اعتبرت صحيفة «جارديان» البريطانية، السبت، أن الاضطرابات التي تشهدها عدة مدن تركية، تكشف عن «تصدعات» في رؤية حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، على الرغم من استمرار تنامي الاقتصاد في البلاد.
وأرجعت الصحيفة تلك الاضطرابات إلى «التدخلات ذات الصبغة الدينية والقمع السياسي» وأيضاً الغموض و«انعدام الشفافية» الذي يكتنف اتفاق السلام الذي أبرمته حكومة رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوجان، مع الأكراد، الشهر الماضي، مستبعدة أن تكون للحالة الاقتصادية نصيب يُذكر في إشعال الحراك الشعبي، وإن كانت ترى أن الاحتجاجات استمدّت بعضًا من «الطاقة السلبية» من الفوضى التي يزخر بها الجوار السوري، بحسب الصحيفة.
وأعادت «الجارديان» إلى الأذهان حادث التفجيرات التي شهدتها مدينة «ريحانلي» التركية الحدودية مع سوريا، والذي أثار المخاوف من تأجيج الصراع بين الطائفتين السُّنية والعلوية، مشيرة إلى أن «أردوجان» استوعب ذلك، وحاول «ضرب عصفورين بحجر واحد»، فلكي «يشتت الانتباه ويرضي ناخبيه من أبناء السُّنة المحافظين» صادق حزبه على قانون يُقيّد بيع الكحوليات، الأمر الذي أشعل غضب العلمانيين في البلاد، معتبرين الخطوة تدخلاً في الحريات العامة.
ورجحت الصحيفة سببًا آخر من أسباب الفوضى، وهو تدشين جسر ثالث على مضيق البوسفور بإسطنبول، وتسميته باسم السلطان «سليم الأول القاطع»، الذي يُعرف لدى الغرب بـ«العابس»، نظرًا لما أثير عنه من أنه كان دائم العبوس، وقد كان «العدو الألد» للعلويين والشيعة على مدار التاريخ العثماني، حيث ورد أنه ذبح عشرات الألوف من العلويين في الأناضول قبل وبعد حربه على إيران، وأوضحت «الجارديان» أن اختيار اسم السلطان سليم الأول أثار حالة من الغضب داخل المجتمع العلوى الذي يُشكل نسبة 10% من الأتراك، ولا يزال ينتظر اعترافاً رسمياً بهويته الدينية وحقوقه في ممارسة الطقوس الدينية، بحسب الصحيفة.
كما نوهت «الجارديان» إلى أسباب أخرى أشعلت حالة الغضب في الداخل التركي، بغض النظر عن مسألة الاحتجاجات على مشروع بناء مثير للجدل يتم بموجبه قطع 600 شجرة في ميدان «تقسيم» بإسطنبول، إذ أشارت إلى قمع السلطات التركية لمظاهرات عيد العمال وهدمها داراً تاريخية للسينما والمسرح لبناء مول تجاري مكانها، معتبرة أن مسألة قطع الأشجار هي «القشة التي قصمت ظهر البعير»، بحسب قوله.
من جهتها، رأت صحيفة «أوبزرفر»، العدد الأسبوعي لـ«جارديان»، أن عمليات النمو الاقتصادي في تركيا خلال العقدين الماضيين، دفعت الكثيرين إلى الهجرة من القرى والبلدات المحيطة بإسطنبول إلى قلب المدينة، وهو ما أسهم بدوره في تحقيق طفرة في مجال التشييد والبناء، لكنها أوضحت أنه رغم التقدم الاقتصادي الكبير فإن الفساد المالي، خاصة في قطاع البناء، كان «في تنامٍ موازٍ».
ونقلت «أوبزرفر» عن جريدة «حرييت» التركية مقالاً، أوضحت فيه أن تركيا ليست بحاجة إلى مراكز تجارية جديدة، وعلى الأخص إسطنبول، وتساءلت: لماذا إذن جاءت خطوة ميدان «تقسيم»؟.
ومن جهته، أدان عالِم اللغويات والفيلسوف السياسي الأمريكي، أفرام نوام تشومسكي، حملة الشرطة التركية ضد المتظاهرين التي وصفها بـ«الوحشية»، معتبرًا أن تلك الحملة «عار على تاريخ تركيا»، بحسب قوله.
وأضاف «تشومسكي»، في بيان له أوردته صحيفة «حرييت ديلى نيوز» التركية على موقعها: «أود أن أضم صوتي إلى منظمة العفو الدولية ومؤسسات أخرى تدافع عن حقوق الإنسان في استنكار الإجراءات الوحشية من قبل سلطات الدولة في التعاطي مع الاحتجاجات السلمية في ميدان تقسيم بوسط إسطنبول».
ومن ناحيتها، أشارت شبكة «سي.إن.إن» الإخبارية الأمريكية إلى أن الحكومة التركية تعرضت لانتقادات من قبل جماعات مراقبة وسائل الإعلام، لكونها من أكثر الدول على مستوى العالم التي تحتجز صحفيين لمدد طويلة.
ولفتت إلى أن الاستخدام المفرط لقنابل الغاز في مواجهة المتظاهرين دفع بعض المراقبين إلى وصف رئيس الوزراء التركي بـ«رجب طيب الكيماوي».
ونقلت الشبكة الأمريكية عن أردوجان يلدريم، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة، قوله: إن حجم الاحتجاجات تخطى توقعات السلطات في تركيا، وأضاف: «لا أعرف ما إذا كانت الاحتجاجات ستحافظ على الوتيرة ذاتها، ولكنها جذبت بالفعل اهتمام الحكومة».
قال مصطفى أكيول، وهو كاتب عمود تركي، إنه «ربما يبدو سبب الاحتجاجات تافهًا (البناء في متنزه)، لكنها تعبر عن رد فعل تراكمي على سياسات أردوجان»، موضحًا أن «الأتراك يريدون التأثير على القرارات في الشؤون العامة والتمتع بديمقراطية حقيقية».