x

صيادات البرلس: الصيد «حياتنا».. و«الفيروس» فرّق عائلاتنا

السبت 14-11-2020 18:52 | كتب: سحر المليجي, ولاء نبيل |
روضة تستعد لإلقاء
«الغزل» فى البحيرة
روضة تستعد لإلقاء «الغزل» فى البحيرة تصوير : إسلام فاروق

الصيد في البرلس ليس مهنة أو حرفة، بل هو حياة، فعلى البحيرة البالغ مساحتها 460 كم، تقع مئات القري الصغيرة، لا يمتلك اصحابها ارضا للزراعة أو مصانع للعمل فيها، بل شواطئ، دفعت كل اسرة ان تمتلك قاربا، تسعي من خلاله إلى اكتساب قوت يومها، يخرج جميع افراد الاسرة سويا، لكل منهم دوره، يعلمون جيدا مواقعهم، في ذلك القارب، الذي يلقي بظلاله في كل منزل.

يؤكد اهالى البرلس ان السمك، هو المصدر الرئيسي بطعامهم، في الافطار والغداء والعشاء، مقلي كان أو مشوي، لا ينتهون من تناوله إلا في «غداء يوم الجمعة»، حيث يستبدلونه باللحوم.

في قرية الحنفي، الواقعة على بحيرة البرلس، والطريق الدولى الساحلى، كان لقاؤنا مع روضة، ذات ال12 عاما لتتحدث عن الصيد والصيادين، خلال جائحة كورونا.
منذ أنامل أظافرها، اعتادت «روضة» أن تسحب «المدرة» بيدها، لتجرف به «دنجل» والدها إلى قلب بحيرة البرلس، في رحلة تبدأ قبل الفجر، مودعة جدتها، التي تطل عليهما من نافذة حجرتها، تدعو لها بالرزق الوفير.

روضة، تلميذة الصف الاول الاعدادي، والتى تحفظ من القران 17 جزءا كاملا، تؤكد ان كورونا كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، فكانت سببا في هجرة والدها، الذي تربي في مهنة الصيد، إلى محافظة المنيا للعمل بإحدى شركات استصلاح الأراضي، لتعانى واخواتها وعدد من صديقاتها معاناة الحرمان من وجود الاب، بعد ان كانوا لا يفارقونه ليلة واحدة.

تقول روضة، «الصيد مش حرفة لاهالى بحيرة البرلس، هو حياتنا، لكل عيلة دنجلها، (وهو المركب الصغير) ال بتصطاد بيه، تخرج به قبل صلاة الفجر، حيث يمسك الأب ب الغزل(الشبكة) يلقيه في البحيرة، تساعده في ذلك امها، بينما تمسك هي ب»العصا«لتوجيه المركب.

روضة التي تتحمل عناء الخروج من قريتها يوميا إلى مدينة «برج البرلس»، للالتحاق بالمدرسة- حيث لا يوجد سوى مدرسة ابتدائي فقط-، تقول ان البحيرة هي صديقة كل بيت، ومصدر دخله وقوت يومه، فمن الأسماك التي يصطادوها يحصلون على المال الذي يمكنها واخواتها من الذهاب إلى المدرسة، بالاضافة إلى توفير الطعام اليومى للأسرة.

وتضيف روضة: بعد انتشار وباء كورونا، وصدور اجراءات وقائية، منها حظر التجوال، والالتزام بالتعليم عن بعد، كان العمل بالبحيرة متوقف تقريبا، إلا للحصول على الطعام اليومى، فأوقات «غير الحظر» محدودة، ولا تكفي الصيد والبيع، خاصة ان بيع الاسماك يتم من خلال تجار الأسكندرية وكفر الشيخ الذين يأتون بسيارة أو اثنين يوميا لشراء «خير البحيرة».

وتؤكد: ان فيروس كورونا، جعل من الصيد بالبحيرة دون جدوى، حيث مُنعت أسواق بيع السمك، الأمر الذي اوجد عبئا على أسر الصيادين، واجبر الأباء على الهجرة إلى مختلف المحافظات المصرية بحثا عن راتب ثابت، تاركا لها مهمة الصيد اليومى، فكانت تخرج مع نسمات الصبح لتلقي الشبكة في المياه، وتنتظر قليلا، لتعود هي وابنة عمها لسحبها من الماء بما تضمه من أسماك.

وعن أكبر سمكة تمكنت من اصطيادها تقول «أكبر سمكة اصطدها كانت نص كيلو، وكنت فرحانة قوى، وفضلت تعافر معايا، بس قدرت أخرج بيها»، مؤكدة انها لن تتوقف عن مساعدة والدها حتى بعد أن تصبح طبيبة كما تحلم.

تؤكد روضة انها تلتزم بالاجراءات الوقائية، فهى ترتدى الكمامة في المدرسة والمواصلات اليومية.

ويستكمل والدها معاذ ياسين الكلام ،قائلا: تربينا ان الصيد لا يفرق بين رجل وامرأة، فالصيد في البحيرة ليست رحلة فردية، بل هو رحلة جماعية، تخرج فيها الاسرة الكاملة في «الدنجل» لرمي «الغزل»، وانتظار الاسماك«ثم سحبها من الماء، ولكل فرد وظيفته ومكانه».

يقول معاذ ان ابنته هي سنده في العمل بالصيد، ويعتمد عليها كثيرا، كغيره من باقي اسر بحيرة البرلس، فالصيد ليست حرفة أو مهنة، بل هي حياة، رغم ما تعانيه البحيرة من ازمات خلال السنوات الماضية، فقد انخفضت كميات الاسماك فيها بسبب تلوث المياه، وضيق البوغاز الواصل بين البحر المتوسط والبحيرة، فضلا عن الصيد الجائز «للذريعة»، وهو ما جعل الاسماك التي يتم اصطيادها، صغيرة الحجم، وتسبب في خفض سعر السمك، حتى أن سعر كيلو البلطى- في افضل الحالات- 6 جنيهات، فيما تتفاوت حصيلة الصيد لليوم الواحد من 4 -6 كيلو، تدر دخلا ما بين «40-100» جنيه، هو بالطبع ما لا يكفى احتياجات أسرته، لكنه أفضل من الرحيل وهجرة أولاده.«.

يصمت لدقائق ويعاود الحديث بتذكر خيرات البحيرة حين كان طفلاً يخرج مع والده للصيد:«كان أقل أنتاج للبحيرة 20 كيلو سمك، ومن خير البحيرة قدر الصيادين يتبرعوا ببناء مدرسة وجامع ومعهد لخدمة اطفال القرية».

وتعد والدة «روضة» واحدة من سيدات القرية، التي تقع عليها مسؤولية تدبير احتياجات الأسرة، وعن فترة كرونا قالت:«قللنا كتير من مستلزمات البيت، وعلشان السمك هو أكتر حاجة متوفرة في القرية وأرخصهم عايشين عليه طول أيام الأسبوع،ما بين مشوى مقلى وصنيه بالشوربة، أو على الحطب، أو صيادية ويوم واحد في الأسبوع بس هو اللى بنأكل فيه فيه الخضار مع الفراخ أو اللحوم».

وعن احتياطات الأسرة لتجنب العدوى من فيروس كرونا قالت الأم :«بصراحة مكناش بنشترى الكمامات أو الكحل إلا للضرورة، غير كده أخدنا احتياطاتنا بغسل الأيد من وقت لتانى، ومنعنا الزيارات..

في سوق برج البرلس، وقفت «ام محمد»، مع زوجة ابنها، في سوق الجمعة، لبيع الاسماك التي اصطادها رجال العائلة، تقول «ام محمد» عندى 4 أولاد، يعملون جميعا بالصيد، حيث يخرجون في تمام الساعة ال2 فجرا، لتقوم هي وزوجاتهم بالذهاب إلى مدينة برج البرلس لبيعها، فيخرجن يوميا في تمام الثامنة، تمشين إلى المدينة البعيدة 3 كيلو عن القرية، لبيع السمك وشراء متطلبات البيت من ارز ومكرونة وصابون وغيره«
وتضيف: «رزق البحيرة مختلف من يوم للتانى، النهاردة اصطادوا 10 كيلو، واحيانا ممكن ينزلوا وميصطادوش، أو يصطادوا سمك صغير، لا يصلح للبيع بالكيلو علشان كده نطبخه وبلاش ننزل نبيعه في السوق».

تستكمل زوجة ابنها، الكلام «فى وقت كورونا، كنا عايشين ايام صعبة، الصيد اغلب الوقت ممنوع، وال بينزل البحيرة مركبه بيتاخد، والفترة ال بيشتغلوا فيها ضيقة، فالرزق كان قليل خالص، ولما ننزل نبيعه، الشرطة تجري ورانا لان ممنوع اقامة سوق، فكنا نجرى نستخبي في الشوارع الجانبية لحد ما نبيع السمك».
وتتابع «من شهر 3 لشهر 6 مكنش في فلوس، في سمك ناكله، لو قدرنا ننبيع شوية سمك نشترى صابون وأرز وبطاطس»
وتستمر في الحديث قائلة «مقدرتش ادخل ولادى الروضة السنة دى، لآنهم زودوا المصاريف ل500 جنيه، علشان كده مش هوديهم يتعلموا».
تعود ام محمد حماتها للكلام قائلة «مشترناش كحول ولا كمامة، عندى 4 اولاد كل واحد منه عنده 3 اطفال، مقدرش اشتري كمامات، اما الكحول اشتريت مرة واحدة من السوق ازازة ب5 جنيه كان تركيزها ضعيف اوى علشان كده مجبنهاش تانى».

حمادة الشامى مدير جمعية الرعاية الاجتماعيىة للصيادين بكفر الشيخ يقول، ان صيادى البرلس عاشوا خلال الفترة الاولى لانتشار كورونا مأساة حقيقية، حيث تم منع اقامة الاسواق، واتسعت ساعات فترة الحظر، الأمر الذي منع الصيادين من الصيد بالبحيرة، وفى حالة صيدهم، لم يجدوا مكانا يبيعون فيه ما اصطادونه، واصبح السمك «بيتشحت» للجيران والصدقاء«.

واضاف «لا يوجد بيت واحد في القرى المطلة على بحيرة البرلس، يخلو من صياد، سواء كان يعمل بالصيد أو صناعة غزل الشبكات، أو تصنيع السفن، الأمر الذي زاد من تأثير كورونا على الأسر، وجعل الكثير من ابناء المهنة يهجرها ويحترف مهن أخرى توفر له قوت يومه هو واولاده.

وأكد أن المرأة شريك اساسي في مهنة الصيد، فالزوجة أو البنت تشارك والدها رحلة صيده اليومية، وتساعده في بيع ما يصطاده، من خلال الذهاب الاسماك إلى السوق، لافتا إلى ان عدد المشتركات بالنقابة من «الصيادات» يمثل 20% تقريبا من حجم المشتركين.

وأكد انه مع بدأ الموجة الثانية من كورونا، فقد بدأت النقابة في عمل حملات توعية للصيادين، عن مخاطر الفيروس، والعمل على جمع المساعدات لتوزيعها على المحتاجين، وخاصة المساعدات الطبية وتقديم الادوية في ظل وجود شكاوى يومية من وجود حالات مشتبه في اصابتها بكورونا .

واختتم كلامه قائلا«الصيادين في كل مصر يحتاجون إلى دعم حالى، لأنه مع قدوم فصل الشتاء والتقلبات الجوية يصبح العمل صعبا، ولكن مع كورونا يصبح الوضع مأساوى، فحتى لو تمكن الصياد من الصيد، لن يتمكن من بيع ما اصطاده، ولو باعه يكون بسعر رخيص جدا لا يكفي احتياجات اسرته».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية