x

شاهر عيّاد «مثقف السلطة».. الحاجة إلى إدوارد سعيد شاهر عيّاد الجمعة 15-07-2011 20:44


علاقة المثقف بالسلطة علاقة شائكة تناولتها العديد من الدراسات والكتب والأبحاث الأكاديمية، ولخصتها بشكلٍ وافٍ دراسة المفكر العربي الفلسطيني إدوارد سعيد في كتاب «المثقف والسلطة»، مضمنًا إياه تعريفات «المثقف» والدراسات التي بحثت علاقته التاريخية بالسلطة في أطوار تطورها المختلفة على مدى التاريخ الإنساني، قبل أن يقدم تصوره هو لهذه العلاقة.

ويعتقد سعيد أن على الجامعات أن توفر للمثقف المناخ الملائم للبحث والتأمل واستخراج النتائج وأن تحميه من ضغوط السلطة لإجباره على قول ما تحب أن تسمع، مستذكرًا كتاب المفكر الفرنسي ريجيس ديبراي «معلمون ومشاهير.. المثقفون في فرنسا الحديثة» والذي يرصد حال المثقفين الفرنسيين بين عامي 1880 و1930، وكيف استطاعوا التحول من «لاجئين يفرون من بطش الكنيسة والنزعة البونابرتية» إلى أساتذة يعملون في المختبرات والمكتبات وقاعات الدرس محرزين خطوات تقدم مهمة في المعرفة الإنسانية.

وفي السياق نفسه يقسم المفكر السوري برهان غليون المثقفين العرب تخصيصًا إلى أربعة أنواع، الذي التحق بالسلطة وعمل في خدمتها فقدم خبرته دون أن يكون له دور حقيقي في صنع القرار، والذي انتقد بيروقراطيتها فتعرض لملاحقتها وتهميشها له وتنكيلها به، والذي ارتد إلى المشاريع الأجنبية، والذي تجرد من كل التزام اجتماعي وانكفأ على أبحاثه في سياقها المجرد، محررًا أياها من كل علاقة بالسياسة والسلطة.

ونماذج المثقفين الذين يخاطبون الجماهير بما تحب السلطة سماعه كثيرة ولا يحمل في الغالب حديثهم أهمية بحد ذاته، ولكن هناك نماذج أخرى تماهت مع السلطة وصارت جزءًا منها، ولو لم يكن لها أدوار في صنع القرار فإن اضطلاعها بمناصب استشارية لمسؤولين يثير قلقًا حتى لو لم يحمل خطابها أهمية بحد ذاته، لأنها تعطي انطباعًا سلبيًا حول إخلاصها أو كفاءتها في تقديم المشورة، خاصة وأن ما نراه من قرارات يعكس خذلان المثقف الذي بات جزءًا من السلطة لجمهوره، أو يعكس تهميشه من قِبل السلطة.

والنموذج الأوضح على هذه الحالات هو الدكتور المعتز بالله عبد الفتاح، والذي أصبح بعد الثورة مستشارًا سياسيًا لرئيس الوزراء، في حكومة تولت مسؤوليتها بشرعية ثورية، نموذج المثقف الذي وصفه سعيد بأنه «كرس جهوده كلها لتحقيق أهداف السياسات التي تضعها الحكومة أو الشركات الكبرى».

ثمة خذلان واضح للحقيقة قبل أن يكون خذلان للجماهير، في المنبر الذي يطل منه على قرائه في «الشروق» من خلال مقالاته اليومية التي دأب على كتابتها قبل اضطلاعه بمنصبه الجديد. ولكن حالة الانفصال هذه بين «الفكرة» و«السلطة» لدى عبد الفتاح والتي حولته إلى «مثقف سلطة» بدت في أوضح صورها في مقاله المعنون «تهييس الإعلام».

هنا يعلن عبد الفتاح، ذو الخلفية الأكاديمية والذي حقق صيتًا مما يكتبه من مقالات تنشرها الصحف، بثبات ووضوح، انحيازه التام للسلطة التي أصبح جزءًا منها، منتقدًا بوضوح «تهييس الإعلام»، ومبررًا في الوقت نفسه «تهييس السلطة».

يشكو «مثقف السلطة» في مقاله من أن وسائل الإعلام تنشر معلومات غير دقيقة عمّا يجري في أروقة مؤسسات صنع القرار في الدول، وأنه استجلى عدم الدقة هذه عندما أصبح جزءًا من العملية السياسية التي ينتج عنها صنع القرار فتمكن من مقارنة ما يراه بعينه بما يقرأه ويسمعه في الإعلام، متناسيًا أن هذه السلطة مكلفة من قبل ثورة شعبية ببناء أساس صلب للممارسة السياسية، وهذا الأساس ينبغي أن يشارك الشعب الذي قام بالثورة في بنائه، لا أن تقوم السلطة بالبناء في الأروقة وبسرية، ثم تعلن ما توصلت إليه على أن يقوم مستشاروها من «مثقفي السلطة» بترويجه لاحقًا باعتباره الممكن الوحيد وأفضل ما يمكن الوصول إليه.

وحتى مرور «مثقف السلطة» بسرعة على غياب قانون لتداول المعلومات والذي «قد» يقع عليه جزء من المسؤولية معتبرًا أن «من لا يستطيع الزواج لا يحل له الزنا»، يثير تساؤلاً مهمًا عن ذلك المستشار السياسي الذي أشار على رئيس الوزراء بسن أو بالموافقة على تشريع يجرّم الاعتصامات، في الوقت الذي يعتبر فيه غياب قانون حرية تداول المعلومات أمراً ثانوياً لا يتطلب البدء في اتخاذ إجراءات إصداره، ويثير تساؤلاً آخر عن الحكم الشرعي على ذلك الذي يمنع القادر على الزواج، بشكل متعسف، من المضي في إجراءات إتمامه، دافعًا إياه إلى ممارسة الزنا.

ويبدو الانحياز إلى السلطة ناصعًا في وضوحه عندما ينقل ألم أحد أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يمارس عمله رغم إجرائه عملية زرع كبد، في الوقت الذي لا يشعر فيه «بتوع نضال آخر زمن في الاستوديوهات»، بهذا الألم ويشتمون أحد أعضاء المجلس الذين يمارسون أعمالهم ليل نهار رغم اشتداد المرض عليهم.

لم يسجل على الإطلاق «شتم» عضو في المجلس العسكري ولا تبدو مسألة منطقية، خاصة لو تذكرنا أن صحفيًا أحيل إلى النيابة العسكرية لمجرد أنه عبّر عن خشيته من وجود «تفاهم» بين المجلس وبين الإخوان، لا يصدق أحد أن القوات المسلحة تتسامح مع «شتم» أحد قياداتها على الهواء.

ولكن لأن «مثقف السلطة» لم يملك شجاعة ذكر أسماء فإن الاتهامات ودفعها تظل مسألة غير ذات جدوى، فلا واقعة بعينها يمكن الرجوع إليها وليس ثمة أطراف خلاف، لم يعلن المجلس العسكري أن أحد أفراده يمر بوعكة صحية، ولم يشكو أحد من أن أحدًا شتم أحد، وفي النهاية فإن المرض (شفى الله وعافى أي عضو في المجلس العسكري لو كان مصابًا بمرض بالفعل) لا يصح أن يكون مبررًا لسوء الإدارة، ولو سيق كمبرر فمفهوم أن يصدر عن «السلطة» لا عن «المثقف».

مطالب تطهير الحكومة لا ينبغي أن تنصب على الوزراء من بقايا لجنة السياسات في الحزب الوطني المنحل، أو أولئك الذين مع نظافة أيديهم وصدقهم لم يثبتوا كفاءة فيما هو موكول إليهم من قبل الشعب، بل ينبغي أن تمتد أيضًا إلى المستشارين، فنستبدل منهم من يُسمِع «السلطة» ما يريده الشعب، بمن يُسمِع «الشعب» و«السلطة» ما تريده هذه الأخيرة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية