x

أيمن الجندي الطائرة المنكوبة أيمن الجندي الإثنين 16-01-2012 08:00


«النداء الأخير: على ركاب الطائرة المنكوبة المتجهة إلى دبى رقم 318 سرعة التوجه إلى باب الخروج رقم 3». هكذا دوّى النداء فى أرجاء المطار المتسع عبر الميكروفونات مشوشاً يسمعه بالكاد.

«أيوه.. أيوه»، صرخ أستاذ إبراهيم لاهثا وهو يلوح بجواز سفره، فيتعثر فى حقيبة السفر الملقاة أمامه، ويجرى صوب منفذ الجوازات، يتوسل إلى الركاب المنتظرين أمامه فى طابور الجوازات أن يسمحوا له بتجاوز الدور. وصوت الميكروفونات يدوى فى كل مكان: «النداء الأخير: على ركاب الطائرة المنكوبة المتجهة إلى...»

الطائرة على وشك الإقلاع، يجرى على السلم الكهربائى، ويُسْقط جواز السفر من يده، وتستعجله المضيفة الآسيوية ذات القوام النحيف والعينين الضيقتين، ناظرة له فى قرف، والنداء مازال يدوّى فى رأسه: «على ركاب الطائرة المنكوبة...»

وفجأة توقف الأستاذ إبراهيم مذهولا ليستعيد النداء. الطائرة المنكوبة! كانوا ينادون على ركاب الطائرة المنكوبة! الطائرة التى يركبها الآن!

ألقى بنفسه على المقعد، وراح ينظر حوله ساهماً، ما الذى كانت تقوله المذيعة فى الميكروفون: «الطائرة المنكوبة!».

أفضل شىء أن يسأل رفاق الرحلة. جاء على المقعد المجاور رجل مصرى يستطيع أن يتكلم معه باللغة العربية. قال أستاذ إبراهيم: «السلام عليكم»، فرد الرجل فى تحفظ: «وعليكم السلام».

مال عليه أستاذ إبراهيم وسأله ليتأكد: «حضرتك سمعت حاجة غريبة فى الميكروفونات وهم ينادون على الطائرة؟». نظر له الرجل فى صمت ولم يرد.

تململ أستاذ إبراهيم فى مقعده. يعرف أنه أخطأ السمع، ولكن لا مانع من أن يستوثق. سأله: «أنا سمعتهم بيقولوا الطائرة المنكوبة، يا ترى حضرتك سمعتهم؟».

قال الرجل فى هدوء: «أيوه سمعتهم». اندهش أستاذ إبراهيم وقال: «غريبة. أنا افتكرت إنى سمعت غلط. أصل الدوشة كانت جامدة والصوت ملخبط وبعيد!». فرد الرجل فى اقتضاب: «لأ. ماسمعتش غلط ولا حاجة».

تساءل أستاذ إبراهيم فى ذهول: «وليه بيقولوا عليها الطائرة المنكوبة؟»، فرد الرجل فى بساطة: «عشان حتقع». صرخ أستاذ إبراهيم منزعجا: «حتقع؟». قال جاره مؤنباً: «بتزعق ليه؟ ماسمعتش أبدا عن طيارات وقعت؟!»، فبلع أستاذ إبراهيم ريقه، وقال معترفا: «سمعت، بس يعلنوا كده فى الميكروفون؟!».

صرخ إبراهيم: «وعارفين مقدما إنها منكوبة، وبرغم كده مابيعملوش حاجة!»، فرد الرجل وهو يغمض عينيه إيذانا بانتهاء الحديث: «طب ما كلنا عارفين إن مصر منكوبة، ورغم كده مابنعملش حاجة».

انفرد أستاذ إبراهيم بصمته وراح يفكر. الطائرة المنكوبة؟ ولم لا؟ أليست حياتنا كلها تكراراً لهذا الموقف؟ أليست مصر نفسها طائرة منكوبة نركب فيها وكل الدلائل تشير إلى أنها ستقع؟ ولا أحد يحرك ساكنا؟!

والله الراجل ده عنده نظر. لماذا يحرص أصلا على الحياة؟ غلبان ومنكسر وحظه عثر. شقيان فى مصر وشقيان فى الخارج. وبعد كده أخاف لما المذيعة تنادى على الطائرة المنكوبة! أما أنا عبيط بصحيح! لو عاوزة تقع تتفضل تقع. مع السلامة يا حياة. يخاف عليها اللى خد منها شىء. وأنا أساسا ماعنديش حاجة أخسرها.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية