستعطى نصف إنتاج السد العالى من الكهرباء، على أن تكون الخطوة التالية التفكير فى إحياء مشروع الضبعة، مؤكدا أن تكلفة هذه المحطة تتعدى 2 مليار دولار خاصة أنه فى عام 1984 كانت تكلفتها حوالى 1.4 مليار دولار عندما تم الشروع فى إنشاء المحطة فى الضبعة وتم الرسو على شركة ألمانية للتنفيذ إلا أنه تم إلغاؤها بقرار سيادى.
وأوضح «ناجى» أن الحكومة استقرت على إنشاء المفاعل النووى الذى بدأ منذ عام 1983 وتكلفت الدراسات التى أجريت عليه الملايين من الجنيهات وأن اختيار أى موقع آخر سيترتب عليه خسارة كبيرة تصل إلى 700 مليون جنيه مؤكدا أن الحكومة ستتحمل تبعات قرارها إذا ما أرادت أن تستمع لنداء ومطالب رجال الأعمال.
فيما قال الدكتور فهمى على فتح الباب، عميد كلية الهندسة جامعة الإسكندرية إن الكلية بدأت وضع آليات جديدة لتنفيذ مشروع بحثى علمى كبير ممول من الجامعة لتطوير قسم الهندسة النووية الذى يعد القسم الوحيد المتخصص فى الهندسة النووية على مستوى كليات الهندسة بمختلف الجامعات المصرية على الإطلاق حيث يتضمن المشروع إجراء أبحاث علمية خاصة بالهندسة النووية وتطوير دراسات تحديث المنشآت النووية واحتياجات الأمان النووى، مشيراً إلى أن هذا المشروع تم البدء فعلياً فى وضع آليات التنفيذ الخاصة به.