x

زلزال اقتصادي يهز العالم والمنطقة العربية غائبة.. اتفاق تجارة حرة بين 15 دولة بآسيا والمحيط الهادئ

الخميس 19-11-2020 19:06 | كتب: مصباح قطب |
اتفاقيات التجارة الحرة اتفاقيات التجارة الحرة تصوير : آخرون

لم ترتق ردود الأفعال العربية، حتى اللحظة، على توقيع أكبر اتفاق للتجارة الحرة فى التاريخ- كما تم وصفه، بين 15 اقتصادًا فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، الأحد الماضى، إلى مستوى الحدث أو الزلزال، كما لم تعلق الدوائر الأمريكية والغربية على الأمر بشكل رسمى حتى الآن، رغم أن الاتفاق ينقل عمليًا قيادة التعددية الاقتصادية والتجارة الحرة، وباختصار العولمة الجديدة إلى الصين وحلفائها، بينما يتزايد نزوع أمريكا إلى الحمائية ورفض المعاهدات والاتفاقيات الدولية متعددة الأطراف.

والاتفاق الذى تم توقيعه خلال قمة دول الآسيان الأخيرة فى فيتنام يغطى ما يقرب من ثُلث سكان العالم ونحو 30 % من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، وهو ما يمثل شراكة اقتصادية إقليمية شاملة تتضمن تخفيض الرسوم الجمركية تدريجيًا ومكافحة الحمائية، وتعزيز الاستثمار، إلى جانب السماح بحرية حركة البضائع والخدمات والاستثمارات داخل المنطقة، حيث تشمل الاتفاقية (الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا) إلى جانب الأعضاء الـ 10 فى رابطة دول جنوب شرق آسيا الآسيان (بروناى وفيتنام ولاوس وكمبوديا وتايلاند وميانمار وماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا والفلبين)، ورغم انسحاب الهند التى شاركت فى المناقشات مبكرًا، بسبب مخاوف تتعلق بالواردات الصينية الرخيصة، قالت الدول الأعضاء، إنه لا يزال هناك متسعًا أمامها فى أى وقت بعد نفاذ الاتفافية للانضمام إلى (RCEP) كما يمكن لأى دولة غير ذلك الانضمام بعد 18 شهرًا.

ورغم أن الصين ترتبط باتفاقيات تجارة حرة ثنائية مع عدد من الدول، لكن هذه المرّة الأولى التى تُبرم فيها اتفاقًا تعدديًا، ولفهم أبعاد هذا الاتفاق، نعرض تقريرين من جانبى الحدث، الأول من العاصمة الفيتنامية «هانوى» على موقع «بانجوك بوست دوت كوم»، وفيه إسهام لـ«رويترز» والثانى عن معهد بروكنجز الأمريكى، تم نشرهما فى اليوم التالى لتوقيع الاتفاقية.

«بانجوك بوست» ذكر معلومات لم ترد فى تغطيات أخرى، وقال إن وزارة الخارجية النيوزيلندية أعلنت، فى بيان، أن الاتفاقية المكونة من 510 صفحات، و20 فصلًا، لم تُعلن قبل حفل الأحد، لأن عددًا من الأطراف لا يوافق على نشر النص قبل التوقيع.

وأضاف الموقع أن (RCEP) يمثل المرّة الأولى التى يتم فيها الجمع بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية بموجب اتفاقية تجارية واحدة، وهى عملية شابتها من قبل نزاعات تاريخية ودبلوماسية سابقة، ليس بين الصين واليابان فحسب؛ لكن أيضًا بين اليابان وكوريا الجنوبية، بينما قالت المدير التنفيذى لمركز التجارة الآسيوى فى سنغافورة، ديبورا إلمز: «قد تجد اليابان فوائد كبيرة من خلال RCEP، حيث تتمتع الآن بوصول تفضيلى إلى كوريا الجنوبية والصين، وهو ما لم يكن لديها».

ويوفر الاتفاق بعض المرونة للأعضاء الأقل تطورًا لتنفيذ التغييرات العملية والتشريعية التى تطلبها العضوية، فـ«كمبوديا ولاوس» على سبيل المثال، لديهما 3 إلى 5 سنوات لتحديث الإجراءات الجمركية، كما أن المناطق المفتوحة لتخفيضات الرسوم الجمركية فى إطار (RCEP) معقدة وتتغير من بلد إلى آخر، فبالنسبة للبلدان التى لديها بالفعل اتفاقيات تجارة حرة مع بعضها البعض، هناك ميزة إضافية لـ(RCEP) وهى أنها تخلق مجموعة مشتركة من قواعد المنشأ، والتى ستسهل بدورها حركة البضائع بين الأعضاء الـ15.

