كشف تقرير حديث أعده فريق ضم باحثين من معهد عبداللطيف جميل لمكافحة الأمراض المزمنة والأوبئة والأزمات الطارئة (J-IDEA) في إمبريال كوليدج لندن بأن غالبية الوفيات الناجمة عن فيروس كوفيد-19 في الخرطوم بالسودان لم يتم رصدها.
ويقدر التقرير أن نسبة الوفيات المعلن عنها فعليًا في العاصمة السودانية الخرطوم والناجمة عن كوفيد-19 لا تتجاوز 2٪، وهو ما يعني أن هناك ما يقارب 16،090 حالة وفاة لم يتم الإعلان عنها حتى 20 نوفمبر. وخلص الباحثون كذلك إلى أن 38.0٪ من سكان الخرطوم مصابين بالفيروس. وبذلك يمكن إرجاع المستويات العالية من المناعة التي كانت سائدة بعد نهاية الموجة الأولى إلى عدم دقة الإبلاغ عن أرقام الوفيات الناجمة عن كوفيد-19.
ويتوقع الباحثون أنه في حال بقي معدل انتقال العدوى عند المستويات الحالية مع بقاء معدل الوفيات غير المؤكدة عند 3٪، فمن الممكن أن تبلغ الموجة الثانية ذروتها قبل عام 2021 وستكون مماثلة في الحجم للموجة الأولى التي ما تزال مستمرة حتى الآن، بل ومن المتوقع أن تكون الموجة الثانية أشد وطأة من الموجة الأولى إذا ما بلغت نسبة الوفيات غير المؤكدة 5٪.
ورُغم أن الجائحة تسببت في إجهاد النظم الصحية في العديد من البلدان ذات الدخل المرتفع إلى حد قارب مستوى طاقتها الاستيعابية القصوى، إلا أن عدم وجود إصابات بحجم مماثل في العديد من البلدان الأفريقية كان محيرًا بشكل خاص للباحثين، الذين لم يكن أمامهم سوى الاعتقاد بأن عدم الإبلاغ أو عدم القدرة على التحقق من وفيات كوفيد-19 قد يكون سببًا محتملًا لتفسير هذه الأرقام المنخفضة، ولكن يبقى أن التأكد من مدى صحة ذلك ما يزال غير ممكن باستخدام أنظمة التسجيل الحيوي وإمكانات الاختبار المحدودة في العديد من البلدان.
وضم فريق البحث العالمي الذي أصدر التقرير باحثين من فريق إمبريال كوليدج لندن المعني بمكافحة فيروس كوفيد-19 من ضمنهم باحثين من معهد جميل، بالتعاون مع كلية لندن للصحة والطب الاستوائي، ومجموعة أبحاث كوفيد-19 في السودان، وشبكة تثقيف الاقران الشباب بالسودان ومدرسة هارفارد تي إتش تشان للصحة العامة.
يذكر أن معهد جميل تأسس العام الماضي، وشارك في تأسيسه كل من إمبريال كوليدج لندن، ومجتمع جميل، المنظمة الخيرية الدولية التي تأسست بمبادرة من رجل الأعمال والمشاريع الخيرية السعودي محمد جميل. واحتفل معهد جميل الاسبوع الماضي بالذكرى الأول لتأسيسه خلال ندوة جمعت العديد من الحائزين على جائزة نوبل، وعلماء الأوبئة، ومحافظو البنوك المركزية، ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، لمناقشة عالم ما بعد كوفيد-19.
يركز التقرير الجديد حول السودان على محاولة استنتاج المعدل الحقيقي للوفيات الناجمة عن كوفيد-19 بما يسهم في إعطاء صورة أكثر اكتمالاً لحجم الأوبئة. ظهر وباء كوفيد-19 في الخرطوم بين أبريل وسبتمبر 2020، وإن كان بمعدل أبطئ من حيث انتقال العدوى لكنه لم يصل مطلقًا إلى مرحلة الإصابات الصفرية. ويُعزى انخفاض إصابات كوفيد-19 خلال الموجة الأولى إلى التدخلات المنفذة وزيادة المناعة لدى السكان.
يظهر البحث أن التدخلات كانت فعالة وأدت بالفعل إلى انخفاض رقم التكاثر الأساسي من 3.5 إلى 1 بحلول 20 أبريل، لكن إنهاء تدابير الإغلاق والحظر المشدديّن في يوليو تسبب في زيادة معدل انتقال العدوى مجددًا، ما أدى إلى ارتفاع رقم التكاثر الأساسي فوق 1 خلال سبتمبر.
ويشدد الباحثون على أهمية استمرار حماية الأفراد المعرضين لمخاطر عالية للمساعدة في تقليل معدل الوفيات خلال الموجة الثانية، لا سيما في ظل عدم وجود نية لفرض تدابير مشددة جديدة. ويرى الباحثون كذلك أن إجراء تحقيقات بأثر رجعي حول الوفيات قد يساعد في تأكيد أرقام الوفيات المفقودة، وهو ما من شأنه أن يحدد مسار الموجة الثانية ومدة الإبقاء على التدابير الوقائية.
شارك في إعداد التقرير كلًا من مركز منظمة الصحة العالمية التعاوني لنمذجة الأمراض المعدية داخل مركز ام ار سي لتحليل الأمراض المعدية العالمية، وذلك تحت مظلة معهد عبداللطيف جميل لمكافحة الأمراض المزمنة والأوبئة والأزمات الطارئة (J-IDEA)، إمبريال كوليدج لندن.
يُذكر أنه منذ ظهور فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في ديسمبر 2019، تبنى فريق إمبريال كوليدج لمكافحة فيروس كورونا سياسة تبادل نتائج الأبحاث على الفور حول مستجدات الوباء.