أهدى محمد حفظى تلك الدورة من المهرجان إلى أرواح الراحلين أمثال محمود ياسين ونادية لطفى وجورج سيدهم وحسن حسنى ورجاء الجداوى والمخرج سمير سيف وغيرهم، ومع الأسف سقطت أسماء مثل ماجدة والمنتصر بالله، ويقينا نسيان غير مقصود.
وهو ما أوقف قليلا سيلا من الانتقادات وجهت لحفظى بتجاهل عطاء كل هؤلاء الكبار. كانت بالفعل سنة كبيسة علينا، بكل المستويات. الحقيقة أنه منذ شهر سبتمبر الماضى وهناك اتفاق داخل اللجنة العليا للمهرجان لتكريم من غادرونا، وهو تقليد يطبقه المهرجان منذ سنوات، ولكن هذه المرة كان السؤال: هل يتم ذلك فى الافتتاح أم فى الختام؟.
ولم يكن هذا فقط المأزق، لقد فوجئ المهرجان بهجوم من (السوشيال ميديا) على أحد المخرجين واتهامه بأحقر صفة (متحرش)، وأنا هنا لست جهة تحقيق لأقر بصحة اتهام أو أكذب آخر. سارعت إدارة المهرجان بتوجيه أعضاء لجنة التحكيم بإبعاد الفيلم من الترشيح لأى جائزة، رغم قناعة لجنة التحكيم ورئيسها المخرج الروسى اليكسندر سوكولوف بالفيلم، وهذا واضح من انحيازهم للسينما الخالصة وهو ما تحقق مع فيلم (ليمبو) البريطانى الحاصل على جائزة (الهرم الذهبى)، ولهذا توجهت اللجنة لنفس النوع/ الشريط الذى يراهن على السينما، وبالفعل كان هناك أكثر من ترشيح للفيلم فى التصوير والمونتاج، ثم تقرر استبعاده تماما فى اللحظات الأخيرة منعا للشوشرة، لو أعلن عن جائزته.
الأمر برمته فى الحقيقة يضع الجميع فى موقف شائك لأنك لا يمكن أن تمنع الناس من الشكوى، على الجانب الآخر تظل العدالة على المحك فى مدى صدق هذه الاتهامات، وهل يعاقب الإنسان بالشبهات، حتى لو تعددت ولكن (أهو ده اللى صار). علينا أن نتوقف أمام جائزة مى زايد مخرجة (عاش يا كابتن) بجائزة الهرم البرونزى لأفضل فيلم عمل أول، وهناك العديد من الجوائز الأخرى الموازية حصدها الفيلم مثل مناصرة قضايا المرأة، خاصة أن الفيلم يقدم رسالة إيجابية، عن حق المرأة فى المساواة مع الرجل، حتى فى الألعاب التى تبدو مقصورة على الرجل فقط مثل رفع الأثقال، وقبل إعلان الجوائز بدأنا نقرأ أيضا عن مخرج (الوحدة الثانية)، وهو يؤكد أنه الصانع الحقيقى للفيلم، وينفى عن مخرجته إبداع نحو 80% على الأقل مما شاهدناه على الشريط.
كيف صمت طوال هذا الزمن والفيلم معلن عنه من أشهر، إنه مثل كل إنسان من حقه أن يشكو وعليه أيضا إثبات أنه صاحب حق، خاصة أن الفيلم حصد العدد الأكبر من الجوائز وبينها أيضا جائزة الجمهور و(الفيبرسى) النقاد العالميين، والجائزة الأولى لها مقابل مادى 15 ألف دولار.
لا أحد يملك اليقين فى توجه الجوائز ولا توجد إجابة قاطعة عمن يستحق. كنت أعتقد مثلا أن فيلم (غزة مونامور) سيحصد جائزة وبالفعل كان داخل قائمة الترشيحات، ثم تم الحسم بأن يعلن رئيس لجنة التحكيم التنويه الخاص به قبل بداية الجوائز.
أيضا اعتقدت أن الفيلم الفرنسى (جاجارين) سينال جائزة ولكن لم يتم ذكره أبدا فى القائمة.
عند إعلان جائزة أفضل ممثلة التى حصدتها مناصفة إلهام شاهين عن (حظر تجول) والممثلة الروسية ناتاليا بافينكوفا عن (المؤتمر).
من شاهد الحفل تليفزيونيا لن يستشعر سوى أن الجائزة فقط من نصيب إلهام وأن ناتاليا حصدت جائزة ثانية.
كان يبدو أن لبلبة تفكر فى أن تذكر شيئا يقترب من الحقيقة ولكنه ليس هو الحقيقة، فاز أيضا الممثل جوايان فرجوف بجائزة أفضل ممثل عن الفيلم البلغارى (دروس اللغة الألمانية) والهرم الفضى لفيلم (المؤتمر) الروسى.
احتلت مصر وروسيا النصيب الأكبر من عدد الجوائز، ولا أتصور أن الأمر له علاقة بجنسيات لجنة التحكيم، ولا حتى بتلك المداعبة التى منحها رئيس اللجنة المخرج الروسى للفنانة لبلبة، عندما أعلن عن مشاعره العاطفية تجاهها. واعتقد البعض أنه العريس الجديد.
حضور الممثل الشاب أمير المصرى على المنصة أكثر من مرة، أبهجنا لأنه مصرى ويعتز بمصريته وأجاد دوره المركب والمتعدد الانفعالات فى فيلم (ليمبو) الذى مثل بريطانيا وكان منافسا على جائزة أفضل ممثل، ولكن رأت اللجنة أن حصول الفيلم على (الهرم الذهبى) أرفع جوائز المهرجان يعنى ضمنا أن البطل يستحق الجائزة.
*****
أسدل الستار قبل ساعات عن تلك الدورة الاستثنائية الفاصلة، وأتصور أن الستار سيفتح مجددا خلال أيام أو على أكثر تقدير خلال الأيام القليلة القادمة؛ لأن حفظى لن يبدد طاقته فى إيقاف هجمات ضارية فى دائرتين هما الصحافة والسينمائيون، الخطة تتلخص فى دفعه لتقديم استقالته. هو لم يسع لرئاسة المهرجان ولكن تم تكليفه، حالة الوهج التى حققها مؤخرا المهرجان عربيا ودوليا لا يمكن إغفالها، هناك ولا شك أخطاء تنظيمية، ولكن الخطيئة هى أن تتحدد ساعة الصفر لكى يضرب فى مقتل، هناك خطوط تماس فى بعض الدوائر بين المنتج حفظى ورئيس المهرجان حفظى، وكثيرا ما اعتذر المنتج عن مشروعات وضحى أيضا بأخرى من أجل ذلك، ولكنهم مصرون على دفعه للاستقالة لتبدأ معركة حدثت قبل ثلاثة أعوام فى زمن الوزير السابق الكاتب الصحفى الصديق حلمى النمنم، كان لديهم سيناريو جاهز للاستيلاء على المهرجان، ولم يوقع حلمى على الاسم الذى دفعوا به عنوة لرئاسة المهرجان وهو بالمناسبة لا يملك أى كفاءة مهنية أو إدارية، ولم تحسم الجدل سوى الوزيرة د. إيناس عبد الدايم عندما راهنت على حفظى وجاء رهانها صائبا، ثلاث سنوات حققت الوهج والحضور، وقدرا من الأخطاء، لا يمكن إغفالها، تصاحب عادة المهرجان منذ انطلاقه عام 76، وعلينا أن نتابع الأيام القادمة فصول السيناريو الخائب الذى بدأ بالفعل أول مشاهده فى (الميديا).