وأشار «بانجوك بوست» إلى أنه تم النظر إلى فكرة (RCEP) التى ظهرت فى 2012، على أنها وسيلة للصين، أكبر مستورد ومصدر فى المنطقة، لمواجهة النفوذ الأمريكى المتزايد فى منطقة آسيا والمحيط الهادى، لكن الأمور اكتسبت زخمًا عندما انسحب الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب من الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP) فى 2017، وهى الشراكة التى أراد بها الرئيس السابق، باراك أوباما، مواجهة الصين بطريقته؛ أى بإبرام اتفاق عميق مع كبريات اقتصاديات آسيا دون الصين.

ولاحقًا تم تغيير اسم (TPP) إلى الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادئ (CPTPP) وتم توقيعها 2018، وهى تضم 7 أعضاء فى RCEP، ليس منها الولايات المتحدة.

والاتفاق الأخير للدول الـ15، لا يتطلب تنازلات سياسية أو اقتصادية كبيرة، ويركز بشكل أقل على حقوق العمال وحماية البيئة والملكية الفكرية وآليات تسوية المنازعات، وحجم سوق RCEP أكبر بـ5 مرات تقريبًا من حجم CPTPP.

وعلى جانب آخر، نجد منظورًا مختلفًا ظهر فيما كتبه «بيتر أ. بترى، ومايكل بلامر»، من معهد «بروكنجز»، فيقول الكاتبان إنه كان من المقرر أن تكون الهند والولايات المتحدة عضوين فى (RCEP، وCPTPP) على التوالى، لكنهما انسحبتا فى ظل حكومتى رئيس الوزراء الهندى، نارندار مودى، والرئيس الأمريكى، دونالد ترامب.

ويضيف الكاتبان أن الاتفاقية تحفز بقوة مهمة التكامل داخل شرق آسيا وبين الصين واليابان، ما يقوى نفوذ الصين ويقلل دور أمريكا، وهذا جزئيًا نتيجة سياسات الولايات المتحدة، لذا تحتاج أمريكا إلى إعادة التوازن إلى استراتيجياتها الاقتصادية والأمنية لتعزيز ليس فقط مصالحها الاقتصادية، ولكن أيضًا أهدافها الأمنية، غير أنه فى السياق السياسى الصحيح، ستحقق (RCEP) مكاسب كبيرة، فى مقدمتها إضافة 209 مليارات دولار سنويًا إلى الدخل العالمى، و500 مليار دولار للتجارة العالمية بحلول 2030).

ويشير الكاتبان إلى أن (RCEP وCPTPP) معًا سيعوضان الخسائر العالمية من الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وستجعل الاتفاقيات الجديدة اقتصادات شمال وجنوب شرق آسيا أكثر كفاءة، وستربط قوتها فى التكنولوجيا والتصنيع والزراعة والموارد الطبيعية، كما أن آثار (RCEP) مثيرة للإعجاب، رغم أن الاتفاقية ليست صارمة مثل (CPTPP)، فهى تحفز سلاسل التوريد فى جميع أنحاء المنطقة وتلبى أيضًا الحساسيات السياسية، حيث لا تضيف قواعد الملكية الفكرية الخاصة بها سوى القليل لما لدى العديد من الأعضاء، ولا تذكر شيئًا على الإطلاق عن العمل أو البيئة أو الشركات المملوكة للدولة، ومع ذلك تميل الاتفاقات التجارية التى تركز على الآسيان إلى التحسن بمرور الوقت.

ويضيف «بروكنجز»: «ستستفيد جنوب شرق آسيا بشكل كبير، ولكن أقل من شمال شرق آسيا ويمكن لـ RCEP تحسين الوصول إلى أموال مبادرة الحزام والطريق الصينية، وتعزيز المكاسب من الوصول إلى الأسواق من خلال تعزيز روابط النقل والطاقة والاتصالات، كما ستجذب قواعد المنشأ المواتية لـ RCEP الاستثمار الأجنبي».

ويعتبر «بروكنجز»، أن وصف الاتفاقية على أنها «بقيادة الصين»، غير دقيق؛ فهى انتصار لدبلوماسية القوة المتوسطة فى الآسيان، ولطالما تم الاعتراف بقيمة وأهمية اتفاقية التجارة الكبيرة فى شرق آسيا، لكن لم تكن الصين ولا اليابان - أكبر اقتصادات المنطقة، مقبولين سياسيًا كمهندسين للمشروع، وتم حل الجمود فى 2012 من خلال العمل على إبرام صفقة بوساطة الآسيان التى تضمنت (الهند وأستراليا ونيوزيلندا) كأعضاء، وجعل الآسيان مسؤولة عن التفاوض على الاتفاقية، ودون «مركزية الآسيان» فى هذا العمل، ربما ما تم إطلاقًا.

