x

يحيى الجمل أحمد زويل.. ومجدى يعقوب.. ومحمد غنيم يحيى الجمل الإثنين 07-11-2011 08:00


قمم ثلاث فى مجال العلم والطب، ويقينى أن فى مصر قمماً أخرى قد لا تكون بهذا الحجم العالمى، ولكنها أيضاً قمم قادرة على العطاء والبذل والبناء من أجل نهضة هذا البلد. وإذا كان ذلك صحيحاً- وفى تقديرى أنه صحيح- وإذا كان صحيحاً أيضاً أننا فى زمن تقاس فيه الأمم وأقدارها بما تنتج من علم ومعرفة، فلماذا تخلفنا عن ركب العالم؟ ولماذا سبقنا من كان وراءنا؟ ولماذا وصلت حالة العلم والبحث العلمى إلى ما وصلت إليه من تدنٍ وهوان؟

أسباب ذلك عديدة ولكنها تتفاوت فيما بينها من حيث التأثير.

أول هذه الأسباب وأهمها فى تقديرى أن «البوصلة» التى توجه الأمور إلى وجهاتها المطلوبة لم يكن يدخل العلم والمعرفة فى اهتماماتها.

كانت ميزانية واحدة من ميزانيات مديريات الأمن فى القاهرة أو الجيزة أو الإسكندرية تعادل أضعاف ميزانية البحث العلمى فى عدد من الجامعات، ولهذا تأخرت جامعاتنا عن ركب الجامعات فى العالم.

خذ مثلاً جامعة القاهرة التى تعتبر بعد الأزهر والزيتونة أقدم جامعة حديثة فى المنطقة العربية كلها، وقد احتفلنا منذ عدة سنوات بمرور مائة سنة على إنشائها.

بل إن عمر بعض كليات هذه الجامعة يربو على قرنين، مثلاً مدرسة الطب ومدرسة الهندسة، كذلك فإن كلية الحقوق يقارب عمرها الآن مائة وخمسين عاماً.

وقد أسهمت جامعة القاهرة فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين (1850- 1950) فى بناء النهضة العلمية والفكرية ليس فى مصر وحسب بل فى بلاد المشرق العربى كله.

جامعة بغداد وجامعة دمشق ثم بعد ذلك بسنوات طويلة جامعة الكويت وجامعة الإمارات كلها تدين لجامعة القاهرة وخريجيها وأساتذتها بفضل غير مجحود ولا منكور.

وقد عاصرت جامعة القاهرة طالباً فى الخمسينيات من القرن الماضى، ثم عاصرتها مدرساً فأستاذاً مساعداً، فأستاذاً منذ بداية ستينيات القرن الماضى، وحتى الآن أى ما يربو على نصف قرن كامل من الزمان.

وشاهدت هذه الجامعة وهى فى القمة بين جامعات العالم ثم شاهدت بداية هوانها وتدهورها مع تدهور كل شىء فى مصر فى الثلاثين عاماً الماضية، حتى إن هذه الجامعة العريقة لم تدخل منذ عدة أعوام بين الخمسمائة جامعة الأولى فى العالم على حين أن أكثر من جامعة فى جنوب أفريقيا والهند، بل فى إسرائيل ظهرت ضمن هذه المجموعة.

كما قلت لم تكن بوصلة الدولة تتجه نحو الاهتمام بالعلم، ولذلك كانت النتيجة هذا التدنى الذى عشناه، والذى أثر على كل جوانب حياتنا.

ولكن السؤال الآن هل من سبيل إلى مداركة هذا الوضع البائس المهين؟

نعم هناك أكثر من سبيل يجب أن نطرق أبوابها جميعاً فى وقت واحد.

ولعل المشروع القومى للدكتور زويل الذى أخذ طريقه للنور أخيراً أن يكون إحدى السبل الأساسية للنهضة العلمية فى هذا البلد الذى أهدى للعالم منذ عدة آلاف من السنين حضارة فى مجالات أضاءت للبشرية طريقها فى كل هذه المجالات من طب وهندسة وكيمياء- التحنيط- بل من فكر دينى متقدم دعا إلى التوحيد قبل الأديان السماوية.

والذى يراجع قصائد أخناتون وعباراته يدرك هذه الحقائق جيداً.

وقد سمعت الدكتور أحمد زويل فى برنامج رائع للتليفزيون المصرى يتحدث عن هذه الحضارة العريقة، وما قدمته للبشرية، وسمعته يتحدث عن مدينة الإسكندرية، وكيف كانت ملاذاً للعلم والعلماء قبل الميلاد ولسنوات بعده إلى أن قضت عليها عوامل التخلف، التى كانت عديدة ومتراكمة إلى أن وصلت إلى قمة التخلف والسواد فى ظل الحكم العثمانى، وإلى بداية النهضة فى عهد محمد على. مشروع زويل إذن هو بداية لنهضة علمية حقيقية، ونظرة إلى مجلس أمناء هذا المشروع تبعث الأمل فى النفوس.

ولكن ليس بهذا المشروع وحده نبنى النهضة العلمية.

إن هذه النهضة يجب أن تبدأ من المدرسة الابتدائية وبعدها المدرسة الثانوية أى مرحلة ما قبل التعليم الجامعى.

إن خريجى هذه المدارس هم مدخلات التعليم الجامعى. ونوع المدخلات يؤثر قطعاً على مخرجات التعليم الجامعى، الذين يفترض فيهم أن يكونوا أو أن يكون بعضهم جنوداً من جنود البحث العلمى.

الذين سيحملون مشاعل البحث العلمى فى مشروع زويل بجامعته ومعاهده، وفى الدراسات العليا فى الجامعات المختلفة، هم أساساً خريجو الجامعات المصرية، وهؤلاء الخريجون هم نتاج المدخلات التى تدخل هذه الجامعات، كما قلت من قبل. ومن هنا كانت ضرورة الاهتمام الجدى والحقيقى بالتعليم قبل الجامعى، وكانت ضرورة إعادة النظر فى برامج هذا التعليم بحيث تكون موجهة نحو تربية العقل الناقد المفكر والمبدع، وليس العقل الحافظ «الصمام».

وكذلك ضرورة العناية بالقائمين بعملية التدريس فى هذه المرحلة، لابد من مدرس مقتدر ومنهج عقلانى سليم.

وقد قلت فى بداية هذا المقال إن مصر فيها كثيرون قادرون على البذل والعطاء.

أعرف رجلاً جاوز التسعين عاماً وعمل فى مؤسسات دولية عالمية ووصل إلى أعلى مستوياتها، ومع ذلك ظل هذا الرجل، وحتى يومنا هذا مهموماً بأمر المناهج الدراسية والتعليم قبل الجامعى، خاصة من ناحية الاستنارة والاعتراف بالآخر. هذا الرجل هو أستاذنا الدكتور سعد الفيشاوى الذى كان مستشاراً ونائباً لرئيس صندوق النقد الدولى، وكذلك بدأ مع الصديق عبداللطيف الحمد فى تأسيس الصندوق الكويتى العربى للتنمية، وقد فهمت أن عبداللطيف الحمد هو من أعضاء مجلس أمناء مشروع زويل للنهضة العلمية، ونعم الاختيار.

هذا الرجل المسيحى نشأ فى قرية من قرى المنوفية اسمها «فيشا الصغرى»، ولست أعرف أصل كلمة فيشا، قد تكون قبطية، وقد تكون مصرية قديمة، ولكن هذه القرية التى يسمونها أيضاً فى محافظة المنوفية «فيشا النصارى»، أنجبت هذا الرجل الدؤوب الذى يرى وهو مسيحى أن الإسلام قوة تقدمية وكتب فى ذلك مقالات عديدة بالعربية والإنجليزية، واقترح على فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وعلى وزارة التربية والتعليم معايير لتعليم عقلانى يحترم الآخر ولا ينكره ولا يقصيه.

ما أريد أن أقوله هو أن تحقيق النهضة العلمية ممكن، وأن مصر عامرة بالعديد من أبنائها المخلصين.

ولعلى فى هذا المجال أشير إلى الدراسات القيمة والعديدة التى قام بها المجلس القومى للتعليم، والتى كانت تلقى فى أدراج الوزراء والمسؤولين، ولا تلقى أدنى اهتمام، ذلك لأن «البوصلة»، كما قلت أكثر من مرة، لم تكن متجهة إلى تعليم أبناء مصر ونهضتهم واستنارتهم وإسهامهم فى الحضارة العالمية. إن التقدم يقوم على قدمين اثنتين- هكذا يقول لنا تاريخ النهضات الحديثة كلها فى كل البلاد التى حققت نهضة حقيقية، والتى أصبحت فى هذا العالم قوة حقيقية.

هاتان القدمان هما البحث العلمى من ناحية وحقوق الإنسان وكرامته من ناحية أخرى بكل ما يعنيه البحث العلمى من الوسائل التى ذكرنا بعضها، ولم نذكرها كلها، وكذلك حقوق الإنسان بكل ما تعنيه من حريات وحقوق ومواطنة كاملة وتداول للسلطة فى دولة لها دستور وفيها حياة دستورية، وليس مجرد نصوص وفيها مؤسسات حقيقية وليس مجرد أفراد.

ولعل هذا يدعونى إلى أن أقول للصديق أحمد زويل الذى أسميه ابن مصر البار لا تنس فى مشروعك النهضوى جانب الدراسات الإنسانية فهذا جانب أساسى فى تكوين الإنسان وفى بناء النهضة.

وعلى الله قصد السبيل

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية