لا يجب أن تتوقف قراءتنا لنتائج الانتخابات الأمريكية عما جرى فى مصر «سنة الإخوان»، ولا يجب أن يختزل البعض موقفه على ضوء من فرح لفوز بايدن ومن حزن على خسارة ترامب لأن القادم لن تكون له علاقة تذكر بما جرى فى مصر من 2011 وحتى 2013.
والحقيقة أن فوز بايدن سيعنى عودة لرؤساء أمريكا الطبيعيين، الذين يدافعون عن مصالح أمتهم ويسعون للتحالف مع دول متوائمة مع الاستراتيجية الأمريكية، ويحترمون على الأقل داخل بلادهم مجموعة من القيم والتقاليد الديمقراطية والمؤسسية كانت كلها سببا فى تقدم أمريكا وجعلها القوة العظمى الأولى فى العالم.
إن هزيمة ترامب أو سعادة الكثيرين بخسارته ترجع إلى أنه كان «خارج الطبيعى» وقام بممارسات خارج الفطرة الإنسانية السوية وأن ما يفعله الآن من عدم اعتراف بالهزيمة يمثل خروجا عن تقليد أمريكى عمره ما يقرب من قرنين.
ومع ذلك سيظل مشروعا الحزبين: الجمهورى المحافظ، والديمقراطى الليبرالى مسيطرين على الحياة السياسية الأمريكية، وأن استمرار وجود التيار المحافظ وقوى اليمين المتشدد فى أمريكا مؤكد لأن من خسر هو بالأساس «طبعة ترامب» من هذا التيار.
فمازالت قضية المهاجرين تشغل بال قطاع واسع من الأمريكيين، ورفض تيار من الشعب الأمريكى لفتح البلاد أمام الهجرة بضوابط لينة واضح، كما أن كراهية العرب والمسلمين لدى تيار آخر يغذيها تكرار العمليات الإرهابية مؤكد، وأخيرا رفض سياسات العولمة وكثير من السياسات الليبرالية التى جعلت هناك فارقا كبيرا بين ثقافة وتصويت المدن الصغرى والقرى، وبين المدن الكبرى، فالأولى تصوت فى غالبيتها لمفاهيم السيادة الوطنية ورفض العولمة والدفاع عن القيم المحلية وترى أن الحزب الجمهورى يعبر عنها، والثانية تصوت بدرجة كبيرة لصالح العولمة والقيم الإنسانية الواحدة فى الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وحرية التجارة ونظام السوق وترى أن الحزب الديمقراطى يعبر عنها.
لن يختفى الاتجاه المحافظ مع هزيمة ترامب، كما أن مشاكل العرب المستمرة (الإرهاب الدول الفاشلة) لن تجعل الاتجاه الليبرالى داعما له بالصورة التى يتخيلها البعض، خاصة أن قضاياه التحررية التى نالت تعاطف أصوات الضمير وقوى تقدمية كثيرة فى العالم قد تراجعت بما فيها القضية الفلسطينية التى انقسم من يتحدثون باسمها وحاربوا بعضهم أكثر مما حاربوا إسرائيل، فبايدن لن يجد واقعا عربيا وفلسطينيا يساعده على إحداث تغيير جذرى فى السياسة الأمريكية لصالح القضية الفلسطينية، حتى لو تراجع عن بعض قرارات ترامب.
أهمية الخبرة الأمريكية أن أنساقها السياسية الكبرى، ممثلة فى الديمقراطيين والجمهوريين، قادرة على التجديد الذاتى وعلى لفظ النماذج التى تخرج عن القواعد والتقاليد كما فعلت مع ترامب، وأنه مطلوب من دول العالم العربى أن يصلحوا من أحوالهم الداخلية حتى يستطيعوا التأثير فى أى من المعادلتين.