هل ستحتفل الشرطة بعيدها يوم 25 يناير؟ وكيف ستحتفل وفى هذا اليوم من العام الماضى انطلقت ثورة يناير؟ هل يمكن أن نحتفل بالمناسبتين معا، خصوصا أن عيد الشرطة لا يخص الشرطيين وحدهم، إنما يخص الوطن كله، لأنه عيد للمقاومة المصرية، وانتصار للإرادة المصرية على المحتل الإنجليزى؟
مؤكد أن الثورة لم تقم من أجل هزيمة الشرطة أو كسر رجالها، فالهدف أنبل من أن يكون معركة بين أبناء الوطن الواحد. مؤكد أن الهدف كان ومازال هو القضاء على الاستبداد، وإقامة دولة القانون التى يعرف فيها الشرطى حق المواطنى، وفقا للقانون، سواء كان متهما أو مشتبها به، أو حتى محكوما عليه، فحين يسود القانون يتراجع البطش، ويختفى الظلم، ويعرف المواطن حدوده، والشرطى يدرك التزاماته ودوره. لذا فمن الحتمى الآن أن ينسى رجال الشرطة تلك الفترة التى مارسوا فيها عملهم، على طريقة «عبد المأمور»، ووفقا لقانون استثنائى خلق ليطبق فى الظروف الصعبة فقط، لكنه استمر سنوات، فأصبح عصا النظام التى لا يعيش بدونها. باتت الشرطة المصرية أولى ضحايا هذا القانون، إذ جنت الكثير من الكراهية والغضب من الشارع المصرى، وتحملت كل خطايا النظام السابق. ظهرت بوادر هذه الكراهية بوضوح بعد 25 يناير. وكما نعلم فالشرطة جهاز تنفيذى يعمل وفقا لما هو مرسوم له من الجهات العليا، وبالتالى ليس صعباً تغيير أساليب العمل وطريقة التعامل مع المواطنين، وتأهيل القطاعات التى تتعامل مع الجماهير بشكل مباشر.
فى الخامس والعشرين من الشهر المقبل تحل الذكرى الأولى للثورة، وفى اليوم نفسه يحل عيد الشرطة، وهو ذكرى وطنية عن يوم من أيام العزة، حيث رفض رجال الشرطة تسليم مدينة الإسماعيلية يوم 25 يناير 1952 للقوات الإنجليزية، بعد أن رفض وزير الداخلية المصرى فؤاد باشا سراج الدين الانصياع للإنذار الإنجليزى، مطالبا قواته بالصمود والمقاومة. فكانت النتيجة أن سقط العديد من الشهداء، ومئات الجرحى، من الشعب ورجال الشرطة، الذين توحدوا على قلب رجل واحد فى مقاومة العدوان، ولم يرهبهم عدد القوات الإنجليزية ولا عتادها، إذ حاصر أكثر من 7 آلاف جندى بريطانى محافظة الإسماعيلية، والتى كان يدافع عنها 850 جندياً فقط، بقيادة الضابط مصطفى رفعت، سقط منهم خمسون شهيدًا والعديد من الجرحى.
وربما تكون حالة التوحد بين الشرطة الشعب فى مواجهة الاحتلال أهم مكاسب هذه المعركة الوطنية. ولعلها الفرصة الذهبية، التى تجعلنا نحتفل بالعيد الأول للثورة، من دون أن نغفل عيد الشرطة، ودون أن يتم عمل مراجعات صادقة وحقيقية لدور الشرطة، والتصالح معها، ووضع أسس وقوانين حاكمة للعلاقة بين الشرطى والمواطن، فالشرطة من الشعب وتعمل على حمايته، ووظيفتها تتطلب التعاون لا التناحر معه. الفرصة سانحة الآن لأن تنتهى حالة العداء مع الشرطة، خصوصا أننا على أعتاب نهج جديد ومتحضر مع الوزير محمد إبراهيم، الذى يقود الحملات الأمنية بنفسه، ويحاول مع جهاز الشرطة استعادة الأمان الذى فقد طويلا، لأسباب كثيرة منها انعزال رجال الشرطة وشعورهم بالانكسار. وبما أننا نلمس هذه الأيام تواجداً كبيراً لرجال الشرطة فى الشوارع والأكمنة، ونلحظ قيامهم بشن حملات موسعة على أوكار الخارجين على القانون، علينا أن ندعم ذلك ونشجع عليه، مع العلم أن هناك من يسعى لعدم استقرار المجتمع ويتمنى الاشتباك الدائم بين الشرطة والشعب، لتتفشى الجريمة وينتشر اللصوص والقتلة، وساعتها لن نحتفى بالثورة ولا بعيد الشرطة.