x

«ماليزيا».. «الثروة البشرية» مفتاح النهوض و«التعليم» كلمة سر التقدم

الأربعاء 05-06-2013 22:04 | كتب: منة الله الحريري |
تصوير : اخبار

إذا كنا جميعاً رجال دين فمن سيقوم بتصنيع الطائرات والصواريخ والسيارات وأدوات التكنولوجيا الحديثة؟ فيجب أن يكون هناك علماء فى التجارة وفى العلوم والتقنية الحديثة وفى كل مجالات المعرفة، ولكن على أساس من التعاليم الإسلامية.. تختصر هذه العبارة، التى قالها «صانع نهضة ماليزيا الحديثة»، رئيس الوزراء الأسبق، مهاتير محمد، التجربة الماليزية، وهو الذى استطاع أن يجعل من دولة زراعية صغيرة نمراً أسيوياً ينافس فى صفوف الدولة المتقدمة.

ولعل أبرز ما يميز المرحلة «المهاتيرية» الطفرة الاقتصادية اللافتة، التى جعلت من ماليزيا دولة صناعية متقدمة يساهم فيها قطاع الصناعة والخدمات بنحو 90% من الناتج المحلى الإجمالى.

واستطاع مؤسس النهضة الماليزية أن يحقق طفرة تنموية واقتصادية، وصفت بالمعجزة خلال عقود قليلة، وذلك من خلال اتباع استراتيجية تقوم على 3 محاور، وهى الاهتمام بالتعليم والتصنيع، بالإضافة إلى المحور الاجتماعى، ورسم خريطة لمستقبل بلاده حدد فيها الأولويات والأهداف والنتائج فى إطار ما عرف بخطة (عشرين- عشرين)، التى تستهدف أن تصبح ماليزيا رابع قوة اقتصادية فى آسيا بعد الصين واليابان والهند بحلول 2020.

ورغم أن نسبة المسلمين فى ماليزيا حوالى 61.4% ، فقد كانت الصراعات الدينية ثمة أساسية فى بلد يضم 18 ديانة، و3 مجموعات عرقية، وهى المالايو الذين يمثلون 58% من السكان، والصينيون الذين تبلغ نسبتهم 24%، والهنود البالغ نسبتهم 7%.

وفى عام 1970 كتب مهاتير كتاباً بعنوان «معضلة المالايو»، انتقد فيه بشدة شعب «المالايو» واتهمه بالكسل، والرضا بأن تظل ماليزيا دولة زراعية متخلفة دون محاولة تطويرها، حتى تولى رئاسة الوزراء عام 1981ولمدة 22 عاماً، استطاع خلالها أن يطور أفكاره إلى سياسات، ما زالت تتبعها القيادة الماليزية حتى الآن.

واعتبر مهاتير أن الثروة البشرية هى مفتاح النهوض بالبلاد، وأن التعليم هو التحدى الأكبر لخلق قوة عاملة جديدة متعلمة ومدربة تستطيع التعامل مع التكنولوجيا المتقدمة والعقول الإلكترونية، فتبنى منهجاً تنموياً وذلك من خلال توفير مستويات عالية من التعليم والتكنولوجيا، كما شجع على تعلم اللغة الإنجليزية، وإرسال البعثات التعليمية للخارج والتواصل مع الجامعات الأجنبية، فضلا عن إنشاء معاهد التدريب المهنى فى البلاد، والتى تؤهل طلاب المدارس الثانوية لدخول سوق العمل فى مجال الهندسة الميكانيكية والكهربائية وتقنية البلاستيك.

وعملت الحكومة الماليزية على تقوية العَلاقة بين مراكز البحوث والجامعات وبين القطاع الخاص، وبالتالى لم تعد الحكومة مطالبة بدعم كل الأنشطة البحثية بمفردها، بل شاركتها فى ذلك المصانع والمؤسسات المالية والاقتصادية. وأنشأ أكبر جامعة إسلامية أصبحت ضمن أهم 500 جامعة فى العالم.

