حسناً فعل مجلس الوزراء عندما طرح التعديل الذى أدخله على قانون الغدر للحوار قبل أن يصدر فى صورة مرسوم من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليبدأ تطبيقه. ذلك أن هذا التعديل لو طبق كما انتهى إليه مجلس الوزراء يمكن أن يؤدى إلى مجزرة تطال كل من شارك فى الحكم والمسؤولية على امتداد فترة حكم جمال عبدالناصر، وأنور السادات، وحسنى مبارك، وليس فترة الرئيس السابق وحدها.
وقانون الغدر، كما أصبح معروفاً، هو قانون لجأت إليه ثورة 23 يوليو عام 52 لمطاردة رجال الأحزاب السابقة على الثورة وإقصائهم من العمل السياسى بتهمة ارتكابهم عملاً من عدة أعمال يستحيل أن يفلتوا من واحد منها. وقد ظل هذا القانون فى حالة كمون طوال 58 سنة حتى جاءت ثورة يناير وتقرر بعث الحياة فيه من جديد بعد إدخال تعديلات على ثلاث مواد فيه هى المواد 2 و3 و4، علماً بأن القانون يتضمن ثمانى مواد إلى جانب المادة التنفيذية له.
لكن الخطير أن المادة الأولى لم يدخل عليها أى تعديل، وبالتالى يمكن أن تصبح سارية إذا أقرت التعديلات المطروحة. وهذه المادة الأولى تقول نصاً: «فى تطبيق أحكام هذا القانون يعد مرتكبا لجريمة الغدر كل من كان موظفاً عاماً أو وزيراً أو غيره وكل من كان عضواً فى أحد مجلسى البرلمان أو أحد المجالس البلدية أو القروية أو مجالس المديريات وعلى العموم (هكذا قال النص) كل شخص كان مكلفاً بخدمة عامة أو له صفة نيابية عامة (والآن خذوا بالكم جيداً من التالى) وارتكب بعد أول سبتمبر 1939 فعلاً من الأفعال الآتية»، ثم بعد ذلك عدد النص هذه الأفعال ومنها ارتكاب أى عمل من شأنه إفساد الحكم أو الحياة السياسية أو استغلال النفوذ سواء للحصول لنفسه أو لغيره على وظيفة فى الدولة أو منصب أو ميزة أو فائدة بالاستثناء من القواعد السارية، أو إجراء تصرف من شأنه التأثير بالزيادة أو النقص فى أثمان العقارات والبضائع والأوراق المالية.. إلخ.
لكن الذى أريد التركيز عليه ـ وهو خطير جداً ـ ما ورد فى المادة التى لم يصبها التعديل، والتى تشير إلى أن يكون العمل الذى يعتبر فعلاً مؤثماً خاضعاً لعقوبة الغدر قد ارتكب بعد أول سبتمبر 1939، وهو ما يعنى أن القانون لا يتوقف أمام الذين تولوا المسؤولية فى عصر حسنى مبارك، وإنما هو يفتح لكل من يريد دفاتر كل مسؤول من الرئيس إلى الوزير وأى موظف تولى الخدمة من 1939 ومازال حياً اليوم بصرف النظر عما إذا كان مازال فى الخدمة أو تركها وهو حالياً على المعاش، فالمهم أنه مازال حياً. فهل هذا هو المطلوب؟ شخصياً قد يكون عدلاً محاكمة من أوصلنا إلى ما نحن فيه اليوم.
ففترة حسنى مبارك ليست وحدها المسؤولة عما أصاب التعليم والثقافة والأخلاق، وهى الأسس الثلاثة التى نعيش حالياً نتائجها، ولكن مرة أخرى، هل هذا هو المطلوب اليوم؟![email protected]