علاء قاعود
تناقلت وسائل الإعلام خلال الأيام الأولى من الشهر الحالى ما قرره مجلس الوزراء من «إنشاء كيان مؤسسى لرعاية ذوى الاحتياجات الخاصة ومتحدى الإعاقة»، وتكشف مراجعة ما نُشر بهذا الخصوص، بما فى ذلك ما صرح به المتحدث الرسمى باسم مجلس الوزراء عن سيطرة نهج الرعاية/الإحسان فى النظر إلى أوضاع ذوى الإعاقة، وكذلك اتباع الحكومة الحالية الطريقة ذاتها فى إعدادها للتشريعات، إذ كلفت وزير العدل بإعداد التشريع اللازم لذلك بالتنسيق مع اللجنة الوزارية التشريعية، لنجد أنفسنا مرة أخرى بعد فترة طالت أو قصرت أمام قانون وكيان جديد يضاف إلى لائحة الكيانات التى لا قيمة لبعضها سوى ما تضفيه على الحكومة من رتوش تجميلية أمام المجتمع الدولى، وهو ما يمكّنها أيضاً من الحصول على معونات عبر مشاريع تتقدم بها للجهات المانحة الدولية، سواء الحكومية أو غير الحكومية.
أما على صعيد الأثر الفعلى لبعض هذه الكيانات فى النهوض بالمهام التى أنشئت من أجلها فهو محدود جدا، بل بات البعض يتندر، معتبرا أن قيمة بعضها تنحصر فيما تدره على أعضاء مجالسها والعاملين فيها من دخل ووجاهة اجتماعية وإعلامية.
يمكن القول بأن النظرة السائدة لمشاكل ذوى الإعاقة، سواء على الصعيد الحكومى أو المجتمعى، تركز على ما لدى ذوى الإعاقة من قصور خِلْقى أو غير خِلْقى، وترى أن حل مشاكلهم يتمثل فى العمل على جعلهم «عاديين» وحثهم على السلوك بـ«صورة عادية» قدر الإمكان من أجل إتاحة الفرص أمامهم للاندماج فى المجتمع الذى هو مجتمع للقادرين جسدياً. وفى هذه الحالة تقتصر الجهود ذات الصلة بالعمل على التغلب على ما لدى الشخص ذى الإعاقة من قصور، سواء عن طريق العلاج الطبى أو إعادة التأهيل، أو السعى إلى تيسير الاعتناء به.
وتعكس هذه النظرة إخفاقاً فى الاعتراف بأوجه الاختلاف بين الأفراد واستيعابها، وتتجاهل تماماً العقبات التى يضعها المجتمع أمام مشاركة ذوى الإعاقة وتمتعهم بحقوقهم، سواء أكانت هذه العقبات مادية - كما هو الشأن فى تجاهل حاجات الأشخاص ذوى الكراسى المتحركة عند تصميم المنشآت التعليمية والمبانى عموما - أم عقبات اجتماعية تتمثل فى تدنى التوقعات الاجتماعية وتجاهل ما لدى الأشخاص ذوى الإعاقة من إمكانات ومواهب. وبالطبع فإن هذه النظرة تمثل انتهاكاً للكرامة الإنسانية لذوى الإعاقة ولحقوقهم فى حياة لائقة طبيعية وكاملة قدر الإمكان، أيا كانت خصائص إعاقتهم أو مصدرها أو درجة خطورتها.
وبدلا من التركيز على جوانب «القصور» فى الشخص ذى الإعاقة، جرى فى العقود الماضية تطوير طريقة أخرى فى فهم الإعاقة والتعامل معها، حيث يجرى النظر للإعاقة باعتبارها بالأساس نتاجاً لتفاعل الفرد مع بيئة لا تقبل اختلاف فرد عن غيره، مما يترتب عليه الحد من تمتعه بحقوقه والتمييز تجاهه، وهو ما يستلزم ليس فقط وضع سياسات وقوانين وبرامج تعمل على إزالة العراقيل التى تحول دون تمتعهم - ذوى الإعاقة - بحقوقهم.
وعلى الرغم من السجل الحافل بالإخفاقات الذى يتسم به أداء الحكومة الحالية فإننا نأمل أن تخيب توقعاتنا هذه المرة، وأن يشكل ما تعتزم القيام به من إنشاء كيان مؤسسى لحقوق ذوى الإعاقة دفعة فى الاتجاه الصحيح، ونأمل أن يجرى إعداد القانون المذكور على نحو يتلاشى جوانب القصور فى القوانين المناظرة ومنها قانون إنشاء المجلس القومى لحقوق الإنسان، الذى خلا على سبيل المثال من معايير واضحة تحكم عملية تشكيل المجلس، كما قيد من صلاحياته على نحو أعاقه عن أن يلعب دوراً محسوساً فى النهوض بحالة حقوق الإنسان.
هذا كما ينبغى الاستفادة فى إعداد القانون من الدروس المستخلصة من تجارب الدول الأخرى، وكذلك المبادئ التوجيهية المعنية بإنشاء وتطوير لجان التنسيق الوطنية المعنية بالعجز، التى أقرها المؤتمر الدولى الذى عقد فى بكين فى فبراير 1990، وفضلا عن ذلك يجب أن يتم طرح مشروع القانون للرأى العام لمناقشته ومراجعته واقتراح ما يلزم من تعديلات. وعلى المهمومين بحقوق ذوى الإعاقة الضغط على الحكومة من أجل اتباع هذا النهج فى تأسيس الكيان المنتظر، وألا ينتظروا حتى تقوم بإصدار القانون واختيار القائمين على شؤون الكيان المزمع إنشاؤه.