وفى القطاع الصناعى، دخلت ماليزيا مرحلة تصنيع الأسمنت والحديد والصلب وتصنيع السيارة الماليزية الوطنية «بروتون» والتوسع فى صناعة النسيج وصناعة الإلكترونيات.

وفتحت الباب على مصراعيه بضوابط شفافة أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية.

وفى عام 1983، أنشأ مهاتير البنك الإسلامى الماليزى، والذى يعتبر الخطوة التاريخية فى غرس القيم والمبادئ الإسلامية فى النظم المالية والاقتصادية بالبلاد، بأسلوب عصرى يتماشى مع الأهمية الكبيرة، التى أصبحت للمصارف.

واتخذت من اليابان نموذجاً يحتذى به فى إطار ما عرف بسياسة «التوجه نحو الشرق»، وكانت من أقوال مهاتير المأثورة: «إذا أردت الحج اذهب إلى مكة.. وإذا أردت العلم اذهب إلى اليابان»، حيث استفادت ماليزيا من خبرات اليابان فيما يتعلق بأخلاقيات العمل والتطور التقنى والتميز فى المجال الصناعى. وقد يبدو هذا مخالفاً لمفهوم البحث عن قيم التطور فى الغرب عموماً والولايات المتحدة بشكل خاص، لكن مهاتير رأى دائما أن ثقافة العمل فى اليابان بشكل خاص هى الأنسب لثقافة وتكوين بلاده.

ولعب مهاتير دوراً بارزاً فى إدارته للأزمة المالية التى عصفت بكل دول شرق آسيا، حيث أصدر مجموعة قرارات تهدف إلى فرض قيود على التحويلات النقدية خاصة الحسابات التى يملكها غير المقيمين وفرض أسعار صرف محددة لبعض المعاملات.

وعندما سئل حول كيفية تجنب ماليزيا الأزمة الاقتصادية، والتى أدت إلى انهيار اقتصاديات دول آسيوية أخرى، فأجاب بسخرية: «الدرس الأول: لا تأخذ بنصيحة صندوق النقد الدولى».

ومثلما أبهر العالم من خلال تجربة فريدة، فاجأ العالم أيضاً بقرار وقع كالصاعقة على عقول الماليزيين، عندما قرر عام 2003 اعتزال الحياة السياسية، وتعليقاً على هذا القرار قال فى أحد الحوارات الصحفية: «وجدت أننى مكثت فترة طويلة فى الحكم وأن الناس أرادوا أن أتنحى، وربما ظنوا أننى أتقدم فى السن وكان على أن أفسح المجال أمام قيادة جديدة، كما ترددت فى ذهنى عبارة كانت تقولها لى أمى، عبارة تطلب عدم إطالة مدة الزيارة حتى وإن كنت محل ترحيب، لأن الناس سيستاؤون منك لو أطلت». أما مجلة «ايكونومليست» البريطانية فقد اعتبرت أنه رغم النجاح الاقتصادى الذى تحقق، إلا أن تركيز كل السلطات فى يد مهاتير لم يسمح بتطور التجربة الديمقراطية فى ماليزيا، كما لم يسمح بظهور أى زعيم قوى.

إلا أنه نجح فى صناعة نهضة من خلالها زاد دخل الفرد من 100 دولار سنوياً فى عام 1981 عندما تولى الحكم إلى 16 ألف دولار سنوياً عند رحيله عن الحكم، ووصل حجم الصادرات إلى 200 مليار دولار.

وفى آخر تقرير له عن الموازنة العامة قبل تقاعده كرئيس للوزراء، قال مهاتير إن حكومته أدركت تماما أهمية اعتناق قيم إيجابية لتحقيق التقدم المنشود، ولهذا اعتنق منذ 22 عاما سياسة النظر إلى الشرق، واعتناق قيم العمل السائدة فى اليابان وكوريا الجنوبية التى تقوم أساسا على الانضباط الشديد والإخلاص التام لجهة العمل، والحرص على اختيار المديرين ليكونوا قدوة لموظفيهم.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية