حفاظاً على بقايا أمل فى مصداقية وعودكم، فإننى أنصح الولايات المتحدة بتبنى الروشتة المصرية التى قدمها للعالم الوزير أحمد أبوالغيط من منصة الجمعية العامة، فمن الواضح مستر أوباما أن عملية السلام التى وعدت العالم بإطلاقها فى خطابك من جامعة القاهرة قد أصبحت تعانى اعتلالاً شديداً فى حيويتها، وأنها على وشك الدخول فى حالة رقاد سريرى ينذر باشتداد المرض.
من الواضح أيضاً أنه لم يعد يجدى انفراد الولايات المتحدة بجهد الوساطة الرئيسى بين حكومة اليمين الإسرائيلى ذات الأيديولوجية المتطرفة الرافضة فى جوهر الأمر لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وذات السياسات البارعة فى المراوغة والمناورة القادرة على تفريغ قوة اندفاعكم لإحلال سلام عادل.
إن زيارة وزيرة خارجيتكم هيلارى كلينتون الأخيرة، تظهر أن رفع مستوى الوساطة الأمريكية من المبعوث جورج ميتشل إلى مستوى وزيرة الخارجية لم ينفع فى كسر الجمود، لقد رفض الرئيس الفلسطينى محمود عباس طلبكم استئناف المفاوضات فى لقائه مع كلينتون رغم محاولات الضغط عليه.
لا شك سيادة الرئيس أوباما أنكم تدركون الموقف الحرج الذى وضعتم فيه عباس عندما أرغمتموه على ابتلاع تعهداته أمام شعبه بأنه لن يجتمع مع نتنياهو ولن يبدأ المفاوضات بدون الوقف الكامل للاستيطان فى كامل الضفة الغربية بما فى ذلك القدس، وبدون موافقة حكومة نتنياهو على استئناف المفاوضات من النقطة التى توقفت عندها مع حكومة إسرائيل السابقة، بزعامة حزب كاديما فى إطار مبادرة أنابوليس،
لقد اضطر الرئيس الفلسطينى حرصاً على علاقته بكم إلى تلبية دعوتكم للقاء نتنياهو فى نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فحصد الشوك وخرج فارغ اليدين تزفه شماتة الصحافة الإسرائيلية المزهوة بانتصار نتنياهو الذى أرغمكم على الإتيان بعباس للقائه، على الرغم من رفضه تلبية مطلبكم والمطلب الفلسطينى الخاص بتجميد الاستيطان.
لقد كان ذلك الموقف بداية سلسلة يبدو أنها لن تنتهى من الضغوط على محمود عباس ووضعه فى موضع الرئيس المفرط فى حقوق شعبه، لقد كانت حلقة الضغط الثانية ممثلة فى مطالبة قنصلكم فى رام الله الرئيس الفلسطينى بتأجيل التصويت على تقرير القاضى جولدستون الذى يدين قادة إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال عدوانهم على غزة.
لقد قال قنصلكم للرئيس، حسبما تسرب للصحافة الأمريكية والإسرائيلية، إن إجراء التصويت فى مجلس حقوق الإنسان سيؤدى إلى امتناع نتنياهو عن الانخراط فى عملية السلام بما يعنى أن تأجيل التصويت سيؤدى إلى تلبية المطالب الفلسطينية فى المفاوضات.
مرة أخرى خضع محمود عباس ولم يحصد سوى الشوك والتجريح من حماس والنقد الشديد اللاذع من معسكره السياسى فى فتح لتفريطه فى حقوق شعبه، بعدها تعلم محمود عباس الدرس، وسارع إلى طلب التصويت على التقرير، وها هو منذ ثلاثة أيام، أى فى يوم السبت الماضى، يرفض مطالبة هيلارى كلينتون له بالموافقة على استنئناف المفاوضات دون شروط،
أى دون تجميد الاستيطان ودون تحديد النقطة التى ستبدأ منها المفاوضات، وهى نقطة توقفها مع حكومة أولمرت، وأيضاً دون أن تشمل المفاوضات كل قضايا الحل النهائى، وهى حدود الدولة الفلسطينية ووضع القدس وقضية اللاجئين وقضية الأمن وقضية المياه.
أعتقد سيادة الرئيس أوباما أنكم تتفهمون مدى الإجحاف الواقع على الطرف الفلسطينى نتيجة توجيه الضغوط إليه طوال الوقت مراعاة لرغبات حكومة اليمين الإسرائيلية ذات الأطماع التوسعية المعلنة فى الضفة الغربية، هنا يصبح رفض عباس لمطلبكم فى استئناف المفاوضات، دون شروط، تعبيراً علنياً عن رفض الاستسلام لحلقات ستتوالى من مطالب التنازل لصالح رغبات حكومة اليمين، وبالتالى ستدخل عملية السلام إلى رقاد سريرى.
