ترقب يسود العالم، لمتابعة تطورات الانتخابات الرئاسية الأمريكية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس المنتخب جو بايدن، مع أزدياد حالة الاحتقان والاستقطاب داخل المشهد السياسي الأمريكي، في سابقة هي الأولي في التاريخ.
بعد إصرار «ترامب» على أنه الفائز في الانتخابات، وتشكيكيه في نزاهة العملية الانتخابية، في الوقت الذي اعلنت فيه شبكات إعلامية أمريكية، ومراكز أستطلاعات فوز بايدن بالانتخابات، وأستقبل التهانى من عدد من زعماء دول العالم.
ولم يسبق لرئيس الامريكي أن شكك في نزاهه الانتخابات الأمريكية، كما أن الاعتراف بالهزيمة وتهنئة المرشح الفائز يعد أحد أهم التقاليد السياسية الأمريكية منذ عام 1896، حين أرسل المرشح الديمقراطي ويليام جينينغز بريان إلى الرئيس ويليام ماكينلي، خطاب تهنئة بالفوز بالانتخابات، ورغم ذلك لم يتواصل كلا المتسابقين في انتخابات 2020 مع بعضهما حتى الأن.
ووسط هذا الجدل تتجه الأنظار صوب المؤسسات الأمريكية ودورها في تهدئة الموقف، وبالأخص الجهاز القضائي الأمريكي، وراسه المحكمة العليا في الولايات المتحدة بعد رفع حملة ترامب الانتخابية للعديد من القضايا في محاكم ولايات عدة، للطعن في العملية الانتخابية.
دور المحكمة العليا
إيهاب عباس الإعلامي والباحث السياسي من واشنطن يقول «إن المحاكم الامريكية لا تفصل في نتائج الانتخابات لكنها تفصل في الإجراءات المصاحبة للانتخابات، مثل فرز ونقل الأصوات»
موضحاً أنه حال وصول الدعوى القضايا التي رفعها ترامب إلى المحكمة العليا بالولايات المتحدة، فإنها قد تبطل بعض الاصوات، كالأصوات الذي وصلت بالبريد بعد 3 نوفمبر أو تأمر بإعادة الفرز، لكن لا تقرر المحكمة الفائز»
فمن هو المتحكم في نتائج الأنتخابات، يجيب المحلل السياسي، إن تصويت المجمع الانتخابي هو ما سيحسم الانتخابات الأمريكية بشكل رسمي«
ويصوت 538 ممثل من الولايات المختلفة في المجمع الانتخابي الأمريكي لتحديد الفائز بين أيام 14 ديسمبر إلى23 ديسمبر، ويتم فرز الأصوات يوم 6 يناير حين يجتمع الكونجرس بغرفتيه النواب والشيوخ، وحينئذ تنتهى الانتخابات رسمياً.
وأضاف «عباس» أن قبل إعلان الفائز يحق لترامب، رفع القضايا كما يشاء، ولفت عباس إلى أن المحكمة العليا حاليا تميل لصالح الجمهوريين بواقع 6 أعضاء مقابل 3، لكنه لم يرجح أن يؤثر ذلك، مشيرا إلى أنه في نهاية المطاف سينصب بايدن رئيس للولايات المتحدة، وقد يكتفي ترامب بعدم حضور حفل التنصيب أو تهنئة الفائز كما هو معتاد في الانتخابات.
المظاهرات الأمريكية
واحتشد أنصار ترامب امام البيت الأبيض، الأثنين الماضي، احتجاجاً على نتائج الانتخابات الأمريكية، ومساندة لمزاعم ترامب بشأن حدوث مخالفات.
ويرى «عباس» أن الاحتجاجات في طريقها إلى أن تهدأ مع مرور الوقت، مشيرا إلى أنها تظاهرات «متبادلة من أنصار المرشحين»، وأن تغريدات ترامب العاطفية تدفع الناس لهذا، لكن الولايات المتحدة دولة مؤسسات وستسود المؤسسات في نهاية المطاف.
مصطفي كمال الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يقول «إن المظاهرات المؤيدة لترامب لا يمثل ضغط على الحزب الديمقراطي بل للمحكمة العليا الدستورية»
لكنه أضاف أنه حال أقرت المحكمة العليا بوجود مخالفات في الانتخابات الامريكية فإن ذلك سيؤثر على صورة الديمقراطية الأمريكية.
ماذا سيحدث حال تشبث «ترامب» بالسلطة
ويعد الانتقال السلمي للسلطة أحد المبادئ التي قام عليها النظام السياسي الأمريكي منذ عام 1800، حين خسر جون أدامز الانتخابات، وسلم السلطة لتوماس جيفرسون.
ويطرأ تساؤل حول ما سيحدث حال أستمر ترامب في الأعتراف بالهزيمة، خاصة أن الدستور الأمريكي، لم ينص على قواعد متبعه في هذه الحلة، «بايدن» من جانبه حث الجيش الأمريكي في تصريحات أثناء حملته الانتخابية، على التدخل حال خسر ترامب ورفض التسليم بالنتيجة.
واستبعد «كمال» حال تشبث ترامب السلطة، أن يتدخل الجيش الأمريكي لافتا إلى تصريحات الجيش تقول أنه ملتزم بمهامه، ورجح أن يشكل الحزب الجمهوري لجنة خبراء للضغط عليه.
تأثير انتخابات 2020 على الديمقراطية الامريكية
وشهدت الأنتخابات سابقتين بفوز نائبه الرئيس كامالا هاريس، كأول أمرأة وأول شخص من أصول غير بيضاء يتقلد منصب نائب الرئيس، ويرى «كمال» أن انتخابات 2020، تؤكد على أن امريكا تعيش حالة من الصراع على هويتها، بين العنصرية البيضاء وبين التنوع الديمغرافي الذي يلعب عليه الديمقراطيون.
مع أزدياد موجات الهجرة، وسحب البساط من البيض الأنجلو ساكسون -المؤسسين للبلاد- في الولايات المتحدة لصالح المهاجرين من السود واللاتينيون.
وفي ظل هذا الاتقطاب الحاد في الشارع الأمريكي، يطرأ تساؤل حول مستقبل الديمقراطية الامريكية، الديمقراطية الراسخة منذ ما يزيد عن قرنين من الزمن حين أستقلت البلاد عام 1776،
عمرو عبدالعاطي، الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يرى أن تأثير انتخابات 2020 على الديمقراطية الأمريكية هو استمرار المد الشعبي.
لافتاً على أن ترامب حصل على ثاني أعلى نسبة تصويت شعبي في تاريخ الولايات المتحدة بواقع 73مليون صوت، وأن الحزب لا يريد أن يفقد القاعدة الشعبية المصوته لترامب، في انتخابات التجديد النصفي في عام 2022، أو انتخابات عام 2024.
ويرى عبدالعاطي ترامب ومناصريه أصبحوا يسيطروا على الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، قائلا «إن الحزب يبدأ يكيف نفسه على افكار ترامب».
وتوقع الباحث في مركز الأهرام أنه حال لم يخوض ترامب انتخابات عام 2024، فسيعد الحزب شخص يتبنى نفس أفكار ترامب، مضيفاً أن التأثير الأكبر في الانتخابات هو سيطرة الترامبية على الحزب الجمهوري.
ولفت عبدالعاطي إلى أنه لاول مرة في التاريخ أن نرى رئيس امريكي يخرج عن النظام الدستوري والنظام السياسي الامريكي، ويدعمه كبار الشخصيات الجمهورية، وتؤيد مزاعمه بشأن تزوير الانتخابات.
ورغم ذلك توجد أصوات معارضة لترامب في الحزب الجمهوري، وحول إمكانية حدوث أنقسام داخل الحزب الجمهوري يؤدي لإنشقاق ترامب وأنصاره من الحزب، أستبعد عبدالعاطي ذلك، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة لديها احزاب عديدة لكن الحزبين الجمهوري والديمقراطي هم الممكنيين، ولديهما شعبية وثقل تستطيع من خلالهم إدارة الانتخابات
حسم المحاكم للانتخابات الأمريكية ليس بجديد
ويعول أنصار ترامب على قدرته على قلب الطاولة على بايدن، وعبر تمرير الدعوى القضائية للمحكمة العليا، لتحسم الانتخابات، كما حسمت المحكمة العليا انتخابات عام 2000، بين الرئيس الأمريكي جورج دبلو بوش، ونائب الرئيس السابق آل جور، حين رفضت طلب آل جور بإعادة فرز الأصوات في ولاية فلوريدا.
لكن في تلك المرة يحتاج ترامب بأن تحكم المحكمة العليا لصالحه في عدد من الولايات وليس في ولاية واحدة، الأمر الذي يستبعده عبدالعاطي، لافتاً إلى أن سيناريو 2000 كانت النتائج متقاربة في المجمع الانتخابي وكانت «فلوريدا» ستحسم الأنتخابات، بجانب أن هامش الفوز بين537 صوت.
وتابع عبدالعاطي أما الأن فهناك عدد من الولايات يحتاج ترامب لفوز بها ليفوز في السباق، ويتأخر فيها بفارق آلاف الأصوات، ولفت إلى أن فريق محامي ترامب بدأ في سحب عدد من الدعاوى في عدد من الولايات في ظل أرتفاع هامش الفوز.
وتعد أبرز حجج ترامب، للطعن في الانتخابات هي منع مراقبين حملة من الإشراف على عملية الفرز، كما يريد ترامب أن يبطل كافة الأصوات التي وصلت إلى المراكز الأنتخابية بالبريد بعد يوم 3 نوفمبر، خاصة أن أصوات البريدى عادة ما تذهب لبايدن.
وتوقع عبدالعاطي أن تؤؤل الانتخابات لاعتراف ترامب بالهزيمة وتنصيب بايدن رئيس للبلاد، ليبدأ فترة رئاسية جديدة تستمر لأربع سنوات.