ويمضى كاتبا تقرير «بروكنجز» إلى القول إنه مع ذلك فمن المؤكد أن (RCEP) ستساعد الصين على تقوية علاقاتها مع جيرانها، وحصد مكافأة 8 سنوات من المفاوضات والصبر «بطريقة آسيان» والتى تنطوى على درجات متفاوتة من المودة، والبطء الشديد، وأيضًا التوافقية والمرونة، ويضيفا: «وأبعد من ذلك أن RCEP ستسرع التكامل الاقتصادى

لشمال شرق آسيا، إذ أشار متحدث باسم وزارة الخارجية اليابانية فى العام الماضى إلى أن المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة الثلاثية بين الصين وكوريا الجنوبية واليابان، والتى ظلت عالقة منذ سنوات عديدة، ستصبح نشطة بمجرد أن يتمكنوا من إنهاء المفاوضات بشأن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية، وبالتوقيع أيضًا ستتسارع وتيرة العمل على اتفاقية استثمارية كبرى بين الصين وأوروبا».

وأهم ما ورد فى تقرير «بروكنجز» أنه تحدث عن خيارات أمريكا إزاء تلك التطورات المثيرة، فقال: «تحتاج سياسات الولايات المتحدة إلى التكيف مع الحقائق المتغيرة فى شرق آسيا، والاعتراف بالدور المتزايد للصين، ونضوج تكامل الآسيان، وتضاؤل التأثير الاقتصادى النسبى لأمريكا، ولقد ركزت سياسات إدارة ترامب فى آسيا ى البداية على رؤية جديدة حرة ومفتوحة مع منطقة المحيط الهادئ، لكن تكتيكاتها أكدت بعد ذلك على عزل الصين عن الشبكات الاقتصادية الإقليمية وأعطت الأولوية للترتيبات الأمنية التى تركز على الرباعى (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)».

وتابع التقرير: «فى الوقت نفسه، ظلت الأبعاد الاقتصادية للعمل مع آسيا، خاصة فى الاستثمارات، متواضعة، مع انشغال دائم باستبعاد الصين من سلاسل التوريد. أثار نهج الولايات المتحدة استعداء الآسيان وأصدقاء آخرين من شرق آسيا، ما أجبر تلك البلدان على اتخاذ خيارات سياسية غير ضرورية أحيانا أو محفوفة بالمخاطر.. ومستقبلا، يتمثل أحد خيارات الولايات المتحدة فى مواصلة نهج تجارة حرة مع دول المحيطين الهادئ والهندى مع دعم متعدد الأطراف أكبر، وإلّا فإن نهج ترامب وتحريضه يخاطر بتهميش الولايات المتحدة، بينما تستمر الترتيبات الاقتصادية الآسيوية التى تشمل الصين فى النمو، فى حين يتمثل الخيار الثانى للولايات المتحدة فى إعادة الانخراط الكامل فى الشبكات الاقتصادية الإقليمية جنبًا إلى جنب مع دور أمنى نشط، على سبيل المثال، يمكن للولايات المتحدة أن تنضم إلى CPTPP وتدعو إلى توسعها السريع فى إندونيسيا والفلبين وكوريا الجنوبية وتايلاند والمملكة المتحدة مع ملاحظة أن الأسواق والتكنولوجيا الأمريكية تجعل مثل هذه الترتيبات جذابة، وعلى المدى الطويل، قد تقنع الصين بالانضمام، وهناك قطعا مكاسب كبيرة، إذا فعلت ذلك، لكن يبدو أن السياسات الأمريكية الحالية لا تقدم سوى القليل من الدعم لهذا النهج».

ويتمثل الخيار الثالث لأمريكا، حسب التقرير، فى التأكيد على مشاركة القوة الناعمة المكثفة جنبًا إلى جنب مع الالتزامات الأمنية الضيقة، وسيعتمد هذا النهج على نقاط القوة الأمريكية وكسب الوقت لمزيد من المبادرات الطموحة، والمشاركة النشطة فى المنتديات الإقليمية، والتبادلات الشعبية، والدعوة المبدئية للتجارة القائمة على القواعد، والوجود العسكرى الواضح.. وقد تستفيد أمريكا من التفاهمات بين الولايات المتحدة والصين، وهو أمر مستبعد الإنجاز فى السياق الحالى.

هذا هو التصور لما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة، وتبقى فقط رؤية المنطقة العربية لهذا الاتفاق التاريخى، فى إطار الفرص والتحديات التى تكمن فيه.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية