يصادف اليوم الذكرى الثالثة لقرار الولايات المتحدة الأمريكية للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ففي الـ 6 ديسمبر 2017، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرا بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ونفذه في 14 مايو 2018، في الذكرى السبعين لنكبة فلسطين، أو كما يسميها الصهاينة «ذكرى الاستقلال».
في الوقت الذي يبدأ فيه العد التنازلي، استعدادا لمغادرة ترامب للبيت الأبيض، يوافق اليوم أحد أكثر قراراته إثارة للجدل.
ردود أفعال دولية
القرار ترك غضبا عارما في الساحة الدولية، ونال القرار انتقادات من دول العالم الكبرى، وأعرب الاتحاد الأوروبي عن رفضه لقرار ترامب، على لسان فيديريكا موغيريني، ممثلة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعرب عن رفضه للقرار، وتمسكه بالحوار لحل الدولتين، الأمر نفسه أكدت عليه روسيا مؤكدة أنها تعتبر القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية والقدس الغربية عاصمة لإسرائيل.
المجتمع الدولي سرعان ما سعى لاستصدار قرار من الأمم المتحدة يدين خطوة ترامب، ليجدوا أن طريق مجلس الأمن مسدودا بفيتو أمريكي، ما دفعهم لأن يسلكوا مسلك الجمعية العامة، التي لا يتمتع فيها الأعضاء بفيتو، وفي 18 ديسمبر استخدمت واشنطن حق النقض الفيتو وسط موافقة باقي أعضاء المجلس، لتعطيل مشروع القرار الأممي تقدمت به مصر، لإدانة قرار الرئيس الأمريكي حول القدس.
ولتقر الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة في 20 ديسمبر، مشروع قرار يرفض تغيير الوضع القانوني لمدينة القدس، بواقع 128 دولة، ومعارضة 9 دول، وامتناع 35 عن التصويت.
موقف فلسطين وإسرائيل
وسط الرفض الدولي أتى التنديد الفلسطيني بالقرار صريحاً وسريعاً، على لسان الرئيس الفلسطيني محمود عباس معتبراً أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يمثل «إعلاناً بانسحاب الولايات المتحدة من ممارسة دورها الذي كانت تلعبه خلال العقود السابقة في رعاية عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين» و«يدمر أي فرصة في حل الدولتين».
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رحب بالقرار، ووصفه بـ«التاريخي»، شاكراً ترامب على ما وصفه بـ«القرار الشجاع والعادل»، ودعا دول العالم إلى أن تحذو حذو الولايات المتحدة بنقل سفاراتها إلى القدس.
دول على خُطى ترامب
المجتمع الدولي لم يتحمس لخطوة ترامب، سوى بعض دول أمريكا اللاتينية والتي تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ كبير فيها، وبالتزامن مع افتتاح «ترامب» لسفارة بلاده في القدس، كانت جواتيمالا بعدها بيومين تفتتح سفارتها في القدس، كما أن باراجواي من جانبها نقلت سفارتها من تل أبيب إلى القدس، في مايو 2018، قبل أن تتراجع وتسحب سفارتها بعد أربعة أشهر فقط، في سبتمبر من العام نفسه.
مؤخراً وعدت دول أخرى بنقل السفارة، إذ قال رئيس هندوراس «خوان أورلاندو هرنانديز» مرات عدة إنه سيقرر نقل سفارة بلاده إلى القدس قبل نهاية عام 2020، توازى ذلك مع مغازلة هندوراس لإسرائيل بافتتاح مكتب تجاري في القدس سبتمبر من العام الماضي، كخطوة أولى نحو نقل السفارة، كما وصفها «هرنانديز»، سبق ذلك افتتاح المجر مكتب تمثيل تجاري له وضع دبلوماسي في القدس مارس 2019.
هناك دول أوروبية تعتزم الانضمام لسرب «ترامب»، آخرها التشيك التي أعلن المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي، أوفير جندلمان، منذ أربع أيام عن نية براغ لنقل سفارتها للقدس، لكن التشيك لم تحصل على لقب أول دولة أوروبية تعد بنقل سفارتها، ففي 4 سبتمبر الماضي احتفى «نتنياهو» بصربيا معلناً أنها ستنقل سفارتها إلى القدس، في موعد أقصاه يوليو 2021، الأمر الذي سرعان ما أكد مسؤولون صربيون أن الأمر «ليس نهائيا»، خاصة حال اعترفت تل أبيب باستقلال إقليم كوسوفو.
التردد من نقل السفارة تكرر مع رومانيا في مارس 2019 حين أعلنت رئيسة الوزراء الرومانية «فيوريكا دانسيلا»، أمام مجلس أعمال اللوبي الأمريكي الموالي لإسرائيل «ايباك»، الأمر الذي نفته وزارة الخارجية الرومانية فيما بعد للخارجية الأردنية.
يعول الإسرائيليون على نوايا عدة لبعض الدول في العالم لاتخاذ الخطوة، النوايا التي ستكون موضع اختبار حال خروج «ترامب» من البيت الأبيض.
لكن لماذا لم يحذُ العالم حذو ترامب، هل الأمر لمناصرة القضية الفلسطينية، وحقوق الفلسطينيين المسلوبة عبر عشرات السنوات؟ حقيقة فإن الأمر ليس بهذه الصورة، فقرار ترامب يأتي مخالفاً لقرارات مجلس الأمن، وخاصة القرار رقم 478 لعام 1980، والذي طالب فيها الدول التي لديها بعثات دبلوماسية في القدس بسحب بعثاتها، وأتى قرار مجلس الأمن رداً على «القانون الأساسي» بشأن القدس الصادر من الكنيست الإسرائيلي والذي نص على أن القدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل.
خارج السرب الدولي
يذكر أن قرار ترامب ليس القرار الوحيد المخالف للشرعية الدولية في عهده، كان ترامب اعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، في مارس من العام الماضي، رغم تعارضه مع القرار رقم 497 لعام 1981.
مستقبل القرار
يبقي التساؤل الأبرز هل من الممكن أن يؤثر رحيل ترامب عن السلطة في عدول الولايات المتحدة عن قرارها؟ الأمور لا تبشر، «جو بايدن» الرئيس المنتخب، تعهد أثناء حملته الانتخابية بإبقاء سفارة بلاده لدى إسرائيل في موقعها الجديد في القدس إذا ما انتخب رئيسا، في إبريل الماضي بمؤتمر افتراضي عقد عبر تطبيق زووم، خاصة أن قرار ترامب ليس من بنات أفكاره، لكنه يرتكز على قانون أصدره الكونجرس الأمريكي عام 1995، فيما عرف بـ«قانون سفارة القدس»، الذي طالب الحكومة الفيدرالية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، لكن الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين أجلوا تنفيذ القانون أملاً في حدوث تطور في مباحثات السلام.