يقال فى الصحف الإسرائيلية إنكم تفكرون فى تفادى هذه الحالة باقتراح إجراء مفاوضات غير مباشرة على غرار المفاوضات التى جرت بين سوريا وإسرائيل بوساطة تركية،
إن هذا التصور يعنى أنكم ستقومون بالدور التركى فى نقل الأفكار بين الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى، وهو أمر لا أعتقد أنه سيصل بنا إلى شىء فى ظل تصميم حكومة نتنياهو على السياسات التى أعلنها فى خطابه بجامعة بارايلان فى 14 يونيو الماضى، لقد رفض مرجعية السلام التى جرى التفاوض على أساسها مع حكومة أولمرت وهى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967،
وراح يناور بطرح فكرة الدولة منزوعة السلاح والتى يخضع مجالها الجوى وحدودها البرية لسيطرة إسرائيل ورفض فتح قضية القدس للتفاوض، معلناً أن المدينة الموحدة ستبقى عاصمة لإسرائيل، وعارض حق عودة اللاجئين إلى ديارهم واشترط لدخول المفاوضات أن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة للشعب اليهودى،
وهو ما يعنى مطالبة الفلسطينيين والعرب بالاعتذار عن صراعهم مع المشروع الصهيونى لإقامة الدولة وإقرارهم بأن الصهيونية كانت على حق فى إنشاء دولة يهودية.
أضف إلى ذلك أن الاعتراف بيهودية إسرائيل يعنى تهديد وجود عرب 1948 الذين صمدوا على أرضهم داخل الدولة، ناهيك عن الإقرار باستبعاد عودة اللاجئين العرب إلى ديارهم داخل حدود 1948.
إن الروشتة المصرية كفيلة بإنهاء هذا الجمود والتخبط بين مفاوضات مباشرة تعانى انسداد الشرايين، وفكرة عابثة حول المفاوضات غير المباشرة، لقد حدد وزير الخارجية المصرى أحمد أبوالغيط فى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 26 سبتمبر 2009 عدداً من الخطوات الكفيلة بانتشال عملية السلام من هذا الاعتلال،
ذلك أنه بعد أن أعلن التشخيص المصرى لسبب حالة الاعتلال الممثل فى غياب الإدارة السياسية الإسرائيلية للانخراط فى مفاوضات جادة ذات مصداقية لتسوية نهائية للصراع تشمل كل عناصره وتقود إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة على كامل التراب الوطنى الذى احتل عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية،
انطلق الوزير المصرى فى تقديم روشتة العلاج ذات العناصر الستة الشافية، أرجو سيادة الرئيس أوباما أن تقوم المكاتب الصحفية التابعة لسفارتكم بالقاهرة بترجمة هذه الروشتة لكم وهى كالتالى:
أولاً: يجب أن يتولى المجتمع الدولى طرح شكل التسوية النهائية للنزاع مع الانتباه إلى عدم إضاعة الوقت.
إن معنى هذه الخطوة سيادة الرئيس أوباما هو إنهاء الانفراد الأمريكى وعقد مؤتمر دولى يستند عمله إلى مبدأ الأرض مقابل السلام، وعدم جواز استيلاء طرف على أرض الغير بطريق القوة.
إن صياغة الحل النهائى أمر وإكسابه قوة الشرعية الدولية بتبنى الأمم المتحدة له أمر آخر مكمل لا غنى عنه لتوليد قوة دفع كافية لإنهاء سياسات المراوغة.
ثانياً: ضرورة العمل على إنجاز التزام إسرائيلى بالتجميد التام للاستيطان.
ثالثاً: إيجاد علاقة تزامن بين تجميد النشاط الاستيطانى وإطلاق المسار التفاوضى.
إن هذه الخطوة سيادة الرئيس أوباما تعنى إقصاء منهجكم الحالى فى مطالبة الفلسطينيين بالتفاوض دون شروط مسبقة، كما تعنى فى ضوء الخطوة الأولى أن التفاوض سيكون على إجراءات تنفيذ الحل النهائى الذى صاغه المجتمع الدولى.
رابعاً: لا مانع من اعتماد مبدأ تدرج تنفيذ الحل النهائى طبقاً للإيقاع الذى يتفق عليه الطرفان.
خامساً: ضرورة أن يشمل الحل النهائى اعتبار القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.
سادساً: إن حالة التطبيع التى كانت قائمة بين بعض الدول العربية وإسرائيل فى التسعينيات لا يمكن استعادتها إلا بصدق نية السلام والفعل من أجله لدى إسرائيل.
أرجو سيادة الرئيس أوباما النظر باهتمام لهذه الروشتة لإنهاء حالة الاعتلال الحالية لعملية السلام.