x

القس رفعت فكري سعيد اليوم العالمي للتعددية القس رفعت فكري سعيد الخميس 19-11-2020 01:50


منذ عام 1996 واستنادًا إلى «إعلان مبادئ بشأن التسامح»، ذلك الإعلان الذى اعتمده المؤتمر العام لليونسكو فى دورته الثامنة والعشرين بباريس يوم 16 نوفمبر 1995، والأمم المتحدة تحتفل باليوم العالمى للتسامح، ويمكننا أن نصل إلى المعنى المقصود من خلال بعض الإجابات التى تلقتها منظمة «اليونسكو» عن سؤالها الذى طرحته عام 1995: ما التسامح؟

· التسامح هو احترام حقوق الآخرين وحرياتهم.

· التسامح هو اعتراف وقبول للاختلافات الفردية، وتعلم كيفية الإصغاء إلى الآخرين والتواصل معهم.

· التسامح هو تقدير التنوع والاختلاف الثقافى، وهو انفتاح على أفكار الآخرين وفلسفاتهم بدافع الرغبة فى التعلم والاطلاع على ما عندهم.

· التسامح هو الاعتراف بأنه ليس هناك فرد أو ثقافة أو وطن أو ديانة تحتكر المعرفة والحقيقة.

· التسامح هو موقف إيجابى تجاه الآخرين دون استعلاء أو تكبر.

التسامح إذًا هو احترام وإقرار وتقدير التنوع الغنى لثقافات عالمنا، ولأشكال تعبيرنا وطرق ممارستنا لآدميتنا، والتسامح ليس واجبًا أخلاقيًا فحسب ولكنه أيضًا متطلب سياسى وقانونى، ويتعزز التسامح من خلال التواصل وحرية الفكر وحرية العقيدة والديانة.. إن التسامح هو الانسجام فى الاختلاف، والتسامح ليس تنازلًا أو تعطفًا أو تساهلًا، ولكنه قبل كل شىء هو الإقرار بحقوق الإنسان العالمية والحريات الأساسية للآخرين، ويجب أن يُمارس التسامح من قبل الأفراد والمجموعات والدول، ولا تعنى ممارسة التسامح القبول بالظلم الاجتماعى أو نبذ أو إضعاف معتقدات المرء، بل تعنى أن الشخص حر فى تمسكه بمعتقداته، وفى نفس الوقت يقبل تمسك الآخرين بمعتقداتهم، إنه يعنى إقرار حقيقة أن البشر فى تباينهم الطبيعى من حيث المظهر والحالة واللغة والسلوك والقيم لهم الحق فى العيش فى سلام، وأن يكونوا كما هم، ويعنى أيضًا أن آراء المرء يجب ألا تُفرض على الآخرين.

واضح من كل هذه التعريفات أن التسامح يعنى أن هناك تعددًا وتنوعًا فى المجتمع، أيًا كانت طبيعته، وأن التسامح يعنى قبول الاختلاف، وأن التسامح نقيضه هو التعصب الذى ينفى الاختلاف، ويسعى للبحث عن التماثل وإنكار أى شكل من أشكال التنوع والاستقلال، فالتعصب هو اتجاه نفسى لدى الفرد يجعله يدرك فردًا معينًا أو جماعة معينة أو موضوعًا معينًا إدراكًا إيجابيًا محبًا أو سلبيًا كارهًا، دون أن يكون لذلك ما يبرره من المنطق أو الشواهد التجريبية، لذا فإن مناقشة موضوع التعصب أو التطرف بكل أشكاله السياسية أو الأدبية أو العنصرية أو الدينية إنما هى سبر أغوار النفس الإنسانية بنشأتها وتكوينها، وهى محاولة لا يألو الإنسان فيها جهدًا لمصارعة ذاته بذاته، فإما أن ينتصر عليها ويخضعها لسلطان العقل، أو أن تفلت من عقال العقل وتنحدر نحو الحيوانية بعد أن خلقها الله بأحسن تقويم، فالتعصب هو اتخاذ موقف متشدد فى الرأى تجاه فكرة يعتبرها المتعصب الأساس والحقيقة المطلقة الوحيدة.. وتقف وراء التعصب أسباب عديدة، فالتعصب أولًا وقبل كل شىء نزعة ذاتية أنانية «نرجسية» كامنة فى كل كائن بشرى، ولكنها تطفو إلى السطح وتبرز إلى الواقع حين يتهيأ الجو الملائم لها، حين تواجه الذات «الأنا» بالآخر وتتصور أنه تتوقف على هذا الصراع مسألة الوجود من عدمه، فالمسألة إذًا هى تصور لإيمان راسخ بأن «الآخرين هم الجحيم» كما يقول سارتر. إن التعصب هو تقديس للأنا وإلغاء للآخر، فكل ما تقوله «الأنا» يدخل فى حكم الصحيح المطلق، وكل ما يقوله الآخر يدخل فى حكم الخطأ الفادح، ويقود هذا إلى موت لغة التواصل والحوار، وحين يموت منطق الحوار تنطق الحراب والبنادق، وتُحفر الخنادق وتستباح الدماء، إن التعصب هو انغلاق وانكفاء نحو الداخل وارتداد على الذات، وتقوقع فى زاوية ضيقة ورؤية قاصرة للكون. إن الله لا يهتم كثيرًا بالذبائح والقرابين، ولكنه يهتم بالعلاقة مع الإنسان الآخر، إن شريعة الله هى: أن أحب أخى فى الإنسانية قبل كل فروض الصلاة والصوم والقرابين، فما قيمة الصلوات والأصوام والطقوس وكل مظاهر العبادة إن لم تكن هناك محبة حقيقية للإنسان الآخر؟ فهناك فرق شاسع بين التدين والإيمان الحقيقى، فالتدين كثيرًا ما يركز على المظاهر الخارجية، وهى أمور جميلة ومهمة، بينما الإيمان الحقيقى هو موقف أخلاقى يقدس القيم ويحترم الإنسان الآخر أيًا كان لونه أو دينه أو مذهبه، فما أسهل التعبد لله ورفع الصلوات والأصوام، ولكن ما أصعب التسامح وقبول الآخر المغاير.. إن الله سبحانه يريد أن يعيش البشر أسرة واحدة تربطهم رابطة المحبة، لذا فهو سبحانه لا يقبل عبادة مزيفة من قلب ممتلئ بالكراهية والتطرف والأنانية، إن العبادة الحقيقية التى تسرّ قلب الله هى التى تمر عبر الإنسان الآخر من خلال محبته وخدمته.

وقد حرر لوك «رسالة فى التسامح» نشرها فى عام ١٦٨٩، وبها أربع عبارات مهمة يذكرها الفيلسوف المصرى الدكتور مراد وهبة، هى: «ليس من حق أحد أن يقتحم باسم الدين الحقوق المدنية والأمور الدنيوية»، «فن الحكم ينبغى ألا يحمل فى طياته أى معرفة عن الدين الحق»، «خلاص النفوس من شأن الله وحده»، «الله لم يفوض أحدًا فى أن يفرض على أى إنسان دينًا معينًا». ما مغزى هذه العبارات؟.. إن مغزى هذه العبارات عند «لوك» أن التسامح يستلزم ألا يكون للدولة دين حتى لو كان هذا الدين من بين الأديان الأخرى، هو دين الأغلبية لأنه لو حدث عكس ذلك، أى لو كان للدولة دين الأغلبية فتكون هذه الأغلبية طاغية بحكم طبيعة الدين، وعندئذ يمتنع التسامح بحكم أنه نسبى، لأنه من إفراز العقد الاجتماعى المؤسس على العَلمانية.


[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية