كنت من أوائل من تنبأ بصعود حزب النور السلفى وعلو شأنه سياسياً، عندما كتبت قبل شهور عدة مقالات قلت فيها إن الحزب يملك «بضاعة رائجة» تمكنّه من تصدر المشهد السياسى فى السنوات القادمة، ولم تكد الكلمات تنطلق وتبلغ الآفاق حتى حلَّت الانتخابات البرلمانية فى مرحلتها الأولى وأصبح الحزب فى المركز الثانى فى الحصول على المقاعد البرلمانية بعد حزب الإخوان المسلمين.
وقلت آنذاك إن أكبر منافس لحزب الإخوان هو حزب النور، لأنه يزاحمه فى «البضاعة»، لكن لم أكن أتوقع أن حزب النور سيتفوق على الإخوان فى أول جولة بمعيار العمر والخبرة.
ذلك أن حزب النور صاحب الأشهر الثمانية تفوق على جماعة الإخوان صاحبة الثمانين عاماً ولا ضير فى ذلك ولا ريب، لأن الاثنين تنافسا فى «خطاب واحد» وبضاعة واحدة، فضلاً عن أنه غير صحيح أن إسهامات السلفيين أقل بكثير من إسهامات الإخوان الاجتماعية، بل العكس تماماً، إسهامات السلفيين من خلال جمعية أنصار السنة المحمدية والجمعية الشرعية فى الشارع الاجتماعى غير عادية وتتفوق عشرات المرات على إسهامات الإخوان، لأن هاتين الجمعيتين معروف عنهما ـ ولايزال ـ إسهاماتهما التكافلية للمجتمع ولا توجد أسرة لها حاجة لم تعرف إسهام هاتين الجمعيتين سواء فى المدن أو القرى».
لكن الفارق بين الإسهام الاجتماعى السلفى والإسهام الاجتماعى الإخوانى أن الأول كان بغير غرض سياسى والثانى بغرض سياسى، وهو أمر مقبول وليس فيه عيب مادامت الغاية سليمة.
وثمة فارق كبير بين الإسهامين فى تقديرى، هو أن الإسهام الاجتماعى السلفى كان موجهاً لكل فئات المجتمع وليس مقصوراً على «الأسر الملتزمة فقط» أما الإسهام الاجتماعى الإخوانى فكان موجهاً إلى الأسر الإخوانية بالأساس يليه باقى فئات المجتمع.
■ على غير ما يتحدث الكثير عن حزب الوفد فإننى أرى أن الحزب نجح نجاحاً كبيراً فى المرحلة الأولى للانتخابات لعدة أسباب، أولها أن الحزب خاض الانتخابات منفرداً، وحصل على 11٪، ثانياً أن الحزب لم يخالف القانون أو ضمير المجتمع عندما رفض أن يحصل على مقاعد بالبلطجة والتزوير وتقديم الرشاوى العينية والمادية، بخلاف العديد من الأحزاب التى استخدمت كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة من أجل الحصول على مقاعد فى البرلمان.
ثالثاً: وهو الأهم أن الحزب رفض رفضاً تاماً أن يلعب على الوتر الطائفى، كما لعب كل من التيار الإسلامى والكتلة المصرية، عندما استخدم الأول المسجد واستخدم الثانى الكنيسة، على الرغم من أن «الوفد» طوال عمره هو ملاذ المسيحيين فى الانتخابات وملاذ المسلمين المعتدلين.
كما أن حزب الوفد رفض أن يلجأ لأى تحالف مع التيارين، ولو كان حزباً انتهازياً لكان قد استكمل تحالفه مع الإخوان، ولو كان حزباً انتهازياً أيضاً لكان قد استدعى علاقته التاريخية بالكنيسة، لكن الحزب الذى ينطلق من مبادئ وطنية بحتة ترعى الله أولاً وترعى الوطن ثانياً رفض كل هذه الإغراءات ورفض أن يتاجر بجثة الوطن وبالمعركة البغيضة التى دارت بها الانتخابات فى مرحلتها الأولى وهى الطائفية.
جُل ما أود أن أقوله إن على الجميع أن يرفع لحزب الوفد القبّعة، لأنه رفض أن يكون فى صدارة المشهد برائحة الطائفية البغيضة وأن مقاعده جاءت بطريقة شرعية وقانونية.. وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون!